البحث عن رئيس مناسب… في عتمة العهد الشاملة

لبنان الكبير

هو هدوء ما قبل العاصفة أو عتمة كهربائية شاملة ستنسحب ظلمة حالكة ودامسة على الأوضاع السياسية والاجتماعية والمعيشية والاقتصادية والأمنية وصولاً الى الانهيار التام قبل نهاية العهد حيث لا يبقى سوى الصلاة واضاءة الشموع من أجل تمرير الأشهر الأربعة المتبقية من عمر ولاية الرئيس ميشال عون بأقل أضرار ومصائب.

لا تهم التوصيفات لأن الوقائع والأدلة دامغة: الحكومة في غرفة العناية الفائقة بحيث كان من المنتظر أن يزور الرئيس المكلف نجيب ميقاتي قصر بعبدا أمس وأول من أمس إلا أن لا تقدم ولو بطيء على الخط بين السرايا الحكومي والقصر الجمهوري على الرغم من مساعي فاعلي الخير في ترطيب الأجواء بين الرئيسين وملاقاة بعضهما الى منتصف الطريق في الطروحات والطروحات المتبادلة، لكن على ما يبدو أن شمس التأليف لم يحن توقيتها بعد وربما لن تشرق أبداً. بينما يرى بعض المتفائلين أن الأمور لم تصل الى حائط مسدود، ومن المتوقع أن يحصل تواصل أو لقاء بين عون وميقاتي في اليومين المقبلين أي قبل الدخول في عطلة عيد الأضحى، مع التأكيد أنه ليس بالضرورة أن يكون اللقاء الثالث حاسماً انما لاستكمال تبادل المقترحات مع رفض الرئيس المكلف توسيع الحكومة الى 30 وزيراً.

وفي هذا الاطار، أكد مصدر متابع لـ “لبنان الكبير” أن ليس هناك من زعل أو حرد بين الرئيسين انما عودة الى الصراع حول آليات التشكيل الحكومي، بحيث أن فريق الرئيس عون أي “التيار الوطني الحر” يعرقل في كل الاتجاهات والرئيس المكلف مصر على أن يكون هناك فصل بين رئيس الجمهورية والتيار، وبالتالي، الأمور عالقة في عنق هذه الزجاجة. اذا كان عون يطالب فعلياً بالتشاور مع ميقاتي حسب ما ينص الدستور بمعنى أنه الحكم بين السلطات و”بي الكل”، فلا يمكنه أن يكون طرفاً، اذ أنه يريد أن يكون في الوقت نفسه حكماً وطرفاً ومسمّياً ومحاسباً، وفي النهاية يقول: “ما خلونا”. السلطة التنفيذية تناط بمجلس الوزراء الذي يُحاسب على أدائه أما رئيس الجمهورية فليس مسؤولاً ولا يُحاسب، وهنا المشكلة الجدية في تطبيق الدستور. أما عملية المناورات ودفع الأمور باتجاه التجاذبات فتؤدي الى عدم التشكيل، ووضع ما يسمى معايير ومواصفات وتوازن لا يهدف سوى الى العرقلة علماً أنه ثبت بالوقائع والتجربة أن كل هذه المعايير فاشلة وأفشلت الحكومات والبلد.

وإذا كان ملف التأليف دخل في مسلسل تراجيدي طويل إلا أن القوى السياسية استدارت نحو الاهتمام الكلي باستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية لأن البلد دخل في المدار الرئاسي، وكل الأحزاب والتيارات والكتل والقوى السياسية جنّدت قواها لخوض الاستحقاق باعتبار أن الرئيس الجديد سيشكل محطة مفصلية في تاريخ البلاد الحديث: إما الاستمرار في اللادولة أو اعادة الدولة بمؤسساتها كافة.

