التغييريون وسط  المحاصصات الكبرى

لبنان الكبير

على حبل رفيع من الاستحقاقات الدستورية والأحوال المعيشية، يتأرجح اللبنانيون، فإما سيلتف حول رقابهم بفعل رياح التسويات والمحاصصات والصفقات، فيختنقون وينتظرون على الرمق الأخير الاستحقاق الرئاسي في 31 تشرين الأول المقبل، أو ينقطع بهم ويكون الارتطام الاجتماعي الكبير بعد المجاعة التي ستهدد كل بيت وكل عائلة .

الغيوم في السماء السياسية ملبدة وسوداء، تنذر بأزمات متتالية على صعيد المجلس النيابي والحكومة ورئاسة الجمهورية لأن كل البوادر الانقاذية والتنفيذية والاصلاحية مجمّدة حتى نهاية العهد، فيبدو المشهد السياسي على الشكل التالي: مجلس نيابي احترقت طبخته لكثرة الطباخين، وسط الأحاديث عن مساومات وصفقات تحت الطاولة وفوقها للخروج بأقل أضرار ممكنة، إلا أن الجميع بانتظار اشارة المايسترو نبيه بري بصفته رئيساً للسن لاطلاق صفارة اجتماع المجلس الجديد بحيث بدأت مهلة الـ 15 يوماً لانتخاب رئيس المجلس النيابي الجديد وأعضاء هيئة مكتبه أول من أمس، مع توقعات أن يحصل على رقم قياسي هذه المرة من الرافضين لاعادة انتخابه أي من أحزاب المعارضة والنواب التغييريين والمستقلين، على الرغم من أن الاجماع الشيعي للنواب الـ27 على ترشيحه يلغي وجود أي منافسة.

وإذا كان “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل” بوساطة من “حزب الله” يرسمان من خلف الستارة وتحت أجنحة ليل الفترة الفاصلة عن الاجتماع، خارطة المحاصصات للمرحلة المقبلة من انتخاب رئيس المجلس الى نائبه الى الحكومة، فإن الاتصالات قائمة بين أحزاب المعارضة والنواب التغييريين للتنسيق في ما بينهم لخوض المعارك السياسية الكبرى من الخندق نفسه. وهم متيقظون لأي محاولة للقفز فوق نتائج الانتخابات النيابية مع تأكيد بعضهم أن على الطبقة السياسية التقليدية أن تعرف خير المعرفة أن النهج، الذي اتبع في العمل السياسي على مدى سنوات لن يستمر، وأن سياسة المساومات والصفقات والسمسرات ستتوقف، لأن النفس الجديد سيكون الصوت الصارخ داخل المؤسسات الدستورية وخارجها. مع التأكيد أن القوى التغييرية تتقاطع مع الأحزاب التقليدية المعارضة في القضايا الوطنية الكبرى مثل سلاح “حزب الله”، وتطبيق الطائف، وتنفيذ القرارات الدولية، وعدم موافقتها على بيان وزاري يتحدث عن ثلاثية: شعب وجيش ومقاومة، وستعارض فكرة الوزير الملك أو تكريس وزارة كوزارة المالية لطرف معين، وإظهار الحقيقة في انفجار المرفأ، والدولة المدنية وغيرها من العناوين المهمة. ما يعني أنه ربما لن تنشأ جبهة كبرى لأن التغييريين يريدون أن تكون لديهم شخصية مستقلة في البرلمان، لا أن يظهروا أمام ثوار 17 تشرين تابعين للأحزاب التقليدية، لكنهم في الوقت نفسه ليسوا انعزاليين، ولن يغيروا ثوابتهم الوطنية الأساسية التي تتقاطع مع الأحزاب التقليدية المعارضة، وهم أمام أول امتحان عند انتخاب رئيس المجلس ونائبه.

ويؤكد أحد المقربين من التغييريين أنهم لن يخذلوا الشعب اللبناني، ولكن علينا أن نعطيهم بعض الوقت كي يرتبوا أوراقهم، وينظموا أنفسهم، وسيكونون حجر الزاوية في المجلس النيابي، ومعهم ستتغير اللعبة السياسية لأن المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.

أما على المقلب الحكومي الذي دخل “البازار” السياسي من بابه العريض، فيبدو أن مسار التكليف والتأليف مليء بالمطبات والعرقلات والصعوبات لناحية التوافق على شخصية سنية للتأليف، لكن على الرغم من الأسماء التي يتم التداول بها، فإن المعطيات تشير الى أن حكومة تصريف الأعمال الأوفر حظاً للاستمرار الى حين الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً أن التجاذبات بين القوى السياسية في أعلى درجات الحماوة، مع العلم أن من بين الخيارات التي تدرس حالياً في الصالونات المغلقة، اعادة تشكيل حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي مع بعض التعديلات في أسماء الوزراء، ومن بينها النائب جبران باسيل على أن يتولى حقيبة وازنة مع عدد من الوزراء المحسوبين عليه لإدارة مرحلة الفراغ الرئاسي المتوقع. إلا أن أحد التغييريين أكد لموقع “لبنان الكبير” أن “على قوى الموالاة أن تأخذ في الاعتبار نتائج الانتخابات، وأي حديث عن تمرير صفقة أو مساومة على حساب المصلحة العامة سنقف في وجهه سداً منيعاً، اذ لم يعد جائزاً فرض الرأي على الآخرين عبر فذلكة دستورية من هنا وفيتو ميثاقي من هناك”.

هذه السوداوية المترافقة مع الانهيارات على المستويات كافة تدفع البعض الى المراهنة على العقلاء للتسريع في إتمام الاستحقاقات الدستورية في موعدها، فيما يرى آخرون أن من سابع المستحيلات أن تتوافق الأطراف السياسية حول الحكومة ورئيسها ورئيس الجمهورية، وبالتالي، لا أمل الا بيد خلاص خارجية تأخذ باليد اللبنانية من خلال مؤتمر أو حوار يتفق خلاله على سلة أو رزمة من الاستحقاقات ومنها الحكومة ورئيسها وشكلها ومهامها، واسم رئيس الجمهورية، وما يستتبع ذلك من اصلاحات واتفاقات مع صندوق النقد الدولي.

شارك المقال