لبنان على قارعة الأمم… أذكرونا بالخير!

لبنان الكبير

تكاد لا تمر قمة عربية أو دولية إلا وتتطرق الى الوضع اللبناني، وتناشد المسؤولين العمل على إنقاذ لبنان وتطبيق الدستور واحترام المواعيد الدستورية وبسط سلطة الدولة وتنفيذ الاصلاحات وتطبيق القرارات الأممية واتفاق الطائف، إلا أن صقور السلطة يديرون الآذان الصماء للخارج كما لمعاناة الناس في الداخل، وأدّت سياساتهم الخاطئة والسيئة الى التعطيل على المستويات كافة حتى أن الحكومة المنتظرة دخلت في غيبوبة طويلة، والتخوف اليوم من أن تنسحب على الاستحقاق الرئاسي، فيصبح البلد تحت رحمة الفراغ والاضرابات وكيدية أهل السلطة الذين يئس منهم الشعب وقادة الدول، وباتوا يرددون: على مَن تقرأ مزاميرك يا داود.

في الداخل، لا لقاء محدداً بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي حتى الساعة، ووفق المواكبين لعملية التأليف كل يوم نتجه فيه نحو التوقيت الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية اعتباراً من أول أيلول تقل فيه فرص تأليف الحكومة. وعلى الرغم من عودة الرئيس ميقاتي من عطلته واستئناف عمله، الا أن لا جديد على خط التواصل المقطوع مع القصر الجمهوري حتى أن الموعد الذي طلبه قبل عيد الأضحى لم يحدد بعد، وهو لن يحرك ساكناً قبل الرد عليه من دوائر القصر بحسب مصادر مقربة منه، على اعتبار أنه لا يجوز أن يبادر ميقاتي ويتصل للاستفسار عن الموعد، وهو يعتبر أنه قام بواجبه وقدم تشكيلته في انتظار مناقشتها مع الرئيس عون لأنه طالما لم يحصل النقاس فكيف يمكن التغيير أو التعديل في التشكيلة خصوصاً أن رئيس الجمهورية لا يزال على موقفه؟ مع العلم أنه لم يصدر أي بيان رسمي من القصر الجمهوري في هذا الاطار انما كل ما يتم التداول به يأتي عبر مصادر. اليوم انتقلنا من مرحلة المناقشة حول المسودة الى مرحلة الدخول في المتاهات والتأويلات وفي قضايا دستورية غريبة عجيبة ما يعني أن الحوار تحول الى حوار طرشان، والحكومة دخلت في نفق مظلم .

وإذا كان بعض الجهات السياسية والرسمية يعتبر أنه اذا لم يطرأ أي جديد على ملف التأليف خلال هذا الأسبوع، فإن هذه الصفحة ستطوى الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي الذي صار بالنسبة الى معظم القوى السياسية، الأولوية الأساسية في هذه المرحلة، فقد أشارت المعطيات الى أن الدول الخارجية ومنها فرنسا ستضغط في اتجاه اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها على غرار ما حصل في الانتخابات النيابية.

وفيما ترى جهات أن انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان لا يتأثر بالتطورات الاقليمية والدولية، وأن المسؤولية تقع على النواب الذين يسمحون أو لا يسمحون بتدخل خارجي، واذا صفت النيات وتم التوافق على شخصية معينة، ينتفي أي تأثير لأي عاصمة قريبة أو بعيدة، تعتبر أوساط سياسية أن رئيس الجمهورية هو نتاج مزيج داخلي وخارجي خصوصاً في هذه المرحلة حيث الصراع الأميركي – الايراني في المنطقة على أشده، وأن هذا الاستحقاق بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة سيدخل في جغرافيا الانقسام العالمي بين فريق يدعم المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا وفريق يدعم روسيا والصين وضمنه ايران.

وفي هذا الاطار، يقول أحد المحللين السياسيين ان انتخاب رئيس الجمهورية قرار لبناني داخلي، وليس هناك من دولة تضغط حالياً في اتجاه انتخاب شخصية دون سواها. الخيار لدى اللبنانيين وكل خيار له ثمنه وتداعياته. تدخل الخارج لم يعد تدخلاً مباشراً انما عبر مطالب واجراءات اصلاحية، وفي حال لاقاهم لبنان بخطوة ايجابية، فالمجتمع الدولي يتعامل ايجاباً والعكس صحيح. كما أن الموضوع اللبناني لم يعد أساسياً ومحورياً، والتدخل في التفاصيل اللبنانية أصبح مكلفاً للخارج أكثر مما هو مفيد له أو يكسبه. والأمر متروك لقرار اللبنانيين بحيث أنه الى اليوم لا شيء محسوم على صعيد رئاسة الجمهورية، وعدم التوافق حالياً يوحي بأن ليس هناك رئيس جديد في الموعد الدستوري لكن كل الأمور تتغير قبل أيام قليلة من الاستحقاق. واذا كانت القوى اللبنانية متحسسة للأزمة، فيجب ألا تتأخر في انتخاب رئيس، وتسقط من حساباتها سياسة التعطيل .

