العهد يهدد أمن لبنان… والحريري يستكمل “الثورة”

لبنان الكبير
القاضية غادة عون

ما بين بياض ثلج عروض القوى المسلّحة اللبنانية الشرعيّة وصقيع ثلج عرض “حزب الله” العسكريّ، لا تزال تظهر فصولٌ إضافية من مرج خيارات العهد الرئاسي بعدما اختار القصف السياسي على ما تبقّى من هيبة دولة مع استمرار فصول الحملة الممنهجة على اللواء عماد عثمان، في وقت توالى أمس تشييد حصون التضامن الوطني مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي. ويبدو أن “لا حياة لمن تنادي” مع العهد الذي يصرّ على المضيّ في قنابله الدخانية الصوتية مع مؤسّستي المصرف المركزيّ والأمن الداخلي على مشارف انتهاء ولاية رئاسية تُسلّم البلاد بلا حياة، مع ازدياد المخاوف من استمرار المسار التصاعدي للتصعيد العشوائي بما يؤدي إلى تطيير الانتخابات النيابية ووضع البلاد على فوهة بركان شعبي أمني فوضويّ. وواقع حال العهد هو “عنزة لو طارت” كواقع حال عنزة قصر العدل في جديدة المتن أمس، في صورة أثارت انتقادات مضحكة كما مبكية لجهة حجم التفكّك في البلاد.

ولم يكن ينقص حال الإنكار أمس سوى موقف كتلة “حزب الله” النيابية التي جدّدت اعتراضها ورفضها لما اعتبرته “الطريقة التي تم بها إخراج مشروع الموازنة من مجلس الوزراء بشكل مخالف للأصول ومن دون أن يستكمل النقاش حول عدد من موادها التي لا تزال عالقة”. ولم تتغير قاعدة الحزب في التعامل مع السلطة التي يحكمها وينتقد طريقة حكمها، بحيث زعم أن كتلته ستعمد في لجنة المال النيابية إلى “مناقشة مشروع الموازنة بالدقة المعهودة، لجلاء الغموض الذي لا يزال المشروع ينطوي عليه وملتزمة حماية مصالح المستضعفين والمنهكين من المواطنين”.

وتمثّل الدرع التضامني مع اللواء عثمان أمس بموقف الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي أشار إلى أن البعض يسعى إلى ضرب مؤسّسات الدولة تباعاً بهدف المسّ بصورة القوى الأمنية ودورها الوطني الضروري. واستغرب في بيان “الإمعان العبثي من بعض المتحكمين بشؤون البلاد عبر إصرارهم على محاولة ضرب مؤسّسات الدولة تباعاً، وكأن الأمر يندرج في سياق ممنهج لتدمير ما تبقى من هيكل الدولة وأجهزتها”، لافتاً إلى أنه “تحت هذا السياق تندرج الدعوى المستهجنة التي استهدفت قوى الأمن الداخلي ومديرها العام اللواء عثمان، وتهدف في ما تهدف إليه إلى المسّ بصورة القوى الأمنية ودورها الوطني الضروريّ”.

“المستقبل” والانتخابات

وفي ظلّ الاهتراء الدولتيّ والتراشق الذي وصل إلى المؤسسات الأمنية، تذكير بقرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي وعدم خوض الانتخابات النيابية المقبلة، ما دامت لن تغير شيئاً في الواقع اللبناني الحالي في ظل “جهنم” التي أوصلنا إليها عهد الرئيس ميشال عون وسياسات “حزب الله”. هذا ما أعاد التأكيد عليه أمس الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري في جلسة نقاش افتراضية نظمها المعهد الديموقراطي الوطني، مشيراً إلى أنّ “لبنان أمام مرحلة جديدة، وفي مهب المساومات الإقليمية والدولية، وقرارنا ينطلق من قراءة نقدية للمرحلة الماضية، وتحديداً مرحلة ما بعد ثورة 17 تشرين، التي كنا أول من استجاب لإرادتها مع إقدام الرئيس الحريري، الوحيد من كل السلطة السياسية، على تقديم استقالة حكومته، الأمر الذي كان من المفترض أن يشكل زخماً ودفعاً لحركة الثورة ومطالبها، إلا أن العكس حصل بشكل غريب، فقدت الثورة زخمها نتيجة ركوب موجات سياسية عليها وعدم تجاوز الخطوط الحمر مع كلن يعني كلن”.

