ايران للبنانيين: مرشحي للرئاسة أو الفوضى

لبنان الكبير

لم يغفل رئيس الجمهوريّة ميشال عون التأكيد أمام وفد من المشاركين في المؤتمر السّنوي الواحد والعشرين للمنظّمة العالميّة لحوار الأديان والحضارات على أن لبنان بتكوين شعبه وتعدّد أديانه وطوائفه، يشكّل نموذجاً يُحتذى به في العيش المشترك، وهو الأقدر على أن يكون مثالاً للتّلاقي والحوار في العالم، لكنه تناسى أن يخبرهم أن البلد في عهده أصبح مضرب مثل للعالم أجمع بالفقر والانهيارات والأزمات التي تسببت بها المنظومة عن سابق تصور وتصميم، باصمة بالاصابع العشرة على إفراغ الوطن من مؤسساته كما من أهله.

وعلى مسار تأليف الحكومات السابقة خلال العهد الحالي، تسلك المسودات التشكيلية النفق نفسه المليء بالعرقلات والشروط والمماحكات والمماطلات والاستفزازات والوصفات التي اذا لم تأتِ على ذوق “التيار البرتقالي” تتوقف عجلات الدولة برمتها. واليوم الجميع ينتظر اللقاء الثالث الموعود والمأمول بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي يمكن أن يعقد في أي لحظة وسط معلومات عن أنه سيكون قبل حلول عيد الأضحى لأن المصلحين وفاعلي الخيار يحاولون ازالة شظايا البيانات والبيانات المضادة، وردم الهوة العميقة بين الطرفين على أمل أن يحمل هذا اللقاء بوادر ايجابية أو التوافق على صيغة وسطية بين الطروحات.

صحيح أن جبهة التأليف الحكومي هدأت في الساعات الماضية بعد التوافق على إبعاد الملف عن التجاذب الاعلامي، إلا أن مصدراً مواكباً أكد لـ “لبنان الكبير” أن عامل الوقت ضاغط على مرمى 4 أشهر من انتهاء ولاية العهد الحالي، وبالتالي، بات التشكيل لزوم ما لا يلزم على الرغم من أهميته الدستورية، لأن الحكومة الجديدة لن تقلب الموازين أو “تشيل الزير من البير” في ظل الظروف الصعبة، وبأقصى حد ستفرمل الانهيار، ما يعني أن الحسم أصبح ضرورياً وفي أقرب وقت ممكن إما التأليف أو الاستمرار في حكومة تصريف الأعمال التي على ما يبدو تبقى حتى اللحظة الأوفر حظاً.

ووسط هذه الأجواء السوداوية، يتخوف الخبراء والمراقبون من الفراغ القاتل على المستوى الحكومي كما على المستوى الرئاسي، وحينها يجب توقع التداعيات السلبية على المستويات كافة، إذ يؤكد أحد الخبراء الدستوريين أن كل فراغ يؤثر بصورة سلبية على المؤسسات، وبالتالي اليوم مجرد أن نتخيل أن هناك رئاسة جمهورية شاغرة وحكومة تصريف أعمال تدير شؤون البلاد، ندرك أن هناك مخاطر ومحاذير تحيط بالوطن والمواطن مع انتهاء ولاية الرئيس التي لا يمكن أن تمدد لأي سبب من الأسباب وتحت أي ذريعة من الذرائع. لبنان عانى الكثير من المخاطر وما قد نواجهه من فراغ قد يكون من أكبر المخاطر التي نعاني منها. نحن أمام واقع: رئيس جمهورية انتهت ولايته وواقع يتمثل في عدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات. واقع يجب أن يدفع الجميع نحو اجراء انتخابات رئاسية وأن يكون هناك رئيس جديد في مطلع تشرين الثاني المقبل. مع التأكيد أن تصريف الأعمال يعني أن الحكومة تقوم باتخاذ القرارات اللازمة حصراً لتسيير الأعمال في البلاد بحيث تكون العجلة قائمة ومستمرة، ولا تستطيع على سبيل المثال عقد المعاهدات الدولية أو انشاء التزام جديد على البلد أو أي أمر من شأنه أن يخرج عن اطار تصريف الأعمال. وما يُحكى عن أن الحكومة المستقيلة ستناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية ليس سوى هرطقة لأن حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع أن تتحول الى رئيس جمهورية الذي لديه صلاحيات حصرية نص عليها الدستور ولم يعطها لغيره. مع العلم أن الدستور قد عالج جميع النواحي، لكن مشكلتنا في لبنان أن التطبيق الدستوري السليم لا يقترن بالنوايا السليمة أي أن ثمة من يريد أن يعطل الدستور ويفسره على هواه، وهذا غير مقبول. وما يحصل على مستوى تأليف الحكومة خير دليل، إذ يمكن وصف التشكيل بعملية كباش لا أكثر ولا أقل من أجل عدم تمكين أي فريق من الفرقاء في السلطة من الذهاب نحو تحقيق مكاسب ضمن اطار الرمق الأخير من العهد الحالي.

وفي هذا السياق، لفت مرجع سياسي لموقع “لبنان الكبير” الى أن قرار إفراغ الدولة هو قرار سياسي بمعنى أن الدولة لم تنهر صدفة. حصل التفريغ على مستوى المجلس النيابي لأن الانتخابات التي كان من المفترض أن تحدث تغييراً لم تحدث أي تغيير. والفراغ واقع على المستوى الحكومي في ظل صعوبة تشكيل حكومة جديدة كما من الممكن الوصول الى الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية. وهنا ايران من خلال “حزب الله” ستضع اللبنانيين أمام حل من اثنين: اما مرشح تثق به أو الفوضى. وكل الذين لا يريدون الوصول الى هذا الوضع مدعوون اليوم الى الجلوس على طاولة البحث واعادة تكوين السلطة في لبنان كي لا نصل الى الفراغ الرئاسي الذي سيضعنا حتماً أمام سلبيتين: سلبية انتخاب شخصية يريدها “حزب الله” أو سلبية الفراغ الذي يعني عزل لبنان عن دوائر القرار الخارجية والمزيد من الانهيار المالي والاقتصادي وانهيار فكرة لبنان وكيانه. وفي الخلاصة، قرار إفراغ الادارة وانهيارها في لبنان هو أول خطوة في اتجاه الفراغ الكامل للدولة اللبنانية بحيث أنه لا يمكن اليوم الحصول على اخراج قيد أو جواز سفر أو افادة عقارية أو دفع غرامة مالية أو فتح محضر في مخفر.

سوداوية معيشية والثورة الأخطر متوقعة

وإذا كانت الضبابية تلف الأجواء السياسية، فإن السوداوية والظلام القاتم يخيمان على المستوى الحياتي والمعيشي بحيث بات المريض يفضل الموت في منزله على أن يذهب الى المستشفى لعدم قدرة الغالبية الساحقة من اللبنانيين على دفع الفواتير الاستشفائية الخيالية اضافة الى الغلاء الفاحش في المواد الغذائية والمحروقات وفواتير المولدات الكهربائية وأزمة الطحين والاتصالات. ونظمت “قوى التغيير” تظاهرة شعبية إحتجاجاً على رفع تعرفة الاتصالات، من أمام وزارة الطاقة وصولاً الى وزارة الاتصالات. وتوقع أحد الخبراء الاقتصاديين في حديث لـ”لبنان الكبير” حصول ثورة اجتماعية عارمة تكون أخطر بكثير من ثورة 17 تشرين لأن الناس جاعت، كما من المتوقع أن تزيد نسبة الجرائم المتنوعة والمتفاوتة الخطورة.

شارك المقال