حكومة ميقاتي في المحطة الأخيرة… “معاً بلا إنقاذ”

لبنان الكبير

قطار الحكومة وصل الى محطته الأخيرة أمس، لكن مقصوراته من أولها الى آخرها كانت فارغة من أي راكب من الشعب اللبناني الذي وُعد ذات يوم بأنه سيركب قطار الخلاص الذي يسير به بسرعة قياسية على سكة الانقاذ والخلاص من نار جهنم.

كانت الجلسة الوداعية لحكومة “معاً للانقاذ”، لكن الناس وقفوا الى جانب المحطة يائسين، جائعين، خائفين، محبطين من وعود بقيت حبراً على ورق في حقائب وزرائهم، فاحتاروا إن كانوا سيودعونها بدموع الفرح لأنهم لم يحصلوا الا على المر والعلقم بعد الوعد بـ”المن والسلوى”، أو بدموع الحزن لأن الكل يبشرهم بأن الآتي أعظم وأصعب، وخير دليل نيران الأسعار التي تحاصرهم وتتنقل من المحروقات الى الخبز وشح الطحين، الى أدوية الأمراض المستعصية وفقدانها، الى قطاع الاتصالات المهدد بالانهيار الى القطاع الكهربائي المعلق على حبال التوتر العالي الوهمي، والحبل على الجرار طالما التلاعب بسعر صرف الدولار قائم.

وكأنه كتب على الشعب المسكين أن يختار بين نارين لا ثالث لهما: نار جهنم أو نار جهنم. ولا عجب في ذلك طالما أن المسؤولين وحاملي شعار الانقاذ لم يعمدوا الى إقرار المشاريع الفاعلة ووضعها على السكة لاخراج البلد من “عنق الزجاجة” بل لجأوا الى سياسة “الترقيع” في حل التراكمات، وإعطاء إبر مورفين وجرعات تخدير لقطاع من هنا وآخر من هناك لتمرير المراحل والضحك على عقول الناس.

مجلس الوزراء عقد جلسته الوداعية على ايقاع الأزمات المتفاقمة والخانقة والحارقة، وعلى جدول أعماله 133 بنداً، شكلت مادة خلافية بين الوزراء على مدى أشهر ما دفع الكثيرين الى التحذير من أن تتسلل الحكومة نحو اجراءات تتخذ طابع “التهريبة” على حساب المواطنين، في حين شدد آخرون على ضرورة أن تنجز الحكومة في جلستها الأخيرة كل ما عجزت عنه على مدى أشهر سعياً الى تسهيل مهمتها في مرحلة تصريف الأعمال التي على ما يبدو ستدوم الى فترة طويلة، لأن كل الدلائل تشير الى أن المرحلة ضبابية وقاتمة في ظل الكباش الحاصل بين القوى السياسية التي تطرح الملف الحكومي من “باب عال” بحيث أن كل جهة تتشبث بموقفها لناحية شكل الحكومة ومواصفاتها وهوية رئيسها. والانقسام حاد بين من يريدها حكومة وحدة وطنية ومن يريدها حكومة مستقلين واخصائيين مع قدرة أي جهة على التعطيل، ما يحتم عدم تشكيلها في ظل دخول معطيات جديدة على خط التأليف من خلال إعادة طرح اسم نواف سلام لرئاسة الحكومة.وفي هذا الاطار، لفت موقف الديبلوماسي الأميركي ديفيد هيل الذي عمل سفيراً لبلاده في لبنان حين تحدث عن أزمة حكومية ستطول، وشلل يصيب البلد في الأسابيع وربما الأشهر المقبلة.

وبغض النظر عن نتائج الجلسة ومقرراتها، يجمع اللاعبون على الساحة السياسية على أن المرحلة ضبابية ودقيقة وسماء تشكيل الحكومة ملبدة بالغيوم السود، مع العلم أن السيناريو الذي كان يتم التداول به عن اعادة تشكيل الحكومة الحالية برئاسة ميقاتي لاستكمال الملفات العالقة والاتفاقات مع صندوق النقد تبدّد، وبات من الماضي خصوصاً بعد الانتخابات النيابية التي خلطت الأوراق.

