هوكشتاين للبنان: خير الخطوط أعرجها!

لبنان الكبير

مثقل هذا الأسبوع بملفات مهمة ومصيرية منها ما هو حدودي سيادي ومنها ما هو داخلي دستوري، لكن القاسم المشترك بين الترسيم البحري والتأليف الحكومي على الرغم من المسافة الشكلية الشاسعة بينهما، هو رائحة الصفقات والمساومات التي وصلت الى ما بعد الحدود البحرية والبرية. وبين الحدودين لم يعد أمام الشعب الجائع والبائس سوى خيار من اثنين: اما الموت غرقاً في قعر بحر تعوم على سطحه مليارات الدولارات المحجوزة لمخططي المؤامرات، أو الموت حرقاً بلهيب الأسعار الفاحشة والسياسات الفاشلة على أرض وطن كان وطناً. كل ذلك تحت أنظار أركان دولة لا يهمها من البحر سوى خيراته ومن البر سوى نفوذه، وليذهب الشعب الى تحت سابع بحر وسابع أرض.

ولأن الموسم موسم اصطياف حار، لا بد من البداية من تحت الماء وما فوقها، وتحديداً من ملف الترسيم البحري بحيث يصل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين خلال ساعات قليلة الى بيروت ليلتقي كبار القوم، ولتوضع النقاط على الحروف لكن شفوياً بلا وثائق أو رسائل نصية على الرغم من اشتراط الوسيط ذلك وتوحيد الموقف اللبناني. وللغاية، اجتمع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتداولا في كل نقاط الملف وما يمكن أن يطرحه هوكشتاين، وعرضا الخرائط المتصلة بالترسيم والمراحل التي قطعتها المفاوضات.

وأكدت المعلومات أن الموقف اللبناني سيكون موحداً حول الطرح الأخير الذي قدمه هوكشتاين وعرف بالخط المتعرج، بحيث سيتم إبلاغه تحفظ لبنان عن هذا الخط وسيطلب منه إدخال بعض التعديلات عليه، كما سيستمع الجانب اللبناني من الوسيط الى ما اذا كان يحمل أي موقف أو طرح جديد. وفي حال تم التوافق على الطرح النهائي، سيدعو هوكشتاين الى اجتماع بين الطرفين في ضيافة الأمم المتحدة في الناقورة من أجل تكريس الاتفاق رسمياً.

وفيما عُلم أن تواصلاً جرى مع عين التينة ووضع رئيس مجلس النواب نبيه بري في صورة المداولات التي جرت بين الرئيسين عون وميقاتي، الا أن مصدراً متابعاً قال لموقع “لبنان الكبير”: “هذا مؤشر لا يطمئن اضافة الى أن المعلومات المتضاربة الصادرة عن المسؤولين في هذا الملف يمكن أن توضع حولها علامات استفهام كبرى، وكأن كل طرف يضع سيناريو خاص به. والخلاصة أنهم يضحكون على عقول الناس، ويستنجدون اليوم بعراب التسوية والصفقة لإيجاد مخرج مشرّف يحفظ ماء الوجه بعد أن انكشفت الامور. وبالتالي، ما بات واضحاً أن الخط ٢٩ سيتحول الى مزارع شبعا بحرية لإعطاء الذرائع لبقاء السلاح مع حزب الله، وتبقى هناك قضية رأي عام عالقة يجب الدفاع عنها. والاسئلة البديهية هنا: لماذا لا يتم تعديل المرسوم ٦٤٣٣ وايداعه الأمم المتحدة وهو الورقة القوية الوحيدة بيد لبنان كما أن الخط ٢٩ هو الخط القانوني الوحيد؟ ولماذا الهروب من الرد الرسمي بوثيقة نصية موقعة من الأطراف المعنية؟ وما هي طبيعة الصفقة التي أبرمتها الطبقة الحاكمة؟ وما هو المقابل؟ لا بد أن الارباك في مقاربة الملف يدل على قطبة مخفية ستظهر عاجلاً أم آجلاً”.

وفي هذا الاطار، أكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة الأحد أن “لا مجال للتفريط بحقوقنا تجاه إسرائيل أو كرمى لأي دولة، فالثروات المنتظرة هي ثروات سيادية وطنية تعد بأرباح طائلة للدولة وللأجيال المقبلة، وجدير بالمسؤولين أن يعالجوا هذه الأزمة وصولاً الى الحل لا الى الحرب”، مشدداً على أن “الدولة وحدها مسؤولة عن حسم هذا الموضوع. وحدها مؤتمنة على قضايا السيادة والاستقلال وعلى ثروات النفط والغاز. وحدها مسؤولة عن ادارة المفاوضات مع الجهات الأجنبية وتحديد دور الوسطاء واتخاذ القرارات وعقد المعاهدات وتقرير الحرب والسلام. وعند الضرورة تستطيع استطلاع مواقف الأطراف السياسية اللبنانية نظراً الى أهمية الموضوع ودقة الظرف، ولكن لا بد أن يكون في النهاية مرجع يحسم الجدل القائم ويضمن حقوق لبنان. في كل ذلك، ينبغي تحديد مهلة زمنية للمفاوضات الرامية الى استخراج ثروتنا واستثمارها بأقصى سرعة”.

