استشارات باهتة وتكليف ضعيف… ميقاتي يطالب بـ”مسؤولية تاريخية”

لبنان الكبير

باهت مشهد الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا، يشبه الانهيار العام في البلد، ويعكس حالة الناس وقرفها، ويجسد لامسؤولية في التعاطي مع الاستحقاقات الكبيرة والصغيرة كأنها قضايا مرحلية اعتمدت فيها المنظومة سياسة الترقيع تمريراً للوقت بانتظار حل يأتي من خلف البحار أو عجيبة سماوية، في وقت البلد ينهار وينهار تحت ضربات سياساتهم الخاطئة وكيدياتهم وتناتشهم الحصص.

انتهى “بازار” الاستشارات النيابية الملزمة للاستحقاق الحكومي بالابقاء على “عصمة” السراي في يد الرئيس نجيب ميقاتي الذي يعود بـ 54 صوتاً مقابل 25 للسفير نواف سلام لينطلق قطار التأليف في نفق طويل مظلم سيتعثر بالكثير الكثير من المطالب والشروط والدلع السياسي لفريق يقارب السياسات العامة في البلاد وفق قاعدة “أنا أو لا أحد”. وبالتالي، لا تأليف ولا حكومة جديدة انما ابقاء القديم على قدمه مع بعض التعديل والتجميل لحكومة مكتوب على جبينها تصريف الأعمال الى ما بعد نهاية العهد .

في الشكل، جرت الاستشارات بهدوء وفق الآليات القانونية بحيث حضر النواب في مواعيدهم المحددة وسمّوا من يريدون، إلا أن مصدراً مواكباً لعملية التكليف اعتبر أن ما جرى في قصر بعبدا ليس سوى مسرحية متفق عليها بين أطراف داخلية وخارجية تتقاطع مصالحها في ابقاء ميقاتي على رأس الحكومة، خصوصاً في ظل عدم وجود أي شخصية سنية راغبة في حمل كرة النار الحكومية بين يديها.

وفي المشهد العام، تألق خيار “عدم التسمية” في قصر بعبدا بـ 46 صوتاً غالبيتهم من المسيحيين، مقابل 54 صوتاً لميقاتي، برافعة شيعية لافتة، و25 صوتاً لسلام فضلاً عن صوتٍ واحدٍ لكل من الرئيس سعد الحريري وروعة الحلاب. ووفق مصدر متابع، فإنها المرة الأولى التي يحظى فيها رئيس الحكومة بهذا العدد الضئيل من الأصوات في ظل مقاطعة مسيحية واسعة ما يفسر عدم الرضى عن أداء ميقاتي، الذي يعتبر الخاسر الأكبر في المعركة الحكومية لأن هذا العدد الضئيل من الأصوات سيؤثر على المسارين السياسي والحكومي وعليه شخصياً وعلى علاقاته مع القوى السياسية. وفي المرتبة الثانية، يأتي النائب جبران باسيل الذي خسر معركته الحكومية أمام ميقاتي بحيث أن الأخير لم يتجاوب مع طلباته، إلا أن الأمور تبقى رهن التشكيل لمعرفة إن كان هناك نوع من التوافق العلني أو الضمني لاعطاء باسيل الحصة التي يريدها في الحكومة على الرغم من إصرار ميقاتي حتى الآن على عدم الانجرار وراء رغباته.

الأرقام التي نتجت عن الاستشارات إن دلّت على شيء، فهي تدل على أن الارباك بين جميع الكتل هو الرابح الأكبر، وفق الخبراء، وكأن هناك انتظاراً لاشارة خارجية لم تأت أو لم تتلقفها القوى لأسباب مصلحية ولحسابات داخلية ضيقة، كما أن التعامل مع الاستحقاقات الداخلية باستخفاف كأنها قضايا مؤقتة، واعتماد سياسة الترقيع تمريراً للوقت بانتظار حل يأتي من خلف البحار أو عجيبة سماوية، كل ذلك يؤكد أن المنظومة تدير البلاد على قاعدة “سيري وعين الله ترعاك”.

