العهد يصحو على “كاريش” ويستنجد بهوكشتاين

لبنان الكبير

يغرق لبنان في بحر أزماته المتتالية، ويتخبط في مستنقع ديونه، ويتلهى المسؤولون بتقاسم ما تبقى من مؤسساته الدستورية، في وقت تعوم سفينة انتاج النفط “انيرجين باور” على حقل “كاريش” المتنازع عليه مع لبنان حيث تصبح المعادلة على الشكل التالي: سلة لبنانية فارغة من غلة مستحقة، وتفوح منها رائحة الكذب والمماطلة والصفقات والتشرذم، مقابل سلة اسرائيلية بغلة وفيرة تقدر بمليارات الدولارات وبموقف موحد قوي.

العدو الاسرائيلي بات قاب قوسين من انتاج النفط والغاز بعدما رست السفينة في الحقل المشترك مع لبنان. والمفارقة أن الخبراء بدوا حريصين أكثر من دولتهم على حقوق لبنان، اذ حذروا السلطة مراراً وتكراراً من تداعيات عدم التعاطي بجدية مع ملف ترسيم الحدود البحرية، كما دعوا المعنيين الى اتخاذ موقف وطني جامع، واحد وموحد في التمسك بالخط 29 للتفاوض مع اسرائيل، لأنه ورقة ضغط قوية لتحصيل أكبر قدر ممكن من الحقوق. الا أن الممسكين بزمام الأمور يتخذون القرارات انطلاقاً من مصالحهم الخاصة غير مهتمين لا بحصة لبنان ولا بسيادته. وبدل أن يوقع رئيس الجمهورية ميشال عون تعديل المرسوم 6433 ليُصبح نافذاً، اتّخذ موقفاً غير مسبوق منذ أشهر باعتماد الخط 23 للتفاوض عوضاً عن الخط 29 ما اعتبر تنازلاً واضحاً فسره مراقبون بأنه رشوة مقابل رفع العقوبات الأميركية عن صهره النائب جبران باسيل.

ومن يراقب ردة فعل الطبقة الحاكمة، وبياناتها الرسمية حول وصول السفينة الى الحقل المتنازع عليه، يظن أنها كانت في حالة “كوما” سياسية أو “تطنيشية”، واستفاقت فجأة من غيبوبتها التي دامت شهوراً منذ مغادرة الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين وعدم الرد على اقتراحه، متناسية تحذير القوى العسكرية التي راقبت انطلاق السفينة من سنغافورة منذ أكثر من 36 يوماً وإبحارها نحو “كاريش”. وأكد مصدر متابع لموقع “لبنان الكبير” أن المعلومات التي يتم تداولها عن أن السفينة لم تدخل المنطقة المتنازع عليها هدفها التضليل، كما أنه لا يهم مكان تموضع السفينة شمالاً أو جنوباً من الخط 29 لأن القضية الأساس تكمن في أن اسرائيل تسرق حقوق لبنان، والتركيز يجب أن يكون على هذه النقطة وليس على التفاصيل غير المهمة.

إذاً، قُضي الأمر، ولم يعد ينفع البكاء على الأطلال ولا البيانات والمواقف الوطنية التي يجب أن تترجم بأسرع وقت ممكن من خلال تعديل المرسوم 6433 وايداعه الأمم المتحدة، لأنه بهذه الخطوة فقط يمكن ايقاف الانتاج في حقل “كاريش” وحفظ حقوق لبنان، وبالتالي، فإن التوافق بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على دعوة هوكشتاين للحضور الى بيروت، للبحث في مسألة استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، والعمل على انهائها ليس أولوية حالياً انما الأولوية للعمل الديبلوماسي والقانوني السريع نحو الأمم المتحدة وإلا فإن كل الاحتمالات واردة في قضية تعتبر اعتداء على سيادة الدولة، واسرائيل تدرك تمام الادراك أن السفينة ومحيطها في خطر، وحذرت من أن أي ضرر يلحق بمنصات الغاز الخاصة بها سينظر إليه على أنه إعلان حرب، مشيرة الى أنها تقوم بنقل نظام القبة الحديدية بنسختها البحرية إلى المنطقة.

ولا يستبعد مصدر عسكري أن يكون ما يجري حالياً في حقل “كاريش” مسرحية للضغط على لبنان للاسراع في التفاوض، لكن هذا لا يعني أننا لسنا على فوهة بركان يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وأي هفوة أو اطلاق مسيرة أو الاعتداء على السفينة يمكن أن يعرض لبنان لحرب لا يمكن أن يحتملها، وبالتالي، فإن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون في يد الدولة. وفي حال تعرضت البحرية العسكرية للاعتداء يمكن حينها لـ”حزب الله” التدخل، لكن الخيار الديبلوماسي يبقى الخيار الأفضل والأوفر على الجميع كما يقول المصدر.

وفيما تم تداول معلومات عن تحرك ديبلوماسي أميركي في اتجاه لبنان الرسمي بقي بعيداً من الأضواء، أبدى فيه الجانب الأميركي استعداده لتحريك ملف التفاوض على الترسيم ومعاودة عمل هوكشتاين، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي في موقف هو الأول بعد وصول السفينة الى حقل “كاريش”، أن “الخلاف مع لبنان بشأن حقل الغاز الحدودي سيتم حله عبر الوساطة الأميركية”. فيما ادعت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار أن حقل الغاز يقع داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لاسرائيل وليس في المياه المتنازع عليها.

وفي وقت رأى مصدر متابع أن السلطة أمام اختبار مهم في ملف الترسيم، وأنها محشورة في الزاوية، وليس أمامها سوى خيار التوقيع على المرسوم وإلا تتهم بالخيانة العظمى بحق بلدها، وستصبح أوراقها مكشوفة ومفضوحة أمام الجميع، أكد أن الحاجة ماسة أكثر من أي وقت الى الاسراع في تشكيل الحكومة والتعالي عن الصغائر والحصص لأن لبنان محاصر من كل الجهات، وسيواجه ملفات وقضايا مصيرية في المرحلة المقبلة، لافتاً الى أن انشغال السياسيين في اليومين الأخيرين بمتابعة ملف الترسيم أبطأ من حركة المشاورات والاتصالات في الملف الحكومي لكنها لم تتوقف، بحيث أن الجميع بانتظار تمرير انتخابات اللجان البرلمانية اليوم ليبنى على الشيء مقتضاه مع العلم أن كل الاطراف تتمسك بحصصها، ولم تنجح المساعي في التوافق لعدم اجراء الانتخابات خصوصاً وأن عدد اللجان كبير وبعضها يضم أكثر من 12 نائباً ما يعني أن الانتخابات يمكن أن تستمر لأيام.

الى ذلك، يواصل الجيش اللبناني عمليات الدهم في منطقة الشراونة، اذ دهم معملاً لتصنيع المخدرات ومنزلاً عائداً لأحد أخطر المطلوبين، وضبط رمانات بندقية لقاذف Launcher تحمل كتابات عبرية، إضافةً إلى كمية من الأسلحة الحربية والذخائر، عائدة لأحد المطلوبين من آل زعيتر.

شارك المقال