البلد “تمسح”… وسط “كسور الحواصل” والعواصف

لبنان الكبير

لم يعد اللبنانيون يأبهون بأخبار الفيروسات التي يجهد العالم لاحتوائها، ولا بأخبار العواصف الرملية والقطبية التي تجتاح الدول القريبة والبعيدة، ولا بمقررات مؤتمرات دولية لمحاربة المجاعة لأنهم بكل بساطة غارقون في بحر من الفيروسات السياسية والاجتماعية والمعيشية والمالية والصحية، وتكوّنت لديهم مناعة جماعية مرتفعة، وتحولت أجسامهم الى مضادات حيوية لكل أنواع الأوبئة المعدية والمتنقلة من قطاع الى آخر. وهم يتحدّون بصلابة شرسة كل الرياح العاتية التي مهما عصفت بغبارها الكثيف لن تخنقهم أكثر من مسؤوليهم الذين شدوا الحبال على رقابهم على مدى سنوات وسنوات من دون أن يرف لهم جفن. ولا يأبهون بمقررات أو توصيات أو مواقف داعمة لأنهم ينطلقون من قاعدة: “أكتر ما صار ما رح يصير”.

منذ أن انتهت سكرة الانتخابات، يبدو المشهد السياسي على حاله تخترقه مواقف وتصريحات وإحياء للمناسبات وتقديم الطعون بالانتخابات أمام المجلس الدستوري، والوقفات الاحتجاجية على صعيد القطاعات بحيث دخل البلد وأهله في مدار انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه، وأصبح من المسلمات أن الرئيس نبيه بري سيعود للمرة السابعة رئيساً للمجلس النيابي، إلا أن معركة شد الحبال قائمة على نائب الرئيس، اذ تتبدل الأسماء وفق بورصة الحواصل وصناديق السمسرات والصفقات، مروراً بالسجالات المكهربة حول تشكيل الحكومة وشكلها ورئيسها على الرغم من المعطيات التي تشير الى أن الحكومة الحالية ستصرّف الأعمال على مدى الأشهر المقبلة، بحيث يحذر الخبراء من الفراغ على هذا الصعيد الذي ستكون تداعياته كارثية على بلد بات قاب قوسين من الانهيار التام.

وإذا كانت الأطراف منقسمة بين من يريدها حكومة وحدة وطنية ومن يريدها حكومة أكثرية، بمعنى أن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، وسط التداول في أسماء متعددة، علم “لبنان الكبير” أن “الثنائي الشيعي” لم يطرح أي اسم لرئاسة الحكومة المقبلة وليس لديه أي فيتو على أي شخصية سنية، ولكن يدرس الموضوع في حينه مع الأخذ في الاعتبار التغيير الذي أفرزته الانتخابات النيابية، وبالتالي، كل ما يتم تداوله في الاعلام نوع من بيع الكلام.

وفي السياق، فُتحت معركة الاستحقاق الرئاسي باكراً وسط الحديث عن أن جهات عربية وأجنبية بمباركة فاتيكانية تتواصل مع قوى لبنانية لاقتراح عدد من الأسماء المؤهلة لمنصب رئاسة الجمهورية بمعنى أن يكون الرئيس المقبل وسطياً وعقلانياً وغير استفزازي، ويزين الأمور بميزان الجوهرجي لأن الوضع لا يحتمل الفراغ ولا أي خطوة ناقصة.

وبعيداً من السياسة وزواريبها ووحول مستنقعاتها، يتفرج اللبنانيون على حفلات التقاتل وتناتش الحصص وهم في حالة إحباط لأنهم أصبحوا في مكان بعيد كل البعد عن برج المسؤولين العاجي. هؤلاء لهم لبنانهم والشعب له لبنانه. هؤلاء يتلهون بحصصهم ومراكزهم والشعب يحسب ألف حساب لتأمين أولى الأولويات. هؤلاء يضيعون الوقت في السجالات بين بعضهم البعض على ملف الكهرباء والاتصالات والشعب غارق في عتمة شاملة. هؤلاء يتسابقون ويتقاتلون على الجلوس في الصفوف الأولى والشعب موعود بالتشريعات والاصلاحات الموضوعة في “ثلاجة” الانتظار الطويل الى ما بعد بعد إتمام الاستحقاقات الموعودة والتوافقات والاتفاقات المنشودة. هؤلاء يتراشقون الاتهامات والشعب يموت على أبواب المستشفيات. هؤلاء يرتبون أوراقهم لتقديم الطعون بالانتخابات النيابية أمام المجلس الدستوري والشعب مطعون في أعماق الصميم. هؤلاء يأكلون حصرم البلد وخيراته والشعب يضرس مرارة تحمله لهم على مدى سنوات وسنوات.

كل ذلك، وأهل الحكم يراهنون على قدرة اللبناني على التحمل والتأقلم إلا أن الخبراء يؤكدون أن للصبر حدوداً ولكل مسار نهاية، وقدرة الناس على التحمل بدأت بالنفاد ما يعني أننا ذاهبون الى فوضى وانزلاقات أمنية لا تتخذ الطابع الارهابي الجماعي أو تصل الى حرب، انما تبقى ضمن دائرة الجرائم الجنائية الفردية والمحدودة أو ربما نشهد تحرك مجموعات وعصابات في الطرقات لأن الجوع كافر.

وفي قراءة سياسية لما يجري على مستوى جنون الأسعار، رأت مصادر مطلعة أن لهذا علاقة مباشرة بنتائج الانتخابات، وقد تكون وراء حركة انهيار العملة الوطنية “قبة باط” من محور الممانعة لايصال رسالة الى السياديين والتغييريين والأحزاب التقليدية المعارضة مفادها أنه لن يكون من السهل تحقيق أهدافكم سواء في انتخابات رئيس المجلس ونائبه أو تحقيق الحلم بأن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض. وبالتالي، تحريك سعر الصرف صعوداً هو سياسي. وبدل أن ترخي الانتخابات بظلالها الايجابية، ويرتاح البلد راحة مؤقتة، سادت أجواء سلبية لخلق مناخ من التصعيد.

من جهة ثانية، أكدت مصادر أمنية لـ “لبنان الكبير” أن لا معطيات لديها عن أحداث أمنية، ولا يمكنها الارتكاز على التحليل والتوقعات “لأن مهمتنا طمأنة الناس وليس اخافتهم على الرغم من معاناة السلك الأمني والعسكري الذي سيقوم بواجباته حتى الرمق الأخير، إذ لا يجوز ترك البلد للخارجين عن القانون تحت أي ذريعة أو سبب”.

شارك المقال