وبما أن الرئيس ميقاتي بات مكلفاً، فإن الاستحقاق الحكومي انتقل الى المربع الثاني مع التأليف، الذي على ما يبدو سيمر بمخاض عسير ينتج عنه ولادة حكومة ميتة، بحيث أكد مسؤول سياسي لـ”لبنان الكبير” أن لا أحد يرغب في تأليف حكومة جديدة لأن مصلحة الجميع تقتضي ذلك، وفي حال تشكلت الحكومة ستكون نسخة منقحة من حكومة تصريف الاعمال، ولن تتمكن من الانجاز لأن عمرها قصير ووقتها ضيق. وبالتالي، فإن الرئيس ميقاتي ليس مضطراً اليوم الى تأليف حكومة، وهو مرتاح لوضعه الحالي لأن الحكومة بين يديه وثلثي وزرائها يميلون اليه، وهو يفضّل حكومة تصريف أعمال ألف مرة على أن تكون حكومة فيها باسيل الذي لا يريده الفرنسيون والأميركيون في أي حكومة. وبحسب سريان اللعبة السياسية حالياً، يتم نعي باسيل والعهد سياسياً.

من جهة ثانية، أكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة أن “هناك سعياً جدياً جداً الى التأليف، والكل له مصلحة بذلك. كما أن بعض الكتل النيابية الكبرى أشارت الى أنها ستسهل مهمة الرئيس ميقاتي حتى لو كانت لا تريد المشاركة في الحكومة ولم تسمّه، وهذا أمر ايجابي يُعوّل عليه ويبنى عليه”، لافتاً الى أن “نموذج الحكومة الحالية يعطي توجهاً للحكومة المقبلة، ومنهج الرئيس ميقاتي في الاطار العام سيستمر كما هو. هناك مسودة معينة لشكل الحكومة المقبلة، وعندما تتألف يكون كل الأفرقاء وكل لبناني رابحاً لأن كل الناس يريدون سلطة تنفيذية تعمل على الانقاذ، والتيار الوطني الحر له مصلحة بتسهيل مهمة التأليف. وعلاقة الرئيس ميقاتي جيدة مع رئيس الجمهورية المعني المباشر بتشكيل الحكومة”.

وبعد اختتام الاستشارات، دعا رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد أن تشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وأطلعه على نتائج الإستشارات، الرئيس ميقاتي ليكلفه بتشكيل الحكومة.

وأشار ميقاتي الى أنه يمد يده الى الجميع من دون استثناء بنية وطنية صادقة و”قادرون على انتشال البلد من أزماته والمهم أن نضع خلافاتنا جانباً، ولم نعد نملك ترف الوقت وخسرنا الكثير من فرص الدعم، والوطن بحاجة الى سواعدنا ولن تنفعنا حساباتنا وأنانياتنا اذا خسرنا الوطن”.

وأكد ميقاتي أنه “من دون الاتفاق مع صندوق النقد لن تكون فرص الانقاذ التي نريدها موجودة”، داعياً “جميع القوى السياسية الى لحظة مسؤولية تاريخية نتعاون فيها لاستكمال مسيرة الانقاذ بأقصى سرعة بالتعاون مع المجلس النيابي الكريم، ومسؤولية الإنقاذ مسؤولية جماعية وليست مسؤولية فرد”.

وقام الرئيس المكلف بالجولة التقليدية على رؤساء الحكومات السابقين.

ترسيم الحدود

على خط آخر، وفيما كان وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، يزور مقر قيادة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” في الناقورة، أعرب نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، عن تفاؤله بـ”إمكان التوصل إلى حل في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية”، موضحاً أن السفيرة الأميركية دوروثي شيا أبلغته أن “آموس هوكشتاين سلم العرض اللبناني الى الحكومة الإسرائيلية، متوقعاً أن يأتي الرد الأسبوع المقبل أو الأسبوع الذي يخلفه”.

شارك المقال