أرانب سلامه تروّض الدولار ونظرة “فيتش” قاتمة

لبنان الكبير

…وحين سادت الولولة، على واقعنا وحلق بنا الدولار عالياً بالخوف على لقمة الخبز، أخرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامه أرنبين سحريين من كم الاحتياطي لديه وصعق الجميع، وفي غضون ساعتين هزم الدولار بنحو ٩ آلاف ليرة.

ما زالت المعجزات ممكنة؟ ليس بالضرورة ما دامت الذمم الفاسدة قادرة على شفط كل ايجابيات السوق، وما دام الوضع السياسي في حضيض استحقاقات تبدو عصية على التحقق.

أسبوعان مرّا على إجراء الانتخابات النيابية، والتي كان يأمل كثيرون أن تكون بداية لتحسن ما في ظل أزمة مالية اقتصادية ونقدية ومصرفية مركبة لم يشهد العالم لها مثيلاً. لكن الانهيار الشامل تواصل بوتيرة سريعة تشبه كرة الثلج في كل القطاعات الحيوية، لاسيما في الكهرباء التي يبدو أن لا حل لها في الأفق مع إعلان وزير الخارجية عبد الله بو حبيب أن خطة نقل الغاز من مصر إلى لبنان تواجه صعوبات حالياً.

وعلى وقع تدهور الخدمات، كانت الأسواق تشهد المزيد من الترنح تحت وطأة إنهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي سجل مستويات قياسية أمس.

ويضاف الى المشهد القاتم ما أعلنته وكالة “فيتش” التي وصفت الانتخابات بأنها “غير حاسمة” ما يعني استمرار صعوبة خروج لبنان من وضع التخلف عن الوفاء بالتزاماته السيادية. أما تنفيذ الشروط المسبقة لصندوق النقد الدولي فرأت “فيتش” أنها “صعبة كون تشكيل الحكومة عملية طويلة تاريخياً، ويشير عدم وجود فريق فائز واضح في هذه الانتخابات إلى أن الأمر سيستغرق وقتاً مرة أخرى”.

سوق القطع

ارتفاع صاروخي وهستيري شهده أمس سعر صرف الدولار مقابل الليرة في السوق الموازية بلغ حدود الـ37800 ليرة مسجلاً قفزات غير مسبوقة في ساعات النهار. وفي الوقت الذي بدا أن ضبط سعر الصرف بدأ يخرج عن السيطرة وأنه قد يلامس في ساعات قليلة عتبة الـ40 ألفاً، أصدر حاكم مصرف لبنان بيانين كان وقعهما كبيراً على سعر صرف الدولار مقابل الليرة والذي شهد تراجعا كبيراً وسريعاً لينخفض عن مستوى الـ30 ألفاً وبواقع حوالي 9 آلاف ليرة. في البيان الأول، أعلن سلامه أنه “بناء على التعميم 161 ومفاعيله وعلى البنود الرقم 75 و83 من قانون النقد والتسليف، يمكن لجميع حاملي الليرة من مواطنين ومؤسسات ويريدون تحويلها الى الدولار، التقدم بهذه الطلبات الى المصارف اللبنانية إبتداءً من الاثنين المقبل وذلك على سعر صيرفة”، موضحاً أنه “ستتم تلبية هذه الطلبات كاملةً في غضون 24 ساعة”، وأن “هذا العرض مفتوح ومتاح يومياً”. وما هي الا دقائق حتى بدأ سعر صرف الدولار يتراجع بسرعة ويكسر عتبة الـ35 ألفاً نزولاً، فألحق سلامه بيانه الأول ببيان ثان أوعز فيه الى المصارف أن تبقي على فروعها وصناديقها مفتوحة يومياً حتى الساعة السادسة مساءً ابتداءً من الاثنين المقبل ولثلاثة أيام متتالية، وذلك لتلبية طلبات المواطنين من شراء الدولارات على سعر “صيرفة” لمن سلم الليرات كما دفع معاشات الموظفين في القطاع العام بالدولار أيضاً على سعر “صيرفة”. وواصل الدولار انخفاضه بعد ذلك ليتراجع الى أقل من 30 ألف ليرة مساء.

