وقفة الضريح اليوم… عزاء ووفاء وبداية صمود

لبنان الكبير

اليوم الذكرى الـ17 لجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التي صار بإمكاننا اليوم، وقد وصلنا الى ما وصلنا من انهيارات على كل المستويات، أن نعرف هدفها: إفقاد لبنان حزام أمانه وجعله في مهب أطماع الحاقدين على “الجماعة” و”الأمة” الذين نجحوا فعلاً في تمزيق الجسد العربي واحتلال عواصم حيوية على خارطته، وبينها بيروت التي رعى الشهيد إعادة رسم تفاصيلها لتكون عاصمة فرح ومستقبل.

الأسئلة التي فرضت نفسها في السنوات الـ16 الماضية، ويلخصها السؤال الموجع: هل كنا وصلنا الى هذا الجهنم لو كان رفيق الحريري على قيد الحياة؟… هذه الاسئلة تزداد هذه السنة مع أسئلة وحساسيات جديدة لسنّة لبنان، بل لكل اللبنانيين الذين آمنوا بلبنان 14 آذار السيد الحر المستقل، مع قرار وريث نهج الاعتدال والدولة المدنية تعليق العمل السياسي.

اليوم، بين الساعتين الـ12 و2 ظهراً سيحتشد المحبون والأوفياء حول ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وستكون العيون والقلوب شاخصة الى سعد رفيق الحريري، للتمعن في ملامحه، للتمحص في كلمات العزاء، علّ شيئاً يشفي الغليل في ما يتعلق بتعليق العمل السياسي، والانتخابات والصوت السني الوازن في حسابات كل القوى.

وقفة سعد رفيق الحريري أمام ضريح والده ستكون العلامة الفارقة، التي سيبني عليها كثيرون حسابات سياسية انتخابية إنطلاقاً من وهم خروج سعد من الساحة، ليحسب نهاشو الجثث أن الوقت حان لهم لتقطيع جسد “المسستقبل” ليس باعتباره تنظيماً له ما له وعليه ما عليه، بل كخيار وطني رايته الاعتدال والوسطية على الرغم من كل الأثمان الثقيلة التي دفعها سعد للحفاظ على هذا الخيار باعتباره طريق الخلاص الوحيد للجميع.

وعشية الذكرى 17 للاغتيال، اجتمع الرئيس سعد الحريري بكتلته النيابية، وكرر موقفه بعزوفه و”تيار المستقبل” عن الترشح للانتخابات النيابية وتعليق العمل السياسي. ووفق المعلومات أن الحريري أعاد أسباب قراره، وأوضح أن قراره لا يعني مقاطعة الانتخابات النيابية وهو يترك الحرية بالترشح لمن يريد على أن يتحمل المرشح وحده المسؤولية من دون استخدام اسم “تيار المستقبل” واسمه. وكان موقفه حاسماً بأن أي محاولات للتمديد لمجلس النواب ستعني استقالة جماعية لكتلة “المستقبل” من المجلس.

وكان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان زار أمس ضريح الرئيس الشهيد في وسط بيروت، على رأس وفد كبير من العلماء، لمناسبة ذكرى استشهاده.

وقال المفتي: “في الظروف البالغة الصعوبة التي نعيشها اليوم، نستذكر الشهيد الرئيس رفيق الحريري، رجل الدولة صاحب الاهتمام الكبير بالإنسان والإعمار والبنيان. نستذكر وفاءه للمبادئ الوطنية، ونستذكر صدقه في الحوارات السياسية في وقت أصبح الكذب على الناس ليس مجرد رذيلة اجتماعية وأخلاقية فقط، بل ركناً من أركان سياسة دولة، تقف اليوم على حافة الانهيار، إن لم تكن قد انهارت فعلاً”.

أضاف: “انبثق رفيق الحريري من تحت ركام وأنقاض بلد متلاش وحمل على كتفيه إعادة بنائه وتعميره، الى أن أرداه التفجير الغادر، فارتقى شهيداً حياً عند ربه، وقد قال تعالى في القرآن الكريم: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون… واليوم يدخل لبنان الوطن مرة جديدة في التلاشي، وكأن القيّمين على شؤونه لم يتعلموا من التجارب السابقة التي دفع اللبنانيون ثمنها غالياً جداً من أرواحهم وممتلكاتهم. في ذكرى الشهيد الكبير رفيق الحريري، وفي ذكرى رفاقه الأبرار الذين لحقوا به على طريق الشهادة، نتساءل بألم ومرارة: الى متى تتواصل قافلة الشهداء وقد كاد لبنان نفسه أن يصبح شهيداً؟. لا ينتهي شعب لا يتخلى عن إرادته. ولا يزول وطن يتمسك برسالته – رسالة المواطنة والعيش المشترك – في بلد يتميز بالتنوع والتعدد الحضاري. كان الشهيد رفيق الحريري رحمه الله تعالى رمزاً للإرادة الوطنية الصادقة، وحاملاً مشعل رسالة لبنان الإنسانية. وكان استشهاده ولادة جديدة لهذه الإرادة، وإحياء جديداً لتلك الرسالة”.

وتابع: “إن لبنان الغارق اليوم في هوة الفساد الأخلاقي والفشل السياسي والانهيار المالي والاقتصادي، يذكر بتقدير، ويتذكر باحترام المبادرات الإنقاذية التي قام بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي نهض بلبنان، وببيروت بشكل خاص، من تحت الأنقاض. وحتى يتمكن لبنان من مقاومة اليأس ومن الاستسلام للأمر الواقع فانه يحتاج الى تجديد العمل بمبادئ الشهيد بما اتسمت به من أخلاقيات سامية ومن مبادرات بناءة ورؤية واضحة… إكرام الشهيد يكون بالدعاء له والترحم عليه ويكون أيضاً بالمحافظة على تراثه الأخلاقي والإنمائي والوطني. وبمواصلة العمل العام في ضوء النهج الوفاقي البناء الذي اعتمده طوال مسيرته في الحكم، وخارج الحكم، وحتى النفس الأخير. وفي ذكرى استشهاده نؤكد المضي قدماً على دربه، تمسكاً بلبنان الواحد ودفاعاً عن أمنه وسلامته وكرامته”.

شارك المقال