بعد الانتخابات… الخلاف العميق مستمر والصحوة مستبعدة

لبنان الكبير

طُويت صفحة الانتخابات النيابية بعد أشهر من الاستنزاف الحاد لقوى البلد وأهله، واليوم يتقبل الرابحون التهاني بالفوز قبل أن ينصرفوا الى تقويم العملية الانتخابية برمتها ان كان لناحية رصد مكامن الضعف والقوة، أو لناحية نسج التحالفات مع القوى التغييرية والمستقلة والتي اعتبرت ” بيضة القبان” للبرلمان الجديد.

والأهم من كل ذلك، على الفائزين في السباق نحو ساحة النجمة أن لا يتناسوا ان المركب على وشك الغرق أو يتلهوا في انقساماتهم وصراعاتهم عن بلد أصبح على الرمق الأخير إذ كادت الأزمات السياسية والاجتماعية والمالية تُطيح الدولة ومؤسساتها وكيانها، والرهان اليوم على قدرة هؤلاء على التعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى بعيدا عن الحسابات الخاصة القائمة على المصلحة والكيدية والأنانية.

وبغض النظر عن النتائج ان كانت لصالح هذا الفريق أو ذاك، وبعيدا عن التحليلات والتأويلات حول العملية الانتخابية ونسب المشاركة فيها وحواصل اللوائح والفائزين، لا بد من التوقف عند تخوف اللبنانيين من الغد خصوصا ان مؤشرات الخبراء والمحللين تدل على ان البلد ذاهب نحو الأخطر والأسوأ. وبالتالي، كل القلق اليوم أن ينتقل “صراع الديوك” من المنابر والميادين والساحات الى صراع سياسي، يتّسم بالزي الرسمي تحت قبة البرلمان مع العلم ان هناك الكثير من الاستحقاقات المهمة في هذه المرحلة، ومنها انتخاب رئيس للمجلس الجديد، وتشكيل حكومة، وانتخاب رئيس للجمهورية، ومعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، وكل ما يتخلل هذه الأشهر من اجراءات وخطوات من المفترض أن تكون إصلاحية لأن التلكؤ أو أي خطوة ناقصة ستكون انعكاساتها كارثية على البلد وشعبه.

لا شك ان الطريق أمام النواب الجدد مزروع بالأشواك وفيه الكثير من المطبات، لكن الهواجس اليوم تتمحور حول الأسئلة التالية:

هل سيساهم النواب الجدد في وضع برنامج اصلاحي لينطلق البلد على السكة الصحيحة أو ان عملهم السياسي سيكون مقيدا بقرار حكم الأمر الواقع الذي بغض النظر عن أكثرية أو أقلية، فإن كفة النفوذ والقرار”طابشة” لصالحه؟

هل سيترجم النواب شعاراتهم أعمالا ومشاريع حقيقية أو تبقى وهمية واستعراضية مع العلم ان كثيرين يؤكدون ان اهتمامات المسؤولين في واد وهموم الشعب في واد آخر؟

كيف ستكون صورة المرحلة حتى انتخاب رئيس الجمهورية؟

هل فعلا الانتخابات لن تؤخر ولن تقدم في الحياة السياسية العامة لأن المشكلة في مكان آخر؟

وهل لبنان ذاهب الى الأسوأ والأخطر في ظل غياب أي فرملة لذلك؟.

اعتبر الوزير السابق رشيد درباس ان “مشهدا سياسيا جديدا يتجلى في المجلس النيابي الجديد والمختلف كليا عن مجلس 2018. هذا المشهد السياسي هو بداية طريق جديدة ومقاربات جديدة، ولا يجوز الاستخفاف بإرادة الناس”، لافتا الى ان “التغيير ان لم يكن جذريا لكنه بداية تغيير حقيقي. والواقع جاء معاكسا لاستطلاعات الرأي ربما لأن الناس صمتت ولم تعبّر عن رأيها بوضوح”.

