انجاز جديد للعهد: كاريش مش إلنا

لبنان الكبير

بعد العواصف القوية من التكهنات التي هبت من كل جانب حول كلمة السر التي سيحملها معه الوسيط الآميركي آموس هوكشتاين في ملف ترسيم الحدود البحرية، وبعد سيل من المعطيات والتحليلات والتوقعات حول الرد اللبناني على طرح الوسيط، كان منتظراً أن تنجلي الغيوم الملبدة من سماء المفاوضات، وتصبح الرؤية واضحة أمام اللبنانيين قبل غيرهم، لكن النتيجة لم تأت على قدر الآمال والتي يمكن إيجازها على الصورة التالية: استمرار الغموض التام والأجواء الرمادية في مختلف المحطات النقاشية التي أجراها هوكشتاين، ما يعزز الشكوك لدى الجميع بوجود صفقات ومساومات وتنازلات، من دون التأكد ما اذا كان الجانب اللبناني التزم برد موحد على الرغم من تأكيد ذلك.

صباح أمس، غرّد هوكشتاين على حسابه عبر “تويتر” كاتباً: “صباح الخير بيروت. منظر رائع للاستيقاظ من مقر السفارة الأميركية”. إن المنظر رائع لا خلاف على ذلك، لكن اللبنانيين كبيرهم وصغيرهم، يسألون الوسيط الأميركي: هل نتيجة التفاوض ستأتي رائعة وعادلة ومشرقة للبنان كما الصورة التي أرفقها في تغريدته أو أن التنازلات والمساومات والصفقات ستبقى الصورة الوحيدة في الأذهان لأن المسؤولين عن الملف منذ سنوات وسنوات اتبعوا سياسة التمييع والتفريغ والمماطلة، وتعاطوا مع القضية الوطنية والسيادية على أنها ملكية خاصة أو ورقة تفاوضية في خدمة المصلحة الشخصية؟

كل الأنظار كانت متجهة نحو زيارات هوكشتاين المكوكية الى المسؤولين اللبنانيين، وكل الاهتمام انصبّ حول معرفة أجواء اللقاءات والنقاشات، لكن على ما يبدو أُعطيت كلمة السر للجميع بعدم اعطاء أي معلومة أو اشارة أو تفصيل عن الاجتماعات وعن مضمون الرد اللبناني الذي سُرّب منه الجزء القليل ليبقى الجزء الأكبر والأهم في دائرة السرية، حتى أن المعنيين بالملف من عسكريين ومدنيين وضعوا علامات استفهام حول هذا التكتم وعدم الوضوح في المواقف لأن من حق الشعب اللبناني المعرفة، مؤكدين أنه طالما ليست هناك أي وثيقة رسمية أو مواقف واضحة يمكن البناء عليها، فلا يجوز الحكم على مسار التفاوض، لكن ما يتم تسريبه عبر الاعلام لا يبشر بالخير.

وزار الوسيط الأميركي رئيس الجمهورية ميشال عون، ودام اللقاء 40 دقيقة، بحضور سفيرة أميركا في لبنان دوروثي شيا. ثم غادر قصر بعبدا من دون الإدلاء بأي تصريح. وأبلغ الجانب اللبناني، هوكشتاين الملاحظات في الطرح الذي قدمه في شباط الماضي، شارحاً أن الطرح لم يعطِ حقل قانا كاملاً للبنان. وطالب بأن يكون حقل قانا كاملاً تحت السيطرة اللبنانية، وأن يبقى الخط 23 كما هو عليه، مشدداً على المزيد من الحقوق والمساحات وفقاً للقانون الدولي وقانون البحار. ولم يتم ابلاغ هوكشتاين بطريقة كتابية الى حين ترسو الأمور على اتفاق او تفاهم في الترسيم.

وأكد الرئيس عون على الحقوق السيادية للبنان بالمياه والثروات الطبيعية. وشكره هوكشتاين على الرد، لافتاً إلى أنه سينقله الى الجانب الآخر. وطلب عون جواباً سريعاً، فوعده برد سريع، بحسب المعلومات.

بعد ذلك، انتقل هوكشتاين الى السراي الحكومي حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتبلّغ الموقف اللبناني الموّحد من مسألة ترسيم الحدود والحرص على استمرار الوساطة الأميركية، وتم التأكيد أن مصلحة لبنان العليا تقتضي البدء بعملية التنقيب عن النفط من دون التخلي عن حق لبنان بثرواته كافة.

