لبنان “مسيّر” وفق الرسائل الجوية لـ”حزب الله”

لبنان الكبير

من يراقب مسار التأليف الحكومي لا يتردد في وصف كل ما يجري بالمسرحية المملة، التي تهدف إلى ملء الفراغ السياسي في الوقت الضائع من اليوم حتى انتهاء ولاية العهد الحالي، ولرفع المسؤولية عن كاهل اللاعبين الأساسيين فيها باعتبار أنهما يؤديان واجباتهما تجاه الداخل والخارج وأمام محكمة التاريخ.

وفيما كان متوقعاً أن تشهد عطلة نهاية الأسبوع هدنة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وعدم نشر الغسيل أمام الوفود الديبلوماسية التي اجتمعت في بيروت تحضيراً للقمة العربية التي ستعقد في أيلول المقبل في الجزائر، الا أن هذه الهدنة لم تصمد سوى ساعات بعد اللقاء الأخير الذي جمع الرجلين بحيث سارع الرئيس ميقاتي إلى زيارة المقر الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان ليحصل على الغطاء المسيحي أولاً، ولاطلاع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي على العوائق الموضوعة أمام الحكومة الجديدة ثانياً.

خرق الهدنة السياسية انسحب على ملف الترسيم البحري الحدودي، إذ أنه لم تكد تمر ساعات على جولة السفيرة الأميركية دوروثي شيا على المسؤولين لاطلاعهم على الجو الإيجابي على هذا المسار، حتى وجه “حزب الله” ثلاث طائرات مسيّرة غير مسلحة باتجاه حقل “كاريش” ليأتي الرد الاسرائيلي سريعاً بالاستعداد لمواجهة أي تهديد .

وبغض النظر عما اذا كانت الطائرات أنجزت المهمة المطلوبة وأوصلت الرسالة كما يقول “حزب الله”، أشار خبير عسكري لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الرسالة منها مهمة وخطيرة، مفادها أن أي استخراج للنفط والغاز لن يتم السماح به قبل الوصول الى اتفاق نهائي حول الترسيم البحري. واذا كانت المسيرات التي تبناها الحزب رسمياً غير مسلحة، ففي المرة المقبلة ستكون مسلحة، وبالتالي، التهديدات باتجاه إسرائيل جدية وأي ممارسات مستفزة من قبلها فإن الخيار العسكري وارد، مع التأكيد أن كل الأطراف لا تريد الحرب وليست لها مصلحة فيها حالياً”.

وأشارت أوساط “الثنائي الشيعي” الى أن رسائل المقاومة واضحة: القبول بالخط ٢٣ + حقل “قانا” لا يعني السماح لاسرائيل بالبدء بالاستخراج من حقل “كاريش” قبل توقيع الاتفاق النهائي على ترسيم الحدود مع لبنان والبدء بالتنقيب عن نفطه وغازه. انها رسالة ردع تؤكد استعداد المقاومة للذهاب بعيداً، حتى الحرب، على الرغم من كل الظروف المحيطة بلبنان والمنطقة.

الحكومة وفق ضابط الايقاع “حزب الله”

وبالعودة الى التأليف، بات مؤكداً أن الشروط والشروط المضادة بين عون وميقاتي تتحكم بالعملية من ألفها الى يائها، إذ أنه بعد الخيارات الثلاثة التي اقترحها رئيس الجمهورية على الرئيس المكلف المتمثلة في توسيع التشكيلة إلى 30 وزيراً أو تعديل في الحكومة المستقيلة أو تبقى الحكومة المستقيلة على حالها مع تفعيلها، فإن لميقاتي أيضاً أكثر من فيتو على بعض الوزراء ومن بينهم وزير الطاقة وليد فياض، الذي يستحيل اعادة تسليمه هذه الحقيبة، ووزير الاقتصاد أمين سلام إذ يمكن أن يحتفظ “التيار الوطني الحر” بهذه الوزارة مع شخصية أخرى، ووزير المهجرين عصام شرف الدين .

لعبة الشروط والشروط المضادة، التي لا تنازل عنها من الطرفين لأن ميقاتي مرتاح على وضعه وعون لن يوقع على أي تشكيلة لا تناسبه اضافة الى ما صرح به الرئيس المكلف من الصرح البطريركي عن أكلة الكنافة الذين يطالبون بحصص وزارية في حكومة لم يسمّوا رئيسها، تضع اللقاء المتوقع اليوم أو غداً بين الرئيسين في قصر بعبدا في مهب الريح. الا أن مصدراً مقرباً من ميقاتي أكد لـ”لبنان الكبير” أن الأخير سيواصل مساعيه في التأليف لأن من مصلحة الجميع أن تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات، وهو سيستمر في تدوير الزوايا لكن ضمن المعقول والمقبول وعدم الرضوخ للشروط. في حين اعتبر قيادي في “التيار الوطني الحر” أن سلوك ميقاتي في التشكيل اليوم يختلف عما كان عليه خلال تأليف الحكومة السابقة، ويتعامل بفوقية وبطريقة استفزازية ما يؤكد أنه لا يريد التأليف، ويرمي مسؤولية التعطيل على رئيس الجمهورية، وتصويبه وهجومه على “التيار” من الديمان خير دليل.