وأشار الى ان “لا هيمنة على المجلس المنتخب من قبل الأطراف الذين كانوا يهيمنون عليه، وما جرى غيّر المعادلة في المجلس النيابي”.

ورأى انه “من المبكر الحديث عن الاستحقاقات، لكن اذا كان النواب الجدد من خارج عباءة الهيمنة، استطاعوا التوافق على خطوط حد أدنى خصوصا في الاستحقاقات الكبرى، يكون انجازا”، مشددا على “اننا ننتقل من ارتطام الى ارتطام، ونقبل أن يخفف المجلس من هذا الارتطام ومن حدته”.

وختم درباس مؤكدا ان “الانتخابات مهمة، ويقتضي أن تعيد كل الأطراف حساباتها انطلاقا من نتائجها”.

من جهته، لفت الصحافي جورج علم الى ان “الانتخابات اتخذت شعارات بعيدة عن مطالب الناس الحياتية والمعيشية والتي يتحمل وزرها اللبناني”، معتبرا ان “المشكلة التي كانت قبل الانتخابات ما زالت قائمة بعدها. كيف يمكن معالجة هذه المشكلة؟ ليس هناك من جواب لا في المجلس النيابي الجديد ولا في التكتلات الجديدة”. وأضاف: “اننا أمام أزمة خطيرة. إما أن يدعو رئيس الجمهورية الى طاولة حوار وطني ويقدم الجميع تنازلات للتفاهم، وهذا خيار مستبعد. إما أن تكون هناك مبادرة أممية دولية لجمع اللبنانيين وفرض تسوية عليهم فرضا، وهذا نأمل أن يحصل لكن ليس هناك شيء في الأفق حتى الآن”.

وتابع: “المشكلة ان حزب الله لا يزال يتمسك بالمقاومة وبخياراته، وبرنامجه واضح. يتمسك بسلاح المقاومة بحجة مواجهة اسرائيل والدفاع عن الجنوب واسترداد فلسطين من اسرائيل ودعم المشروع الايراني في المنطقة. أما برنامج السياديين فيقول انه لا يجوز بناء الدولة في ظل وجود هذا السلاح. هذه المشكلة كانت قائمة قبل الانتخابات، وشعاراتها استُخدمت في الانتخابات، وهي مستمرة بعد الانتخابات. كيف المعالجة؟. لا معالجة من الداخل”.

ولفت الى “اننا نعيش في ظل نظام طائفي مذهبي فئوي مناطقي لا مكان فيه للديموقراطية. نعيش في ظل الديموقراطية التوافقية”، معتبرا انه “لا يوجد نظام في العالم اسمه نظام ديموقراطي توافقي لأن التوافق يعني ان هناك مشكلة، وعلى كل طرف التنازل للوصول الى حل وسط للمشكلة. وهذا التنازل قد يكون على حساب الدستور وعلى حساب القوانين. وبالتالي، لا معنى للديموقراطية عندما تكون توافقية لأن التوافق يتخطى الدستور والقوانين للوصول الى تسويات ترضي الاطراف لكي تمر الامور”.

ورأى “اننا سننتقل في المرحلة المقبلة من الخطر الى الأخطر لأنه ان لم يكن هناك تفاهم داخلي على كيفية تدوير الزوايا الحادة في البلد، لا حل، والخلاف عميق. انه خلاف حول هوية لبنان ونظامه وأي لبنان نريد. وليس هناك من حوار. وبالتالي، لا نتأمل خيرا”.

وشدد علم على “ضرورة أن يترفع الأشخاص الذين انتخبهم الشعب الى مستوى المسؤولية الوطنية، ويتداعوا الى طاولة حوار وطني، ويقدموا التنازلات، ويرسموا خريطة طريق لانقاذ البلد، وهذا يكون بداية الحل. لا أرى ان مثل هذه الصحوة الوطنية موجودة، لكن نأمل ان تحصل والا علينا أن نعيش الأزمة ونفتح أبواب ونوافذ الوطن كي يأتي الهواء الخارجي ليفرض مناخه على الداخل، وهذا سيكون مكلفا للشعب”.

شارك المقال