صحيح أن بياني سلامه ساهما في تراجع الدولار، لكن التطبيق العملي لهذا التراجع هو من خلال استمرار استخدام ما تبقى من احتياطات لدى المصرف المركزي من دون أن تكون هناك رؤية اقتصادية واضحة للخروج من هذا النفق سوى خطة للتعافي هي أشبه بخطة لشطب الديون فقط.

ولكن هل كان الارتفاع الذي شهده الدولار في اليومين الماضيين طبيعياً أو مبرراً، وهل من أسباب تقنية أدت الى ذلك؟

في قراءة للتطورات الحاصلة، لا مبرر لهذا الارتفاع الجنوني. إذ ليس هناك طلب استثنائي على الدولار من أجل تمويل عمليات الاستيراد الضرورية. فمصرف لبنان يستخدم مبالغ من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي لتمويل شراء الطحين والأدوية ودعم إستيراد المحروقات. كما أن وزارة الاقتصاد أمّنت قرضاً من البنك الدولي لشراء الطحين. وبالتالي، فان هناك عوامل تقنية تؤثر على ارتفاع الدولار كالمضاربات والتلاعب في السوق الموازية، الى جانب العوامل السياسية نتيجة الانقسام داخل المجلس النيابي.

وقال وزير المالية يوسف الخليل: “هناك أمر غير طبيعي في حجم الفارق بين سعر صيرفة وسعر الصرف في السوق السوداء”. فعمليات الصرف في السوق السوداء لم يتجاوز حجمها مؤخراً الخمسة ملايين دولار يومياً، فيما يتعدى حجم التداول على منصة “صيرفة” عشرات ملايين الدولارات يومياً (بلغ 42 مليون دولار أمس).

وأكد أن شح توافر الليرة اللبنانية وتوافر الدولار بشكل متزايد يفترض أن يؤدي الى نتائج عكسية، تؤدي الى انخفاض سعر صرف الدولار، وعليه فإن انفلاته بهذا الشكل هو أمر غير طبيعي مما يزيد من فرضية إقدام البعض على خلق هذه الفجوة.

“فيتش”

ووسط هذه المشهدية المتدحرجة، خرجت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني بتقرير قاتم عن لبنان أعلنت فيه أن الطريق لا يزال صعباً أمام لبنان للخروج من وضع التخلف عن الوفاء بالتزاماته السيادية بالنظر إلى النتائج “غير الحاسمة” للانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار.

وقالت “فيتش” إن “إضعاف الكتلة الموالية لحزب الله يُحسّن من وضع الأحزاب الأخرى… لكننا نعتقد أن تنفيذ الشروط المسبقة لصندوق النقد الدولي سيظل صعباً (بالنظر إلى أن) تشكيل الحكومة عملية طويلة تاريخياً، ويشير عدم وجود فريق فائز واضح في هذه الانتخابات الأحدث إلى أن الأمر سيستغرق وقتاً مرة أخرى”.

أضافت: “لا تزال كتلة حزب الله أكبر تجمع برلماني، بحيث تضم 61 مقعداً من أصل 128 مقعداً. كما أنها لا تزال في وضع جيد للتحكم في اختيار رئيس البرلمان، وهو دور مخصص للمسلمين الشيعة، بحيث فاز حزب أمل المتحالف معه بجميع مقاعد الشيعة البالغ عددها 27 مقعداً في المجلس التشريعي. يمتلك حزب الله أيضاً روافع أخرى للتأثير خارج السياسة الانتخابية الرسمية”.

وتابعت: “وبحسب ما ورد أعرب الوزراء المقربون من حزب الله وحركة أمل عن بعض الاعتراضات عندما صوّتت الحكومة المنتهية ولايتها في 20 أيار 2022 لتمرير خطة التعافي المالي. وهذا يستدعي، من بين إجراءات أخرى، إلغاء جزء كبير من الدين بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان (مصرف لبنان، المصرف المركزي)، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي – بما في ذلك بعض الحماية لصغار المودعين وقصص على آخرين – وحل المصارف غير القابلة للاستمرار”.

شارك المقال