كما زار الوسيط الأميركي رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال: “إتفاق الإطار يبقى الأساس والآليّة الأصلح في التفاوض غير المباشر”. وأشار الى أن “ما تبلغه الوسيط الأميركي من رئيس الجمهورية في موضوع الحدود البحرية وحقوق لبنان بإستثمار ثرواته النفطية متفق عليه من اللبنانيين كافة”.

والتقى أيضاً وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، وقائد الجيش العماد جوزف عون الذي جدد موقف المؤسسة العسكرية الداعم لأي قرار تتّخذه السلطة السياسية في هذا الشأن. وردّاً على سؤال عما إذا كان مرتاحاً للموقف اللبناني الموحد من ترسيم الحدود، أجاب: “أنا عطول مرتاح”.

وشملت لقاءات هوكشتاين وفداً من النواب التغييريين، وقال رداً على سؤال: “أتمنى أن أنجح في مهمتي”. وأكد في حديث صحافي أن “الجانب اللبناني قدم بعض الأفكار التي تشكل أساساً لمواصلة المفاوضات والتقدم فيها. سأتشارك الأفكار التي طرحها الجانب اللبناني مع إسرائيل وما أن أحصل على ردّ سأبلغه إلى الحكومة اللبنانية”، معتبراً أن “فضّ النزاع البحريّ خطوة أساسيّة لحلّ أزمة لبنان”.

وفيما أكدت المصادر أن الإدارة الأميركية ترغب في مساعدة لبنان على ترسيم حدوده البحرية، وتريد أن تصل بهذا الملف الى خواتيمه السعيدة، لفتت الى أن لبنان أبلغ هوكشتاين أن ثمة مخاطر باندلاع نزاع عسكري اذا استخرجت اسرائيل الغاز من المنطقة المتنازع عليها قبل الوصول الى اتفاق في ملف الترسيم، والتمسك بالخط 23 وليس 29، وباعتبار حقل قانا خطاً أحمر غير قابل للتفاوض أي كامل حقل قانا للبنان، وحقل “كاريش” لاسرائيل.

وأسفت المصادر عبر “لبنان الكبير” لأن “لبنان لم ينطلق من موقع قوة على الرغم من امتلاكه أوراقاً قانونية وتقنية تجعله مفاوضاً قوياً باعتراف هوكشتاين نفسه، وهم يوهمون اللبنانيين أنهم حققوا انجازاً في التفاوض أمس لكن ما حصل العكس لأن التنازلات بدت واضحة”، متسائلة: “لماذا لم يتم ايقاف العمل في كاريش وإبعاد السفينة عن الحقل الى حين الانتهاء من ملف التفاوض؟ ولماذا لم يتم الاشتراط السماح للشركات العالمية بالتنقيب في لبنان؟ ما مصير البلوك رقم 8 الذي بالترسيم المتعرج خسرنا قسماً كبيراً منه؟ أين الجدول الزمني للتفاوض حيث عامل الوقت يلعب ضد لبنان لأنه خلال 3 أسابيع يستخرج الاسرائيليون وحينها يخرج الحقل من كل النقاشات؟ لماذا لم يهدد الجانب اللبناني بطريقة غير مباشرة بفائض القوة الذي لديه على الرغم من أننا لا نريد الحرب؟ اذا لم يحصل لبنان على أجوبة إيجابية عن هذه الأسئلة التي يجب أن تكون موثقة، فعلينا الذهاب فوراً الى تعديل المرسوم 6433 وايداعه الأمم المتحدة”.

وشددت المصادر على أن “لبنان خسر في التفاوض مساحة لا تقل عن ألف كيلومتر مربع والثروة الموجودة فيها اضافة الى ينابيع المياه الحلوة في هذه المنطقة وتحديداً في البلوك رقم 8”. وسألت “لماذا لم تطلب الدولة من هوكشتاين الدراسة عن حقل كاريش الذي يبعد عن الخط 23 حوالى 5 كيلومترات؟ ومن الذي يقول إنه ليس لدينا مكامن مشتركة مع كاريش ضمن الخط 23؟”، لافتة الى “ضرورة التعلم من الأخطاء ومن سوء الادارة في القطاع النفطي حيث أن اسرائيل انطلقت بعمليات الاستشكاف مع لبنان وهي اليوم ستصدر ونحن لا نعرف ما لدينا. هذا دليل على الادارة الفاشلة للقطاع التي عليها اما أن تصحو من الكوما أو تُستبدل، وهذا الخيار الأفضل”.

