“التغريبة اللبنانية”… هروب الى النزوح السوري

لبنان الكبير

فجأة أعادت سلطة العهد بكل وجوهها التركيز على النازحين السوريين، لترمي عليهم كل البلاوي التي تسببت بها للبلد، في وقت بدا أن فخامة رئيس ما تبقى من الجمهورية اللبنانية الجنرال ميشال عون، عاد الى ممارسة الدور الأحب الى قلبه: الحاكم بأمره، عبر المجلس العرفي بعدما غرقت الدولة بمؤسساتها في “زورق الموت” في طرابلس والذي جمع ضحايا البؤس في هذا المشرق، من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين.

وهكذا حضر النزوح السوري بقوة أمس في خطاب أقطاب العهد، فطرحت الهواجس الأمنية المرتبطة به في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في بعبدا، وفي اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بحثه برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي أعلن في ختامه وزير العمل مصطفى بيرم أن “مسألة النزوح لم تعد تحتمل، ولم تعد الدولة اللبنانية قادرة على مقاربة هذا الملف، كما لم تعد قادرة على ضمانه بشكل كلي… نحن لم نعد قادرين على أن نكون شرطة لدول أخرى، كذلك فنحن سنطبق القوانين، ومن يصدر بحقه حكم يجب أن يرحّل الى بلده، وهذا ما تقوم به كل الدول”.

وقال وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار: “نحن في وضع جد دقيق، وصعب وخطير. لقد دخلنا في الكارثة ولا نستطيع تحمل أعباء فوق طاقتنا ولا إمكانات لدينا لصيانة القوارب ولتأمين الفيول في وزاراتنا، وسأبلغ المسؤول عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بقرارات اللجنة الوزارية، وسيصدر بيان اليوم (أمس) بهذا الخصوص بعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع”.

وشكلت السلطات المعنية غرف عملياتها لمواكبة الانتخابات النيابية وحددت الهيئات المشرفة عليها ساعات الصفر في لبنان والعالم لتنبيه وسائل الاعلام من بثّ أيّ إعلان أو دعاية أو نداء إنتخابي مباشر، لكن الطبقة الحاكمة غفلت عن أن تشكل غرفة طوارئ لانعاش شعب يعيش على آلات التنفس الاصطناعي منذ سنوات تشبثاً بالحياة وأملاً بمستقبل أكثر اشراقاً، كما تغاضت عن تحديد ساعة الصفر للانطلاق في مسيرة إنقاذ بلد غرق في أعماق الأعماق بسبب حمولته الزائدة من فسادهم وسمسراتهم وسرقاتهم وكيدياتهم وعنترياتهم.

صحيح أن البلد على بعد 15 يوماً من الانتخابات النيابية، وأنه دخل عملياً في “حمّى” الاستحقاق، إذ لا صوت يعلو على صوت الماكينات الانتخابية والشعارات والتصريحات النارية على مستوى 15 دائرة انتخابية، لكن الصحيح أيضاً أن هذه “الحماوة” على ساحة المرشحين لا تواكبها حماسة من الناس الذين فقدوا كل أمل بالتغيير إن كان من خلال الانتخابات وغيرها من الاستحقاقات الدستورية الأخرى، طالما أن المنظومة هي نفسها تتبادل الأدوار والمقاعد والمراكز ضاربة عرض الحائط بالمصالح الوطنية العليا وهموم الفقراء أي الأكثرية الساحقة من الناس الذين لا يترددون في رمي أنفسهم في أحضان البحار الواسعة من دون أن يرف جفن السلطة التي تدير الأذن الصماء عن سماع كل صافرات الانذار الأمنية والمعيشية والاجتماعية التي تدوي في كل المناطق من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.

وعشية عيد الفطر، تأبى المنظومة أن تعايد أهل البلد الا بمزيد ومزيد من الخلافات والاشتباكات والاتهامات والصراعات وشد الحبال على الأعناق ليأتي “بي الكل” ويطمئنهم بأنه لن يترك الكرسي قبل محاسبة الفاسدين واحداً واحداً وأن الوقت حان لكشف الحقائق، كل الحقائق والمستور، كل المستور في قضية انفجار المرفأ الذي أودى بحياة مئات الأبرياء وسواها من القضايا التي لا تقل اجراماً وفتكاً بحق كل أبناء الوطن، غافلاً عن أنه طوال ست سنوات إنما عمل على ترسيخ الفساد بكل ألوانه، وظلت العدالة استنسابية بالنسبة له بما يخدمه وولي عهده في السياسة والسلطة.

ولا ترى أوساط مراقبة في كلام فخامته عن المحاسبة وكشف المستور، الا تأسيساً لأرضية التمديد له في القصر حين تتوافر الفرصة. في وقت يتمسك اللبنانيون الغارقون بقشة انقاذ تأتيهم من خلف البحار تارة من خلال مساعدة من هنا وأخرى من هناك، وطورا من خلال مؤتمر أو طاولة حوار لتقريب وجهات النظر بين الممسكين بالسلطة الذين يختلفون على جنس الملائكة ويتفقون على شيء واحد: تيئيس الناس وحثهم على الخيار اما الموت غرقاً أو اختناقاً أو جوعاً، والبحر أمامهم وجهنم خلفهم.

شارك المقال