وفيما يعتبر كثيرون من المحللين أن عون وميقاتي يدركان جيداً أن لا حكومة ويتساويان في التعطيل، أشار أحد المتابعين لمسار التأليف الى تبادل متكامل للأدوار بين الرئيسين على إيقاع يفرضه ضابط الايقاع “حزب الله” الذي يريد حكومة تمسك بزمام الأمور، وتدير الملفات السياسية وفق أجندته الخاصة لفرض شروطه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. بهذا المعنى، كل مشهدية الاختلاف والتمايز تهدف إلى ذر الرماد في العيون، واللبنانيون أذكى من أن يقعوا ضحية هذه المصيدة باعتبار أن هناك رئيساً مكلفاً حريصاً على تشكيل حكومة في وقت يسعى اما الى تعويم حكومته أو إجراء بعض التعديلات عليها، وهذا عملياً خارج المسار الدستوري الأخلاقي. والرئيس ميقاتي يناقض نفسه بنفسه حين يقول ان لا حصرية للحقائب مع أي طرف ثم يشير الى أنه لا يريد اشكالاً في وزارة المالية في الوقت الحالي، بمعنى أنه يثبت حصرية وزارة المالية ليس للطائفة الشيعية انما لـ “الثنائي الشيعي”. وهذا ما يريده رئيس الجمهورية ضمنياً لأنه يتذرع به للتمسك بوزارة الطاقة، كما أن الثنائي يريد أيضاً أن تبقى هذه الوزارة في عهدة “التيار الوطني الحر”. وما قام به ميقاتي على صعيد هذه الوزارة من استبدال اسم بآخر ليس سوى نوع من الاستعراض الاعلامي الشعبوي، وبالتالي، الحركة التي يقوم بها شعبوية استعراضية في وقت يغطي كل خيارات الثنائي كما أن امتناع “التيار” عن تسميته شكلي لمخاطبة القواعد الشعبية مسيحياً، لكن في النتيجة كلها لعبة أدوار تؤديها المنظومة.

الراعي: انتخاب رئيس ينتشل لبنان من القعر

دعا البطريرك الراعي “المسؤولين السياسيين الى تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن لحاجة بلادنا اليها أكثر من أي زمن مضى. نريدها حكومة كما ينتظرها الشعب، جامعة توحي بالثقة من خلال خطها الوطني ومستوى وزرائها وجديتها في اكمال بعض الملفات العالقة وضمان استمرار الشرعية وحمايتها من الفراغ”. وقال: “كما نطالب بإلحاح بتأليف حكومة جديدة، نطالب بإلحاح أيضاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وكما يقول الدستور في المادة ٧٣، قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر. وينتظر الشعب اللبناني أن يكون الرئيس واعداً ينتشل لبنان من القعر الذي أوصلته اليه الجماعة السياسية إن كانت حاكمة أو متفرجة. ما عاد الانتظار مرادفاً للتأني بل لاضاعة الفرص وضياع لبنان ولن ندعه يضيع مهما كانت التضحيات والمبادرات التي قد نضطر لاتخاذها”.

ورأى أن “انسحاب لبنان من محيطه، حوّله الى جزيرة معزولة. واليوم بحكم انحياز جهات الى محاور المنطقة أصبح لبنان يتأثر أكثر من غيره بالأحداث التي تجري”، معتبراً أن “لبنان لا بد أن يستعيد طبيعته أي حياده الايجابي الناشط الذي هو المدخل الرئيسي للاستقرار”.

الديبلوماسية اللبنانية المترهلة

وبينما يتغنى المسؤولون بعودة السياح والمغتربين اللبنانيين الى ربوع ما تبقى من الوطن بحيث بدا المشهد كمن يقيم حفلة رقص على قبر ميت، غادر وزراء الخارجية العرب والديبلوماسيون لبنان بعد الاجتماع التشاوري تحضيراً للقمة العربية، إذ أجمع المراقبون على أنها لفتة كريمة تؤكد أن الشعب اللبناني لا يزال في صميم تفكير جامعة الدول العربية والعالم العربي، لكن لا يجوز الذهاب الى أبعد من ذلك لأن الاجتماع يبقى في الاطار البروتوكولي التنسيقي من دون أن يرقى الى المستوى التقريري.

ولفت أحد المتابعين الى أن الديبلوماسية اللبنانية بدت مترهلة وخارجة عن سياقاتها التاريخية ولا تحمل أي مضمون خصوصاً أن لبنان كان يلعب دوراً أساسياً في البحث في القضايا العربية كافة، وكان له دور ريادي في هذا الاطار. ما رأيناه أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب لم يتطرق في كلمته الا الى نقطة محددة تتعلق بالنازحين السوريين، ولم يتكلم حتى عن مأساة الشعب اللبناني وعزلة لبنان على المستوى العربي والدولي ولا عن انهيار مؤسسات الدولة.

شارك المقال