ثورة فنية في بيروت… وإنذار استباقي سياسي

لبنان الكبير

على الرغم من هشاشة المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد وصمت الأشباح في العاصمة، استطاعت هبة طوجي من “الفوروم دو بيروت” أن توقظ بيروت بصرخة فنية، أبعدت مشاهد الركام الذي سيطر على منطقة المرفأ بعد تفجيره، لتفرض من جديد وأسامة الرحباني وابراهيم معلوف وجه بيروت الحقيقي في “ليلة أمل”، وإطلاق ثورة ثقافية وفنية لتنتقل عبرها عدوى الحفلات المجانية.

على خط آخر، تبدو الانطلاقة البرلمانية “مبطنجة” و”ضايعة الطاسة” بين النواب الذين منهم من لم يجد سبيله إلى كتلة نيابية أو تموضع واضح المعالم في ساحة النجمة. ولم يتبدل منحى الكباش الداخلي على صعيد المواقف والتصريحات التي تحاول القفز فوق الأكثرية الجديدة التي انبثقت من الاستحقاق الانتخابي، بحيث تتصرّف أحزاب الممانعة وكأن “البرلمان برلمانها”، ولها الكلمة الفصل من دون إقامة أي اعتبار للتوازنات الجديدة. واستدعت هذه الأجواء دقّ ناقوس الانذار السريع من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي حذّر من أي محاولة التفافية على نتائج الانتخابات. وتتّجه الأنظار في الأيام المقبلة الى القوى المقابلة لمحور “حزب الله” التي تشكّل عدداً أكثرياً برلمانياً لكنها لم تعكس أي توجهات واضحة تشير إلى وحدة موقف في الاستحقاقات الكبرى المنتظرة، وعلى رأسها انتخابات رئاسة مجلس النواب ونائب الرئيس قبل البحث في مواضيع أكثر مفصلية لناحية تشكيل الحكومة الجديدة.

وأشارت معلومات “لبنان الكبير” إلى أنّ هناك مشاورات قائمة خلف الأضواء على صعيد أكثر من فريق محسوب على القوى السيادية، في سبيل إمكان التوصل الى مقاربة واحدة والتوجه بها الى مجلس النواب لانتخاب رئيسه ونائبه في ظل هواجس قائمة من تضعضع في المواقف قد تنتج مرشحين عدّة ليس باستطاعتهم تأمين الحدّ الأدنى من الأصوات البرلمانية مقابل بدء الحديث عن مقايضات بين أحزاب 8 آذار. ولم ترشح القوى السيادية أي إسم لمنصب نائب الرئيس حتى اللحظة، محاولة الانطلاق من عناوين عامة ترتبط بالمواصفات الشخصية قبل الانتقال إلى التداول في التسمية. ويلاحظ أن المشاورات لم تشمل حتى الساعة جميع القوى السيادية بل لا تزال في بدايتها، علماً أن المعطيات تشير إلى إسمين هما الأكثر بروزاً في المرحلة المقبلة: غسان حاصباني وملحم خلف، من دون أن تصدر تسمية أو ترشيح شخصي أو حزبي منهما أو من فريقهما حتى اللحظة.

ولم تخفت التصريحات الملوحة بالكتلة النيابية الأكبر، أمس، مع إشارة رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل إلى حصول “التيار” على 21 مقعداً نيابياً. وتوقّع أن “يفوق العدد الـ23 مقعداً مع الطعون”، مع التشديد على “التمسّك بقانون الانتخاب والميغاسنتر وتطويره”. وفي غضون ذلك، علم “لبنان الكبير” أن المشاورات بين أحزاب ونواب بتوجهات سيادية تنعطف على البحث في القرارات التي سيتخذها بعض النواب المستقلين لجهة تموضعهم على صعيد التكتلات. وهناك في هذا الصدد من أبدى رغبته في الاستمرار كنائب مستقل من دون الانضواء في كتل، في مقابل مجموعة من الأسماء التي تستكمل المشاورات معها في الأيام المقبلة. وعلى تنوّع المقاربات حول التموضعات التكتليّة، فإنّ المعطى الذي يولي أفرقاء سياديون أهمية تجاهه هو ضرورة التنسيق بين الكتل والمستقلين السياديين في المواضيع الأساسية مع تساؤلات حول مدى إمكان النجاح في المساعي والابتعاد عن التضعضع.

وفي وقت بدأ المجلس النيابي الجديد ولايته أمس وباتت الحكومة في حكم المستقيلة، أعلنت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية رسمياً أنّه “عملاً بأحكام البند 1 من المادة 69 من الدستور، المتعلقة بالحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، لا سيما أحكام الفقرة ه من البند المذكور، ونظراً الى بدء ولاية مجلس النواب الجديد يوم غد (أمس) في 22/5/2022، أعرب رئيس الجمهورية عن شكره لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، وطلب من الحكومة تصريف الأعمال ريثما تشكل حكومة جديدة”.

وتزامناً مع انطلاق الصفحة البرلمانية الجديدة، أشار البطريرك الراعي إلى أن “قيمةَ القِوى الفائزةِ بالأكثريّةِ ليست بعددِ نوّابِها، بل بقُدرتِها على تشكيلِ كُتلٍ نيابيّةٍ متجانِسةٍ ومتَّحدةٍ ومتعدّدةِ الطوائف حولَ مبادئ السيادةِ والاستقلال والِحياد واللامركزيّة”، معتبراً أن “انتخاب مجلس نيابيّ جديد هو بدء مرحلة مصيريّة يتوقف عليها مُستقبلُ لبنان وشكلُ الدولةِ اللبنانية”. وأكّد “أننا أمام استحقاقات تبدأ بانتخابِ رئيسٍ للمجلسِ النيابيِّ الجديد على أسُسِ الدستورِ والميثاق، وتَمرُّ بتأليفِ حكومةٍ وطنيّةٍ على أسُسِ التفاهمِ المسبَقِ على المبادئ والخِيارات والإصلاحات فلا تَتعطّل من الداخل، ثمّ تَصل إلى انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجُمهورية على أسُسِ الأخلاقِ والكفاءةِ والتجرّدِ والشجاعةِ والموقِفِ الوطنيّ”، متوجهاً إلى “المواطنين لاسيّما أولئك المؤمنين بالتغييرِ الإيجابيِّ وبالسيادةِ الوطنيّةِ وبوِحدةِ السلاحِ وبالحيادِ وباللامركزيّةِ”، داعياً إياهم إلى “اليقظةِ والاستعدادِ لمواجهةِ الالتفافِ على الإرادةِ الشعبيّةِ حتى لا يَضيعَ صوتُ الشعبِ الصارخ في وجهِ المصالح السياسيّةِ والتسوياتِ والمساوماتِ وتقاسم المناصب على حسابِ المبادئ”.

شارك المقال