الفولكلور في ساحة النجمة… والنزال في بعبدا

لبنان الكبير

أُسدل الستار على مشهد الاستشارات النيابية غير الملزمة، لينتقل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي والقوى السياسية الى كواليس المساومات وتوزيع الحصص الوزارية، التي يجب وزنها بميزان الجوهرجي لأن هناك عدداً من الكتل الكبيرة أعلن عدم مشاركته في الحكومة المقبلة، لاعتبارات خاصة بكل طرف، إذ اعتبر البعض أن الرئيس المكلف في مأزق ميثاقي وأمامه مسار مليء بكل أنواع العرقلات، ما يرجح كفة عدم التأليف أو إبقاء القديم على قدمه مع حكومة تصريف أعمال مطعمة بأسماء جديدة فرضتها نتائج الانتخابات النيابية.

خلال مشهد الاستشارات الفولكلوري، الذي بدا فيه انفصام المسؤولين عن الواقع المعيشي والحياتي واضحاً وضوح الشمس، بعدما فقد الناس أبسط مقومات الحياة من خبز ومياه وكهرباء ووسط التعطيل في المؤسسات العامة، يستمر أهل السلطة في تقاسم الحصص والمغانم والحقائب والمراكز، ولعل ما قاله أحد المراقبين في هذا الاطار يعبّر عن الصورة: “استشارات الطرشان في ساحة النجمة والمنازلة الصعبة على حلبة القصر الجمهوري”.

اتجهت الأنظار أمس الى ساحة النجمة والى اللقاء الذي جمع ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بعد القطيعة بينهما على خلفية مقاربة الكثير من الملفات. ولفت مصدر متابع لموقع “لبنان الكبير” الى أن المحاصصة والمطالبة ببعض الوزارات والتعيينات كانت محور اللقاء بين الرجلين على عكس ما تم التصريح به أمام الاعلام، إلا أن أحد القياديين في “التيار” نفى كل ما يُقال عن شروط يضعها باسيل أمام الحكومة، وأنه حتى الساعة لا رغبة لدى “التيار” في المشاركة.

وإذا كان الرئيس المكلف يتواصل مع الجميع سعياً الى حكومة تكون مناسبة للمرحلة الراهنة، إلا أنه لن يقبل باستنزاف المزيد من الوقت، إذ أكد مصدر مقرب من ميقاتي لـ “لبنان الكبير” أنه يريد تسريع التأليف من دون تسرع، ويريد اطلاع رئيس الجمهورية على تشكيلته بأسرع ما يمكن، وهناك أجواء تفاؤل بعد الاستشارات لأن الكثير من الأفرقاء وعدوا بتسهيل التأليف وفي وقت سريع، ومن لا يريدون المشاركة، تركوا انطباعاً بأنهم سيكونون متعاونين.

وما لفت في الاستشارات اهتمام الرئيس المكلف برأي المجلس الاقتصادي الاجتماعي، اذ أنه بحسب المصدر “المرحلة اقتصادية بكل ما للكلمة من معنى، ولا يمكن تأكيد أو نفي إن كانت هناك حصة للمجلس في الحكومة المقبلة، لكن لا يمكن الانكار أن لديه خبرة واسعة ورأيه العملي والواقعي والقريب من هموم الناس ومشكلاتهم”.

وفي حين ترددت معلومات عن أن الرئيس ميقاتي سيعقد لقاء قريباً مع رئيس الجمهورية لجَوجلة الآراء والطروحات النيابيّة، على أن يليه اجتماع ثان للبحث في مسودة حكومية نهاية هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل، الا أن الرئيس المكلف مرتاح على وضعه لأنه في حال اصطدم بحائط العراقيل والمطالب والشروط لن يتردد في تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، مستفيداً من ظروف البلد الاستثنائية وامكان توسيع الصلاحيات.

ويشير واقع الاستشارات الى أن النواب منقسمون، بين من هم زاهدون بالحكومات الشبيهة بحكومة الانقاذ وآخرون زاحفون نحو المشاركة في حكومة تضع البلد على سكة الانقاذ، بحيث يعتبر مراقبون أن معركة التأليف والمنازلة الحقيقية ستكون في قصر بعبدا، إذ من المتوقع رفض أي تشكيلة الا اذا طرأ طارئ أو خضع الرئيس المكلف لمطالب باسيل، لتأتي المعادلة على الشكل التالي: وضع ميقاتي ضعيف بعد الأصوات القليلة التي حصل عليها في التكليف، وتعاونه مع رئيس الجمهورية بات أصعب في الأشهر القليلة المتبقية من العهد. أما باسيل، فليس في أحسن أحواله ليفرض شروطه بسبب العقوبات والانذارات المتلاحقة الى المعرقلين من الدول خصوصاً فرنسا .

وفي هذا الاطار، أكد مصدر سياسي لـ “لبنان الكبير” أن “ما يحصل اليوم هو أن هناك نية لتعطيل التشكيل، وبعض الممارسات غير الدستورية التي رأيناها من التيار الوطني الحر ومن رئيس الجمهورية، تدفع الى التخوف، في حال استمرت حكومة تصريف الأعمال، من أن يتذرع العهد بعدم تسليم رئاسة الجمهورية عند انتهاء الولاية الحالية الى الفراغ، وبالتالي، عدم ترك القصر الجمهوري. وهذا خطير جداً لاسيما أن البعض يجري دراسات قانونية لرئيس الجمهورية في هذا السياق تقول انه لا يمكن التسليم للفراغ، وبالتالي لعدم تعطيل المؤسسات هناك ضرورة لبقاء رئيس الجمهورية في بعبدا. واليوم، التيار الوطني الحر أمام خيارين: اما تشكيل حكومة وفق مطالبه وشروطه وتكون له الكلمة الفصل في حال الفراغ الرئاسي من خلال الحقائب الوازنة، أو العرقلة لاستمرار حكومة تصريف الأعمال ويبقى رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري بذريعة عدم التسليم للفراغ. مع التأكيد أنه في حال تشكلت الحكومة أو لم تتشكل، سيبقى الشر نفسه لأن الذين يحكمون البلد هم أنفسهم”.

وفي ختام جولة الاستشارات على مدى يومين، قال ميقاتي: “جميعاً نعرف الوضع السائد في البلد، ونعرف أن النصائح والآراء التي أعطيت خلال المناقشات تصب في المصلحة الوطنية، ولو من زوايا مختلفة. في النهاية المصلحة الوطنية ستتغلب على كل شيء، وسنشكل حكومة تستطيع أن تقوم بواجبها، وتستكمل ما بدأته حكومتنا الماضية، خصوصاً مع صندوق النقد الدولي وفي ما يتعلق بخطة الكهرباء وملف ترسيم الحدود البحرية”.

شارك المقال