“شمشونات” الطوائف في استحقاقات رئاسات “الهيكل”

لبنان الكبير

كل المقاييس تنقلب رأساً على عقب في بلد يحكمه مسؤولون غير مؤهلين، بحيث تتسابق الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية على وقع تسابق القوى السياسية في الخطابات والمواقف النارية والانقسامية والفتنوية والمصلحية والظرفية.

وإذ انتهينا من انتخابات ضروس، فاننا دخلنا في متاهات خلفتها هذه الانتخابات مع زيادة الديوك على الساحة البرلمانية، واختلالات في التمثيل والأوزان، ليصبح كل استحقاق آت بمثابة “هرمجيدون” سياسي يمكن أن يتحول بسرعة الى محرقة أهلية، على كثرة “الشمشونات” داخل هيكل واحد.

بالأمس القريب كان التناتش على حلبة الاستحقاق النيابي، وبعد أيام قليلة سينتقل الكباش الى ساحة النجمة حيث كل الأنظار تتجه الى كيفية تعاطي التكتلات النيابية المتشعبة مع الاستحقاقات الدستورية الكبرى ومنها تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جمهورية في تشرين الأول المقبل في ظل انقسام عمودي بين الجهات السياسية المتشبثة بمواقفها انطلاقاً من أن مرحلة التسويات لتمرير الاستحقاقات لم تعد سارية المفعول.

المجلس الجديد الذي وُصف بلوحة “موزاييك برلماني” نظراً الى تشعب الاصطفافات وكثرة الانقسامات وعمق الخلافات بين أعضائه، سيوضع تحت مجهر الاختبار الأول بعد تسمية رئيسه إذ أصبح الاستحقاق الحكومي نجم المنابر بعد الخطابات الانتخابية، في وقت تؤكد المعطيات والمؤشرات أن المنحى سلبي حتى اللحظة في هذا الاطار اذا لم يطرأ طارئ يقلب المقاييس في الساعات الأخيرة.

واذا كان ممكناً تفهم “حيرة” نواب التغيير الجدد في التعاطي مع موضوع تسمية رئيس مجلس النواب، فإن اللغم الأخطر زرعه رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في نشوة مقارعة نده الماروني جبران باسيل، بقوله إن لديه مواصفات لهذا المنصب لا تنطبق على الرئيس نبيه بري.

ووسط “الولدنة” الزائدة هذه الأيام، رمى البعض كلاماً عن سحب هذا المنصب من الشيعة، ليأتي الرد صاعقاً، إذ علم موقع “لبنان الكبير” أن “رد الثنائي الشيعي على طرح سحب رئاسة المجلس من الشيعة سيكون عدم الممانعة بذلك، شرط أن يتم توزيع كل المواقع على الأحزاب والطوائف بالاعتماد على النسبية، وحسب الأصوات الانتخابية والتفضيلية، من الرئاسات الثلاث إلى كل وظائف الفئة الأولى، بدءاً من قائد الجيش وحاكمية مصرف لبنان ورئاسة مجلس القضاء الأعلى”.

وعلقت مصادر لـ”لبنان الكبير” بالقول: “لطالما كانت فكرة إلغاء الطائفية السياسية حلم الثنائي الشيعي، وتحديداً الرئيس نبيه بري، الذي قد يرى في هذا الطرح مدخلاً إلى ذلك.” وأملت “ألا تعارض بكركي والقوى المسيحية هذا الطرح، وتحديداً التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، لاعتبارها أن الامتيازات الطائفية تحمي الأقلية المسيحية في البلد”.

أولاً، رئاسة مجلس النواب، وفي الاختبار أكثر من خيار مفتوح على “تسوية نهائية” لبنانية بآفاق “تسوية إقليمية” كثر الكلام عنها طويلاً وظلت سراباً.

وتالياً، تشكيل الحكومة وهو أمر مستبعد خصوصاً أن فريق “حزب الله” يريدها حكومة وحدة وطنية فيما الفريق المعارض يريدها حكومة مستقلين واختصاصيين للنهوض بالبلد. هذا اذا أسقطنا من الحسبان مرحلة شد الحبال في تقاسم الحصص الوزارية التي كانت تنسف الحكومة أو تعرقل تأليفها على مدى أشهر.