أضاف: “من أجل كل ذلك، يجب الاسراع في إجراء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة وطني وذي صفة تمثيلية وتأليف حكومة كاملة الصلاحيات تشارك في المفاوضات الحدودية، ولا يجوز دستورياً وميثاقياً تغييب مجلس الوزراء”.

وأسف لأنه “على الرغم من مناشداتنا المتكررة، لا يزالون يستخدمون بعض القضاة ويعطونهم توجيهات مباشرة لفتح ملفات فارغة وإغلاق ملفات مليئة بالشوائب. فيا ليت هؤلاء النافذين وهؤلاء القضاة يوظفون جهودهم في دفع التحقيق في مرفأ بيروت لتصل العدالة الى أهالي الشهداء والمصابين والى بيروت الجريحة، وليتم البت بمصير الموقوفين منذ سنتين من دون محاكمة”.

وعلى ضفة الاستحقاق الحكومي، تبدو الطبخة أيضاً بمكونات ومنكهات الصفقات والسمسرات والمساومات نفسها، إذ تؤكد مختلف الأطراف أن التأليف يجري قبل التكليف مع العلم أن الرئيس ميقاتي لا يزال الأوفر حظاً في التكليف، لكن مسار التشكيل سيواجه عراقيل لا تعد ولا تحصى خصوصاً أن فريق العهد يشترط حقائب معينة لها وزنها وتأثيرها في المرحلة المقبلة كوزارة الطاقة، حتى أن معلومات مسربة تحدثت عن البدء بالتواصل مع مستشارين في هذا الاطار وكأن بعض الحقائب حُسمت لصالح “التيار الوطني الحر”.

وأشار مصدر متابع لـ “لبنان الكبير” الى أن “الحكومة الجديدة ستكون نسخة منقحة عن حكومة تصريف الأعمال أي مع بعض التعديلات في الأسماء والحقائب، وأن رئيس الجمهورية سيدعو الى الاستشارات بين يوم وآخر من منطلق أنه يعمل على تطبيق الدستور، وإرسال رسالة إلى العالم مفادها أن الحياة الدستورية في لبنان سليمة، لكنه مرتاح على وضعه لأن التوقيع بيده. ومن هذا المنطلق، لن يوقع على أي حكومة ليس راضياً عنها، محاولاً تكريس صلاحيات رئيس الجمهورية وتثبيتها في تشكيل الحكومة باعتبار أن الطائف سلب هذه الصلاحيات من الرئاسة الأولى”.

ولناحية المعارضين، فإن التواصل تكثف في اليومين الماضيين بين مختلف القوى السيادية والتغييرية وبعض المستقلين لتوحيد الموقف، والذهاب الى الاستشارات النيابية باسم شخصية واحدة للتكليف، لأنه كما قال أحد النواب التغييريين لـ”لبنان الكبير”: “فهمنا اللعبة جيداً واتضحت صورة الاصطفافات، ولا يجوز الاستمرار في التشرذم، ونسعى بكل جدية للتوصل الى توافق لكن لا شيء محسوم حالياً، واللقاءات ستستمر علنا نصل الى تفاهم ما”.

وعلى الصعيد الحياتي، يحاول اللبنانيون بكل الطرق والوسائل النهوض من تحت الانهيارات المتتالية، لكن على ما يبدو، المآسي ترافقهم أينما ذهبوا، وآخرها ما حلّ برجلي الأعمال اللذين لقيا حتفهما إثر تحطم مروحية في ايطاليا مخصصة لنقل العملاء الى مقر العمل، والأسوأ من ذلك أن أحدهما وهو طارق الطياح فقد زوجته في انفجار مرفأ بيروت، والآخر وهو شادي الكريدي فقد شقيقه منذ أكثر من سنة وأصبح رب عائلتين، عائلته وعائلة شقيقه.

وكانت تمارا الطياح التي فقدت والدها في الحادث ووالدتها مصممة المجوهرات في الانفجار، قدمت الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الى لبنان بعد كارثة المرفأ، خارطة لبنان التي صممتها والدتها. ونشرت الصفحة الرسمية لماكرون على فايسبوك امس، رسالة عزاء منه الى تمارا، جاء فيها: “في الأول من أيلول ٢٠٢٠ كنت في بيروت، استمعت الى الكثير من الشهادات لكن واحدة أثرت بي بشكل كبير، انها شهادة تمارا التي سلبها الانفجار أغلى ما لديها أمها. السبب الذي يجعلني مستمراً بالاندفاع من أجل لبنان هو تمارا والأمل الذي يختزله الشباب اللبناني. أقول لها انني أشاركها ألمها بخسارة والدها وأفكاري معها في هذه المحنة الرهيبة، أكثر من أي وقت مضى قلبي معها”.

أما جنوباً، وفي تطور وصف بالخطير، هدد مدنيون جنود حفظ السلام، وحاولوا نزع أسلحتهم خلال قيامهم بدورية في إحدى المناطق.

وأوضح الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” في بيان أنه “بموجب قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١ تتمتع اليونيفيل بحرية حركة كاملة، والحق بدوريات داخل منطقة عملياتها”. وأكد أن “التهديدات والتخويف ضد حفظة السلام مصدر قلق بالغ”، داعياً “القوات المسلحة اللبنانية الى ضمان سلامة أمن وحرية حركة قوات اليونيفيل”.

شارك المقال