ليس لدى الجنرال من يزوره

لبنان الكبير

يعاني الوضع على مستوياته كافة من الارتجاج الخطير الذي قد ينتج عنه شلل وغيبوبة وموت سريري بحيث أن السلطة تعمد الى علاج الأزمات المرضية الخطيرة من خلال حقن البلد بإبر المورفين أو عبر تطبيق المثل القائل “سيري فعين الله ترعاك”.

وإذا أسقطنا من الحسبان الاستخفاف والاستهتار في التعاطي مع كل الملفات والقضايا الحياتية والمعيشية والاقتصادية والمالية والصحية والتربوية التي أوصلت الناس الى الهلاك، فإن ما يجري على صعيد تأليف الحكومة فاقع وقاتل ومدمر للبشر والحجر حتى بدا السير في هذا المسار كمن يسير في حقل ألغام.

وبعد أن تعلق الناس بحبل تشكيل حكومة علها تنقذهم من الغرق، يمكن القول اليوم ان كل الآمال تبددت، والوعود بزيارة القصر الجمهوري لمناقشة المسودات الحكومية أصبحت في خبر كان، إذ أن المعطيات تشير الى أن لا موعد حتى اللحظة للرئيس المكلف نجيب ميقاتي في القصر الجمهوري مع العلم أنه سيغادر خلال الساعات المقبلة بيروت الى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة في عيد الأضحى المبارك، ثم يتوجه الى المملكة المتحدة لقضاء عطلة العيد مع العائلة ويعود منتصف الأسبوع المقبل الى بيروت لاستئناف مهمته الحكومية.

وبحسب مصدر متابع لعملية التأليف، فإن الرئيس المكلف يرفض التعديل في جوهر حكومته الحالية وإن كان منفتحاً على تغيير يطال بعض الأسماء النافرة باعتبار أنه لا يمكن التغيير الكلي في الحكومة لأن عمرها أقل من 4 أشهر، وكل وزير جديد تلزمه هذه الفترة للتعرف والاطلاع على شؤون وزارته وشجونها. لذلك، استمرت الحكومة بمعظم أعضائها، والتغييرات طالت 5 وزراء، واحد بسبب الواقع السياسي الدرزي بعد نتائج الانتخابات النيابية، والأربعة الآخرون عليهم نقمة شعبية سواء في الأداء أو في الفشل.

ووفق المعطيات، فإن النائب جبران باسيل يدرس خيار مقاطعة الوزراء المسيحيين للحكومة المستقيلة في حال لم تكتب الولادة للحكومة الجديدة بمعنى أنه اذا قرر الرئيس ميقاتي الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، فتكون فاقدة لميثاقيتها المسيحية. وهكذا، يكون الردّ المباشر على أي محاولة لرئيس الحكومة لاقفال باب مشاورات التأليف من خلال تعويم الحكومة المستقيلة.

وعليه، فإن المرحلة يمكن أن تُصنّف بأنها مرحلة تحد بامتياز بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي المتمثل بـ “التيار الوطني الحر”، لكن ما الذي جرى لتصل الأمور الى هذا الحد من الانسداد السياسي الذي بلغ ذروته في التعقيد والتأزم؟