وإذا كانت بشائر الانهيار المعيشي تطل برأسها من باب الارتفاع في سعر صرف الدولار، والقفزة النوعية لسعر صفيحة البنزين مع التهويل بعودة الطوابير الى سابق أيامها المذلة، والتحذير من نفاد مخزون الطحين وتوجه الأفران الى الاقفال، وانقطاع العديد من الأدوية ورفع الدعم عن بعضها، فإن بشائر الانهيار السياسي تدق على الأبواب لأن المشهد حسب المحللين سيكون على الشكل التالي: فراغ على المستوى الحكومي وصولاً الى الفراع على المستوى الرئاسي حيث سيكون البكاء وصرير الأسنان والانهيار الكبير المتوقع.

إنها مرحلة ضبابية ورمادية بامتياز، لكن يبقى التعويل على قشة خلاص تأتي من خلف البحار، وتحديداً من خلال دور فرنسي مرتقب لتحريك الملف اللبناني عبر رعاية حوار وطني بمشاركة أطراف اقليمية، تكون نتائجه المساهمة في تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن لا شيء محسوماً على هذا الصعيد كما أنه بحاجة الى وقت لتذليل العديد من العقبات على المستوى الاقليمي والدولي.

لذا، انطلقت باكراً حملة رئاسة الجمهورية، واليوم وضع الملف على نار حامية بحيث كثرت الأحاديث والتحليلات حول شخصية الرئيس وحيثيته التمثيلية والشعبية وتموضعه السياسي وموقعه الاجتماعي وقوة “عضلاته”، ومقاربة موضوع الرئاسة انطلاقاً من قاعدة الأقوى في الشارع المسيحي أو إسقاطها من الحسبان بعد التجربة الحالية الفاشلة. إلا أنه يغيب عن بال الفاعلين والمقررين في البلد أن المطلوب واحد: قبطان ينقذ السفينة بمن فيها قبل الغرق الكامل في قعر البحر حيث لا يعود ينفع لا البكاء ولا صرير الأسنان.

لم تأت الانتخابات النيابية على قدر طموحات الساعين للوصول الى القصر الجمهوري في 31 تشرين الأول المقبل بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون الذي شهد أسوأ الأزمات في تاريخ لبنان، بحيث حلّ مرشح “القوات” النائب المنتخب غياث يزبك أوّلاً، وتفوّق بأكثر من ٢٠٠٠ صوت على النائب جبران باسيل، فيما أصيب تيار “المردة” بنكسة اذ لم يتمكن من التمثيل الا بالنائب طوني فرنجية بما يعني أن المرشحَين الأساسيين لرئاسة الجمهورية، جبران باسيل وسليمان فرنجية، أصيبا بخيبة وبتصدع “معنوي” وشعبي لأنهما هُزما في عقر داريهما على الرغم من أن انتخاب رئيس الجمهورية يرتكز على حسابات داخلية وتسويات “جهنمية” على ايقاع التطورات الاقليمية والتدخلات الدولية.

وإذا كانت حسابات البيدر في الضاحية الجنوبية لم تأت مطابقة لحسابات الحقل الانتخابي الذي كسر صورة مرشحَيها أمام الرأي العام، فإن جعجع الرابح الأكبر على الساحة المسيحية، لن تكون حصته وفيرة من الرئاسة الأولى لأنه استفزازي لفريق الممانعة، الذي لن يقبل بتقديم الموقع الأول في الدولة لا على طبق من فضة ولا على طبق من تنك لشخص يعتبر الخصم الأكبر له. مع العلم أن هناك تعويلاً كبيراً على أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة مغايرة لسابقاتها، وتأتي برئيس مختلف باعتبار أن التغييريين يرفعون شعارات الدولة القوية، ولن يقبلوا بالمساومات، والشعب ينتظرهم على مفترق الاستحقاقات ليحاسبهم أو يدعمهم في خياراتهم لأن المسألة ليست فئوية أو عائلية أو قبلية انما مسألة مصير وطن.

شارك المقال