وفي هذا السياق، أشار أحد السياسيين الى أن الرئيس في لبنان، بناء على التجربة، يجب أن يكون رئيساً مستقلاً ومحايداً ولا يمثل فريقاً ولا يكون طرفاً في التجاذبات السياسية، بل يكون حكماً بين السلطات لتأمين فصلها وسير عملها. وصلاحيات رئيس الجمهورية أساسية تتعلق بالشأن الاستراتيجي للبلد، لذلك لا بد من العودة الى روحية الدستور السليمة والذهاب الى انتخاب رئيس يكون حكماً لأن تجربة الرئيس الطرف أو الرئيس القوي والذي يمثل جهة معينة، أوصلت لبنان الى الحضيض والى ما تحت جهنم، وهذه التجربة يجب ألا تتكرر. مع التشديد على أن الرئيس يجب أن يكون مسهلاً لادارة الحكم وليس معرقلاً ومعطلاً، وما شهدناه في العهد الحالي من تعثر وعرقلة للتشكيلات القضائية والمراسيم الاصلاحية الأساسية وعرقلة تشكيل الحكومات كما يجري اليوم وكما حصل مع الرئيس سعد الحريري حين كان يريد تشكيل حكومة تتجاوب مع مطالب الناس بوزراء مستقلين، لم يعد صالحاً لأننا وصلنا الى مرحلة ما يشبه مؤسسات، ورئيس الجمهورية يتحدث عن أصول ومعايير يريد تطبيقها. وهنا السؤال الأهم والأبرز: طالما خسر البلد فما أهمية التطبيق؟ ولأي هدف؟ وما النفع اذا ربح العالم وخسر الوطن؟ من أولى أولويات أي رئيس جمهورية أن يسهر على حسن تطبيق الدستور واعادة احياء المؤسسات وتنشيطها كي يؤمن استمراريتها ثم تشكيل حكومة تتخذ قرارات اصلاحية وتعصرن الدولة والا فعلى الدنيا السلام .

ويعتبر بعض النواب التغييريين، أن على الرئيس الجديد أن يكون حكماً ومنفتحاً وجسراً بين الأفرقاء وعلى مسافة واحدة من الجميع، وأن تكون مواصفاته بعكس مواصفات الرئيس عون بمعنى أن يكون وطنياً وسيادياً بالكامل وغير خاضع لأي طرف ولأي حزب ولأي دولة خارجية، وأن يقود البلد نحو الانقاذ الكامل وأن يكون اصلاحياً ويحاسب وتكون أولى أولوياته استعادة الدولة بكل مؤسساتها وتطبيق الدستور كدستور وليس كوجهة نظر.

السواد يخيّم على حياة اللبنانيين

أما في ما يتعلق بالملف الحياتي والمعيشي، فيبدو أن السواد سيخيّم على حياة اللبنانيين وفي منازلهم بعد الانقطاع العام والشامل للكهرباء وكأنه لا تكفيهم الظلمة التي ترافقهم في يومياتهم من التهديد بفقدان الطحين وانقطاع الخبز والأدوية والمياه عن منازلهم اضافة الى الغلاء الفاحش ما يدفع الكثيرين الى الارتماء في أحضان البحر هرباً من حيتان اليابسة، وإحباط عمليات الهجرة غير الشرعية تكاد تكون يومية لشعب حوّله حكامه الى أكثر شعوب العالم يأساً واحباطاً.

وفي حين يأمل الجميع أن تتحسن الاوضاع بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يؤكد الخبراء الاقتصاديون أننا سنشهد في المرحلة المتبقية من عمر العهد، المزيد من التدهور والقرارات الغامضة والصعبة كما حصل في تعرفة الاتصالات، وليس مستبعداً أن تكون هناك قرارات مماثلة متفق عليها لتمريرها انما في الوقت المناسب. كل ذلك سيدفع الأمور في اتجاه الفوضى والفلتان الاجتماعي، ورأينا كيف أن الأمور الاجتماعية تتخذ منحى خطيراً لناحية السرقات والسلب والاعتدءات والأعمال غير المشروعة وصولاً الى سرقة منشآت الدولة، وحبل الفلتان على الجرار.

شارك المقال