اسرائيل تباشر قرصنة “حلم الثروة” والمسؤولون في بحر المحاصصة

لبنان الكبير

بينما يتلهى المسؤولون بتقاسم الحصص في المؤسسات الدستورية، والبلد مشغول بجنس الملائكة في الآتي من استحقاقات قريبة، ومع انطلاق رحلة تعطيل الاستشارات النيابية الملزمة لتأمين حكومة ترضي العهد، اذ لا استشارات هذا الاسبوع، بات العدو على مسافة قريبة من انتاج النفط والغاز مقرصناً جزءاً كبيراً من حلم الثروة الذي يراود اللبنانيين علّهم يخرجون من قاع جهنم، وسط نزيف حاد على مستوى القطاعات كافة، فيما يتوقع كثيرون “موجات حارة جداَ” على جبهات عدة في الأيام المقبلة.

سفينة الغاز

وصلت أمس السفينة “انيرجيان باور” للتنقيب عن الغاز إلى الحدود البحرية المتنازع عليها، أي حقل كاريش، حيث بدأت اسرائيل تثبيت موقعها فيه.

وأجرى رئيس الجمهورية ميشال عون اتصالات مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وعدد من المعنيين للبحث في هذه التطورات. وطلب من قيادة الجيش تزويده بالمعطيات الدقيقة والرسمية ليبنى على الشيء مقتضاه، لافتاً الى أن المفاوضات لترسيم الحدود البحرية لا تزال مستمرة، وبالتالي فان أي عمل أو نشاط في المنطقة المتنازع عليها يشكل استفزازاً وعملاً عدائياً.

ورأى ميقاتي أن “محاولات العدو الاسرائيلي افتعال أزمة جديدة، من خلال التعدي على ثروة لبنان المائية، وفرض أمر واقع في منطقة متنازع عليها ويتمسك لبنان بحقوقه فيها، أمر في منتهى الخطورة، ومن شأنه إحداث توترات لا أحد يمكنه التكهن بتداعياتها”، داعياً “الأمم المتحدة وجميع المعنيين الى تدارك الوضع وإلزام العدو الاسرائيلي بوقف استفزازاته”.

الرئيس السابق للوفد اللبناني المفاوض على ترسيم الحدود البحرية العميد الركن بسام ياسين كشف لـ”لبنان الكبير” أن السفينة اليونانية ستبدأ خلال مدة زمنية من شهر الى شهرين بسحب الغاز. وطالب الدولة اللبنانية بتعديل الاحداثيات في المرسوم ٦٤٣٣ بما يتلاءم مع الخط ٢٩ وإبلاغ الأمم المتحدة بهذا التعديل قبل فوات الأوان.

وأشار الى أن “باستطاعة كل من وزير الخارجية أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية إرسال هذه الرسالة كما ينبغي وتوجيه انذار الى شركة التنقيب اليونانية بعدم بدء العمل في هذا الحقل لأنه يقع في منطقة متنازع عليها”.

وحذر من أنه “إذا لم يتم تعديل المرسوم فإننا مقبلون على أيام صعبة ويبقى القرار للدولة والمقاومة ولا ترف للوقت عندنا”، معتبراً أن “ما من وطني لبناني الا وعليه التمسك بالخط 29 لأن عدم التمسك به يعني مسّاً بالسيادة الوطنية والثروة البحرية اللبنانية”.

يوميات لبنانية

رأى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في قداس الشكر أمس أن “السلطة لا تبالي بالشعب وما كنّا نتصور أن اللامبالاة واللامسؤولية تصل إلى هذا الحد وإنّها سياسة التعطيل وذهنية الهدم وشعبنا يعيش الكارثة”، مشيراً الى أن “في لبنان فرقاء رسميين سياسيين ينكرون ثوابت لبنان الأساسية ليُقطع عن تاريخه وهو أمر يعطل الحوار سلفاً مع أننا ندعو إليه ونعتبره اللغة الوحيدة التي يجب أن تكون بين اللبنانيين”.

وشدد على أنه “لا يجوز أن تبقى الدولة أضعف حلقة في الوطن”، لافتاً الى “انحراف بعض القضاة وتحوّلهم إلى أدوات بوليسية، ويشكو القضاء من تعطيل قرارات وملفات كبرى تظلّ مجمّدة وفي مقدّمها تعطيل التحقيق العدلي في ملف المرفأ”.