وقال مسؤول مواكب للاجتماعات التي عقدها هوكشتاين في بيروت منذ وصوله: “طرحنا زيادة المساحة البحرية من 860 كيلومتراً مربعاً إلى حوالي 1200”. وتشمل هذه المساحة حقل قانا الذي يمر به الخط 23، بينما تستثني حقل كاريش. وتابع: “نحن بالأساس نريد حقل قانا كاملاً، وهذا يؤدي إلى تعديل الخط 23”. ويعني هذا عمليا تراجع لبنان عن مطلبه الأخير من دون العودة الى الموقف الأساسي، إذ يقع حقل قانا في منطقة يتقاطع فيها الخط 23 مع الخط واحد، وهو الخط الذي أودعته إسرائيل الأمم المتحدة، ويمتد بعض الشيء أبعد من الخط 23.

من ناحية أخرى، زار هوكشتاين السفيرة الفرنسية آن غريو لمناقشة الجهود الأميركية والفرنسية لدعم لبنان، في وقت تحدثت المعلومات عن أن الوسيط الأميركي أكد تأييد بلاده لحصول لبنان على الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، وأنه سيعمل على تحضير وإنجاز رسالة الضمانات التي تعفي الجانب المصري من قانون قيصر.

الترسيم الحكومي 

لا قرار في ملف الترسيم الحكومي، ولا وسيط يتدخل لحل الخلافات بين الأطراف التي ترسم كل خطوط الصفقات والسمسرات والمحاصصات، اذ أكدت مصادر لـ “لبنان الكبير” أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أعلن رفضه اعادة تكليف الرئيس ميقاتي لأنه لم يقبل بشروط التأليف قبل التكليف، ولن يقبل بالابتزاز أو بالشروط المسبقة بحيث أن باسيل يشترط الحصول على حقائب وزارية معينة ما يؤكد المؤكد أن المماطلة في الدعوة الى الاستشارات النيابية ليس سببها اكتمال الانتخابات في البرلمان ولا انتظار التوافق بين التكتلات المتعددة ولا الانشغال بزيارة هوكشتاين، انما الافادة من الوقت الضائع لتحقيق المكاسب على الرغم من أن الرئيس ميقاتي لا يزال الأوفر حظاً.

وعلى ما يبدو فان الضبابية التي طغت على الموقف اللبناني من ترسيم الحدود انسحبت على الاستحقاق الحكومي، إذ تؤكد بعض المعلومات أن الاستشارات ستجري بعد اختتام زيارة الوسيط الأميركي أي في نهاية الأسبوع الحالي، في حين تنفي مصادر إمكان دعوة رئيس الجمهورية الى الاستشارات هذا الأسبوع لاعتبارات عدة وربما تُرحّل الى الأسبوع المقبل.

وفي الانتظار، وبينما يحاول فريق العهد تحصيل حصة وازنة في الحكومة المقبلة التي ربما تستمر في الحكم وإدارة البلد في حال الفراغ الرئاسي، أكد أحد النواب التغييريين لـ “لبنان الكبير” أن “التواصل لا يزال قائماً بين قوى المعارضة وبعض المستقلين على أمل التوافق على اسم واحد من اللائحة المقترحة لتسميته في الاستشارات”، موضحاً أن “النقاش يجري حول العديد من العناوين المهمة في المرحلة المقبلة، لكن لا شيء محسوم حتى الساعة على الرغم من اقتناع الأطراف المعنية بأنه لا بد من التوصل الى التوافق للتغيير وإلا فالأمور ستتجه نحو الأسوأ”.

الوضع المعيشي

الى ذلك، عمد شبان في بعض المناطق الى قطع الطرق احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، فيما استقبل الرئيس ميقاتي رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر يرافقه أعضاء هيئة مكتب الاتحاد ورئيس عمال المعاينة الميكانيكية حسن الحسن، وتم خلال اللقاء البحث في الأوضاع المعيشية والاقتصادية للعمال والموظفين.

شارك المقال