أجاب أحد المطلعين على كواليس التأليف بأن الرئيس ميقاتي لا يفتش عن صراع مع “التيار الوطني الحر” ولا عن كيدية سياسية، لكن في الاستشارات النيابية غير الملزمة كان هناك قاسم مشترك بين كل الكتل النيابية بأن لا ثقة لحكومة يعود فيها “التيار” الى وزارة الطاقة خصوصاً أن التغذية الكهربائية صفر. أي عاقل اليوم يقبل بأن يعود التيار السياسي نفسه الذي تسلم الوزارة على مدى أكثر من 15 سنة، الى هذا الموقع؟ بعد كل هذه السنوات سقطت كل حجج “ما خلونا”، وأهينت كرامات الناس الذين يتعرضون لمذبحة في فواتير المولدات الكهربائية. والسؤال هنا: هل المطلوب من الرئيس المكلف أن يتحدى الشعب بأكمله ويعين وزيراً للطاقة من “التيار”؟ ميقاتي لن يحملها ولن يفعلها. ثم ما يحاول باسيل اشاعته بأن رئيس الجمهورية يمكن أن يشكل الحكومة التي يريدها هو ورئيس الحكومة، يعتبر اساءة الى الرئيس عون لأن هناك اعتداء على الدستور باسم رئيس الجمهورية الذي أقسم على حمايته، إذ أن الدستور نص على أن الرئيس المكلف يشكل حكومته بالتشاور مع رئيس الجمهورية وليس بفرض حصص وزارية. الاساءة الثانية الى رئيس الجمهورية حين يقول باسيل في خطابه ان الرئيس عون لديه أكبر كتلة نيابية ما يعني وجوب أن تكون لديه أكبر حصة وزارية، فيكون بذلك حوّل رئيس البلاد من رئيس جامع الى رئيس فئوي لديه تيار سياسي، ومن رئيس يرأس مجلس الوزراء كاملاً الى رئيس يفتش عن حصة وزارية. على العهد أن يفتش عن تسوية مع ميقاتي وليس العكس، لأن ميقاتي مرتاح على وضعه في حال تشكلت الحكومة أو لم تتشكل. واذا كان باسيل يقول ان لا حكومة بشروط الرئيس المكلف فإن الأخير لن يشكل حكومة الا تلك التي تشبهه. وفي الخلاصة، ان الأمور تخطت الخلافات لتصل الى مرحلة التحدي، والى فترة المراوحة الطويلة والقاتلة، والكرة اليوم في ملعب رئيس الجمهورية الذي عليه دعوة رئيس الحكومة انطلاقاً من أولوية مصلحة الناس على مصلحة صهره.

وفي هذا الاطار، تؤكد أوساط سياسية أن ليس هناك من أمل في التشكيل طالما أن الحكومة لا تخدم فريق رئيس الجمهورية، وتنفذ التعيينات التي يريدها لوضع يده على كل مؤسسات الدولة، وهذا يعني عملياً انهاء لبنان بصورة كاملة لأن كل ما يهم هذا الفريق هو البقاء في السلطة، متسلطاً ويضع يده على كل مقدرات الشعب ويخدم “حزب الله” ويوفر له الغطاء الرسمي. وفي الوقت الذي يؤمن الرئيس ميقاتي شروط التيار يكون أنهى نفسه وأنهى لبنان.

أما على صعيد الاستحقاق الرئاسي، فإن أخطر ما في الموضوع أن هناك حسابات ونوايا مبيتة لدى “حزب الله” والرئيس عون بحيث أن التأليف بالنسبة الى الأخير وفريقه السياسي تفصيل والأولوية ليست لكيفية تشكيل حكومة تنقذ لبنان انما كيفية البقاء في السلطة ان كان من خلال الاستمرار في التعطيل، ويبقى رئيساً للجمهورية بفعل حكم الأمر الواقع، أو عبر زواريب تشريعية جريصاتية غب الطلب، تؤمن له البقاء في قصر بعبدا، وهنا تقع الكارثة الكبرى.

وفي السياق، يحدد حزب “القوات اللبنانية” صفات رئيس الجمهورية المقبل وأولوياته بحيث يجب أن يكون رئيساً سيادياً يستعيد سيادة لبنان والمؤسسات الدستورية وتفعيل مؤسسات الدولة ووزاراتها بصورة اصلاحية وبشفافية تامة، ويعمل لكل لبنان كي ينقذه من الوضع الحالي ولا يعمل لفريق سياسي كي يمكّنه في السلطة ويسلّطه على اللبنانيين. رئيس يتمتع بالشجاعة والحكمة والقدرة والقرار الحر، وتكون أولوياته وضع حد لذوبان لبنان في محور النظامين السوري والايراني وانقاذه منه واعادته الى طبيعة نظامه الاقتصادي الحر وعلاقاته الجيدة مع المجتمعين الدولي والعربي. الانقاذ من خلال نهضة شاملة على المستويات كافة لأنهم أوصلوا البلد الى مرحلة التصفير والى كومة دمار.

شارك المقال