وبالعودة الى مسلسل اليوميات السوريالية والخيالية المليء بالمشاهد الدراماتيكية، هرب اللبنانيون في عطلة نهاية الأسبوع الى البحر ليرموا همومهم الثقيلة في أمواجه علها تذهب بلا رجعة، أو لجأوا الى الجبال علهم يستمدون القوة من شموخها قبل الاستسلام.

وحدهم السياسيون ظلوا منشغلين بتقاسم الحصص استعداداً لجلسة اللجان النيابية، إذ لم تنجح المحاولات والاجتهادات في ارساء التوافق بينهم في توزيع المقاعد علّ جلسة الغد تمر توافقياً وحبياً وليس انتخابياً أو لناحية الاستشارات النيابية الموضوعة في قمقم السلطة والتي يصعب على المنجمين فك لغزها أو على العارفين معرفة ما يدور في كواليسها وفي غرفها السرية، ويبدو من التسريبات والتهريبات أن كثرة الطباخين تنذر باحتراق الطبخة الحكومية، اذ أشارت المعطيات الى أن من الصعب جداً التكليف والتأليف بسبب تعدد الكتل وتشتتها وتشرذمها وتعارضها، وبسبب ما يتم تحضيره من صفقات وفذلكات.

وفي هذا الاطار، يتم تسريب معلومات عن أن “التيار الوطني الحر” يشترط على أي رئيس مكلف حصته من الوزارة اضافة الى تعهد بمعالجة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامه ووضعه تحت مجهر القاضية غادة عون. والاختلاف حول مقاربة الملفات الشائكة، وخارطة التعاطي مع الاستحقاقات المقبلة كان واضحاً في اللقاء الأخير بين الرئيسين عون وميقاتي، اذ أكدت مصادر مقربة من الأخير لموقع “لبنان الكبير” أنه لن يقبل بأي ضغوط أو ابتزاز أو بشروط مسبقة للتكليف أو التأليف، كما لن يقبل المهمة اذا لم يتأكد من عدم التعطيل وامكان الإنجاز، وأنه حريص على الأخذ في الاعتبار نتائج الانتخابات النيابية.

في كل الأحوال، فإن أي موعد للاستشارات النيابية لم يتضح بعد مع العلم أن الاتصالات قائمة والتحضيرات جارية على قدم وساق، لكن الجميع ينتظر جلسة انتخاب اللجان النيابية غداً لتصبح الصورة أكثر وضوحاً، فيما يستمر التواصل بين الأحزاب المعارضة والقوى التغييرية للتوافق على اللجان النيابية والأهم على الاستحقاق الحكومي، الا أن أحد النواب التغييريين أكد أن لا جديد على هذا الصعيد مع التشديد على أنهم لن يقبلوا بالمساومات في التكليف والتأليف ويرفضون اعادة تعويم السلطة، مع الإشارة الى أن بعض النواب التغييريين والمستقلين رفضوا الانضمام الى تكتل وفضلوا المشاركة في الاستشارات بصورة منفردة.

وفي هذه الفترة الدقيقة والصعبة والتي تتخللها استحقاقات مصيرية، فإن أجواء إيجابية تنقل من الجانب الفرنسي عن عدم تركه البلد يتخبط في الفراغ القاتل، وأن انعقاد مؤتمر دولي بقرارات حاسمة وخارطة طريق واضحة بات أكثر واقعية من أي وقت مضى ضمن تسوية كبرى قبل الانتخابات الرئاسية مع احتمال أن يزور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت في هذا الاطار.

وفيما تتلهى المنظومة بتقاسم الحصص، يبقى المواطن متروكاً لقدره الأسود بحيث بات الحد الأدنى للاجور يساوي سعر صفيحة بنزين وكم ربطة خبز، في ظل فلتان أمني وفوضى وسرقات غير مسبوقة في معظم المناطق ما دفع عدداً من البلديات الى القيام بدوريات ليلية بعدما ارتفعت الشكاوى بصورة ملحوظة.

شارك المقال