وتقول مصادر مقربة من الرئيس ميقاتي لموقع “لبنان الكبير” إن ميقاتي يدرس خياراته، ويشترط في حال تمت تسميته أن يكون هناك شبه اجماع حوله من القوى السياسية، وأن يكون التشكيل في وقت سريع، وأن تتحدّد مهمة الحكومة بوضوح، لكن الجميع بانتظار الجلسة الأولى لمجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه، ولتكوين الانطباع الأول إن كان المنحى نحو المزيد من الاحتكاك أو هناك وحدة في التوجه نحو التهدئة مع التأكيد أن لا وعود داخلية أو خارجية للرئيس ميقاتي لاعادة التشكيل.

وفي قراءة لأحد المطلعين على اللعبة السياسية، لفت الى أن حظوظ تشكيل حكومة شبه معدوم خلال العهد الحالي، وحكومة الرئيس ميقاتي ستستمر في تصريف الأعمال، لكن في حال حصلت معجزة ما، فإن السيناريو على الشكل التالي: اسم السفير نواف سلام مطروح بقوة للتشكيل، لكن رئيس الجمهورية لن يوقع تشكيلته الوزارية لأن الأكثرية لن تكون لفريقه كما لن يكون للنائب جبران باسيل دور فيها، ولن يحصل على الوزارات الدسمة التي يسعى الى الحصول عليها خصوصاً أن قوى المعارضة تصر على أن مرحلة التسويات لتمرير الاستحقاقات لم تعد سارية المفعول، والدلع والغنج السياسي سينسحب لصالح المصلحة الوطنية. كما أن النائب المنتخب أشرف ريفي يحاول أن يكون له دور في هذا الاطار، لكنه يواجه صعوبة في ذلك لناحية عدم تقبله من “حزب الله”. أما الرئيس ميقاتي، فيمكن طرح اسمه كحل وسط، لكن حظوظه مقيّدة بتدخل الرئيس الفرنسي أو عدم تدخله .

وفي الخلاصة، فإن مصلحة رئيس الجمهورية ميشال عون أن تستمر حكومة الرئيس ميقاتي الى 31 تشرين الأول المقبل، وهو يسعى الى ذلك في وقت يحاول النائب باسيل تدوير الزوايا مع الجانب السوري من خلال زيارته الى سوريا على رأس وفد في منتصف حزيران المقبل.

مجموعة الدعم الدولية

الى ذلك، رحّبت مجموعة الدعم الدوليّة من أجل لبنان بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في 15 أيّار، معربة عن “تقديرها للمهنية والتفاني والجدية التي أبداها موظفو الخدمة المدنية اللبنانيون في تسيير العملية الانتخابية”. وأشادت بدور قوات الأمن في حفظ النظام العام أثناء سير الانتخابات.

ورأت المجموعة في بيان أن “مشاركة اللبنانيين في الداخل والخارج في هذه الانتخابات أمر مشجع باعتبارها مثلت فرصة ليس كي تسمع أصواتهم وحسب، بل أيضاً لصياغة تطلعاتهم المستحقة”.

وأكدت أنها تتطلع إلى تدشين عمل البرلمان الجديد وتحثه على الافادة من طاقة الأمل التي بثها اللبنانيون من خلال صناديق الاقتراع، معتبرة أن “الوقت حان للمضي قدماً بجرأة على صعيد إقرار التشريعات اللازمة لتأمين الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز الحوكمة، وتنفيذ الاصلاحات التي يحتاجها لبنان وشعبه بشكل عاجل للوقوف على قدميه مجدداً”.

كما دعت مجموعة الدعم جميع الأطراف المعنية إلى “التحرك سريعاً لتشكيل حكومة يمكنها تنفيذ الاصلاحات الحيوية التي طال انتظارها، ومواصلة العمل مع صندوق النقد الدولي، بما في ذلك من خلال تنفيذ الإجراءات المسبقة التي التزم بها لبنان في الاتفاق المبرم على مستوى الموظفين في 7 نيسان، وذلك من أجل إرساء أسس متينة للتعافي الاجتماعي والاقتصادي المستدام للبنان”.

شارك المقال