وإذ لفت إلى أن “الرئيس الحريري قرّر إكمال ما قام به بعد ثورة 17 تشرين، والخروج من حلبة الاهتراء السياسي والاقتصادي ومحاولة صعق الحياة السياسية بخطوة من خارج الكتاب التقليدي للممارسة السياسية، فبادر إلى فعل أخلاقي جديد بالعزوف عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة”، أشار إلى أن ذلك “يفسح في المجال أمام كل القوى التي تقول إنها قادرة على صناعة التغيير لتتقدم الى الساحة، وتقدم مشاريعها، ليرى الناس خيرها من شرها في كيفية التصدي للانهيار الحاصل، ومواجهة تمدد النفوذ الإيراني المتمثل بحزب الله، والاتيان بالكهرباء، واستعادة علاقة لبنان بأشقائه العرب”.

وما أكد المؤكد لجهة صوابية قرار زعيم “المستقبل” هو التشتت والتضعضع الذي تعانيه القوى المحسوبة على المجموعات التغييرية، حيث علم “لبنان الكبير” أن الاتجاه نحو تشكيل 4 لوائح محسوبة على القوى المدنية في دائرة “بيروت الثانية” على الأقل وسط الانقسامات التي تحيط المجموعات لجهة الخلاف على المقاعد والأسماء التي يمكن ترشيحها والتحالفات والبرامج السياسية. والحال هذه متلازمة أيضاً مع الواقع في غالبية الدوائر الأخرى بما يشمل دوائر جبل لبنان والشمال على وجه التحديد. وتشير المعلومات الى أن النزاعات مرتبطة بالخلاف على المقاعد الضعيفة ااتي يرجح أن تشهد خرقاً، بحيث يبرز نزاع على المقعد الماروني في الشوف على طريقة “قعود تإقعد مطرحك” إذ تعارض بعض المجموعات ترشيح نجاة صليبا في المنطقة. وتريد ترشيح أسماء أخرى لتحظى بالمقعد النيابي المزعوم طالما أنّ الرهان على المقعد الماروني للوصول الى الخرق الانتخابي.

وفي الموازاة، علم “لبنان الكبير” أن حراكاً سيباشره رؤساء الحكومة بالتنسيق مع دار الفتوى خلال الأسبوعين المقبلين في سبيل التماسُك الداخلي على صعيد الطائفة السنية والتأكيد على عدم تشتّتها أو تضعضعها. وهناك لقاءات واتصالات تعقد في الكواليس في هذا الإطار، حيث الهدف الأول يتمثل بتجاوز كلّ ذبذبات الضياع والهمود وقطع الطريق أمام محاولات الاصطياد السياسي أو الانتخابي على صعيد الساحة السنية. أما الهدف الثاني فهو وضع صيغة موحدة لكيفية التعامل مع الاستحقاق الانتخابي المنتظر.

بري والطائف

وبعيداً عن التطورات المحلية، كانت العين أمس على افتتاح أعمال الدورة 32 لمؤتمر الإتحاد البرلماني العربي في القاهرة، بمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد “تمسّك لبنان بإجراء الإنتخابات ورفضه أيّ محاولة لتأجيلها، وتمسّكه بتطبيق اتفاق الطائف، وبناء أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب على قواعد الاحترام المتبادل”. كما أشار إلى “دعم لبنان وتأييده لمساعي الحوار القائم بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية عراقية”.

ووجّه بري دعوة للإتحاد البرلماني العربي إلى “المشاركة من خلال لجنة يشكلها للإشراف على العملية الإنتخابية”، مؤكداً حرص لبنان على “بناء أفضل العلاقات مع أشقائه العرب كل العرب على قواعد الاحترام المتبادل لاستقلال الدول وسيادتها وأمنها واستقرارها”. وشدد على “تمسّك لبنان والتزامه بتطبيق واحد من منجزات التضامن العربي وهو إتفاق الطائف كإطار ناظم للعلاقات بين اللبنانيين”.

شارك المقال