أمتار أخيرة لصناديق الاقتراع… التغيير الحريري يربح

لبنان الكبير

ساعات تفصلنا عن فتح صناديق الاقتراع في استحقاق أول، بعد ثورة 17 تشرين وجائحة كورونا والانهيار المالي وتفجير المرفأ، والأول بإمتياز في ظل المقاطعة السنية المتوافقة مع قرار الرئيس سعد الحريري العزوف عن العمل السياسي التقليدي والانتخابات له ولتياره، مثبتاً بالصوت السلبي أنه يبقى الأقوى على الساحة السنية، فيما ستكون أصوات المشاركة، وسط جعجعة الكلام عن التصدي لـ”حزب الله” والنفوذ الايراني، رافداً أساسياً في تعزيز شرعية المنطومة المتسلطة، اذ أن أكثر السيناريوات تفاؤلاً لا تتوقع تغييراً في وجوه النواب الا بعدد قليل جداً وبما لا يستحق كل هذا الضجيج.

إذاً، انها الأمتار الأخيرة التي تفصلنا عن المنازلة الانتخابية. ارتفعت حدة الحملات على مدى 15 دائرة الى مستواها الأقصى، وطغى هدير الماكينات في الأحياء، وانصبّت الاهتمامات على الاستعدادات الجارية لـ “اليوم الكبير” الذي استحوذ على الكثير من التحليلات والتأويلات ومحاولات التأجيل أو التطيير على مدى ستة أشهر حتى أن المتخاصمين المختلفين على الكبيرة والصغيرة اتفقوا على وصف هذا الاستحقاق الدستوري بـ”المصيري” انطلاقاً من الحسابات الخاصة لكل طرف، وهذا ما يفسر حدة الخطابات التي وصلت الى مستوى الاتهامات ونبش الملفات والمعلومات.

بالنسبة الى البعض، انتخابات 2022 محطة فاصلة بين لبنان ما قبل 15 أيار ولبنان ما بعده، باعتبار أن البلد مقسوم بين رؤيتين واضحتين متباعدتين ومتوازيتين لا يمكن أن تلتقيا، وبالتالي، المسار السياسي بعد الانتخابات لن يكون كما قبله خصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاقات الكبرى من تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية، إذ وصل الأمر بـ”الثنائي الشيعي” الى اعتبار الاستحقاق النيابي “أمراً جهادياً أساسياً للحفاظ على واقع لبنان ومقاومته ووحدته في وجه كل المتآمرين، وأنه فرصة عبادية”، في حين خاض الفريق الآخر، على تعدد لوائحه، الاستحقاق “ليس للحصول على مقعد بالزائد أو بالناقص انما لانهاء الهيمنة على الدولة واسترداد سيادتها ومؤسساتها”.

السباق الى الندوة البرلمانية الذي يجري وفق القانون النسبي المعقد بحساباته وحواصله وأصواته التفضيلية، والذي جاء مشوهاً للنسبية ومعززاً للطائفية والمناطقية وللخلافات بين المرشحين على اللائحة نفسها، اعتبر نكسة دستورية تجب معالجتها، لكن نكسة الانتخابات الكبرى، باعتراف القاصي والداني، والخصم والحليف كانت عندما أعلن الرئيس الحريري تعليق العمل السياسي، وما نتج عن ذلك من بلبلة على مدى الوطن، وهذا ما ظهر جلياً في صعوبة تأليف اللوائح التي جاءت بتشكيلات وتحالفات غريبة عجيبة هجينة “لا تركب على قوس قزح” حتى أن الخبراء أكدوا أن الدراسات الاحصائية هذه السنة مختلفة ولا يمكن أن تكون دقيقة مع توقع مقاطعة سنية تتخطى الخمسين في المئة على الرغم من كل حملات التشجيع على المشاركة في الانتخابات.

ويحلو للبعض اعتبار الانتخابات التي ستنطلق تحت المجهر الدولي والأوروبي والعربي (170 مراقباً من البعثة الأوروبية)، الأهم والأخطر كونها ستكون الاستفتاء الأول بعد انفجار مرفأ بيروت الذي ترك ندوباً عميقة في نفوس اللبنانيين إضافة الى أنها تأتي في ظل أسوأ أزمة اجتماعية واقتصادية ومعيشية وحياتية، وبعد محطة أساسية تمثلت في ثورة 17 تشرين التي شكلت فرصة حقيقية للتغيير ولمحاسبة المنظومة الحاكمة في صناديق الاقتراع، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن التغيير بسبب الأنانيات والهوس بالسلطة.

ومع مرور قطوع الانتخابات في الشق الاغترابي كما في الشق المتعلق بالموظفين المكلفين من رؤساء أقلام وكتبة ومساعدين من دون أحداث تذكر أو خروق نافرة، الا أن المراقبين يؤكدون أنه على الرغم من كل التطمينات والاجراءات المتخذة لتمرير اليوم الانتخابي بسلاسة، والتعليمات الموجهة الى القوى الأمنية للتعامل بحزم مع مفتعلي الاشكالات، فكل السيناريوات متوقعة، والجميع متخوف من هذا اليوم في ظل التجييش والاتهامات برشاوى انتخابية من هنا والضغط على المقترعين من هناك .

وفي حين تختلف الشركات الاحصائية في النتائج المتوقعة لصالح هذا الفريق أو ذاك، إلا أن كل الدراسات أظهرت أن نسبة االمشاركة في انتخابات 2022 ستكون أقل مما كانت عليه في انتخابات 2018 باعتبار أن النسبة الأكبر من الطائفة السنية تعتبر أنها غير معنية بالاستحقاق انسجاماً مع الرئيس الحريري، وناقمة على المنظومة الحاكمة الفاسدة بحيث أن احدى الدراسات أظهرت في دائرة بيروت الثانية أن الرئيس الحريري هو الأكثر تأثيراً، ولديه شعبية أكبر من القوى السنية الأخرى مجتمعة. مع التأكيد أن اقتراع المنتشرين لن يكون له تأثير على النتائج لأن الأصوات تشتتت بين الأحزاب والقوى التغييرية.

شارك المقال