من جهة ثانية، اختلف المحللون في قراءة زيارة الرئيس الأميركي الى المنطقة وما نتج عنها من مواقف خصوصاً تلك المتعلقة بلبنان بحيث أن التطرق الى الوضع اللبناني في البيانين اللذين صدرا عن “قمة جدة للأمن والتنمية” وعن اللقاء الأميركي – السعودي، أظهر أن لبنان في صلب الاهتمامات الدولية، إلا أن مصدراً مواكباً أكد لـ “لبنان الكبير” أن الكلام الديبلوماسي لا يعكس برنامج عمل أو خطة تجاه لبنان انما يركز على الثوابت الأساسية، وهذا يتكرر في أكثر من قمة. ليس هناك من تطور نوعي لكن في الوقت نفسه، فإن البيانين يدلان على أنه طالما الوضع في لبنان مستمر على ما هو عليه، فلا تتوقعوا منا أي مساعدة ولديه فرصة اليوم من خلال انتخاب رئيس الجمهورية. كيف ستتعامل المنظومة مع هذا الاستحقاق؟ هل ستعود الى اعادة انتاج رئيس جمهورية شبيه بالرئيس ميشال عون؟ هذا يعني أن لبنان ليس في وارد التغيير على المستوى السياسي والاصلاحي أو أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية مدخلاً لاعادة ترتيب الأمور والحد من الانهيار. إذاً، المساعدة مشروطة بالبرنامج الذي لن يكون بمعزل عن تغييرات حقيقية في السياسة والاقتصاد والادارة، وحتى الآن لم يقدم لبنان أي اشارة ايجابية الى أنه مستعد للذهاب في هذا الاتجاه. ليس هناك من إرغام للبنان على تغيير الوضع انما هناك وضع مأساوي وعلى اللبنانيين أن يقرروا ماذا يريدون وفي ضوء قراراتهم تتعامل الدول العربية والمجتمع الدولي معهم. طالما أنهم لا يريدون تغيير الواقع، فليتحملوا مسؤولية خياراتهم. لن يكون هناك ضغط دولي في اتجاه انتخاب رئيس جمهورية في هذا المنحى أو ذاك بل المسألة متروكة للبنانيين والتعامل سيكون مع النتائج. هذا هو جوهر التعاطي العربي والدولي مع لبنان .

وفي قراءة للزيارة عموماً، فإن بايدن جاء بهاجس أساس هو موضوع النفط، وفي اطار حسابات انتخابية داخل أميركا اذ لا يريد الوصول الى الانتخابات النصفية للكونغرس من دون أن يكون هناك تراجع في أسعار النفط. من الواضح أن الأميركيين ذاهبون في اتجاه عقد اتفاق نووي والأطراف التي كانت مجتمعة في القمة مدركة أن أميركا متجهة نحوه. لذلك، رأينا أن المواقف العربية عموماً والخليجية خصوصاً لم تكن عالية السقف تجاه ايران لا بل سمعنا مسؤولين ايرانيين يرحبون بالموقف السعودي. الدول الخليجية لن تتعامل مع زيارة بايدن في اطار أنها يمكن أن تؤثر على الخيارات الاستراتيجية التي اتخذتها، اذ هناك حرص سعودي على تثبيت سياسة أن تكون للسعودية علاقات متنوعة، وتؤكد على علاقتها المميزة مع أميركا لكن في الوقت نفسه تطمح الى تطوير علاقاتها مع روسيا والصين. بهذا المعنى، لأول مرة قد يكون هناك اعتراف أميركي ضمني بأن هناك مصالح لدول المنطقة وتحديداً دول الخليج لا يمكن تجاوزها.

وفي الخلاصة، المسار الغالب في المنطقة في المستقبل القريب هو مسار التهدئة وليس التفجير على الرغم من أنها لم تدخل بعد في مرحلة التسويات الكبرى.

رسالة رجاء من البابا

وبعيداً عن الأجواء السياسية القاتمة، رسالة رجاء من البابا فرنسيس الى شباب لبنان، نقلها أمين سرّ الدولة لقداسة البابا بییترو بارولین خلال حفل تخرج طلاب الجامعة الأنطونية، دعا فيها الشباب الى “ألّا يفقدوا الأمل في مستقبل أفضل، مهما صعبت الأحوال، وأظلمت الآفاق. أنتم برجائكم وبشجاعتكم ستبنون بلدكم من جديد، وتعيدون إليه كامل كرامته، ومعناه الفريد بين بلدان الشرق الأوسط. كونوا أقوياء، واعلموا أنّ الله قريب منكم، ويسير إلى جانبكم. آمنوا بحضوره بينكم، وبأمانته لكم وللبنان. ومثل الأرز، الذي لا تقهره العواصف، يسألكم أن ترفعوا نظركم إلى العلى لتروا نور الله ونور الأمل في ظلام الليل، وتثابروا بإيمان ومحبّة من أجل بناء بلدكم من جديد، لأنّكم أنتم المستقبل، وأنتم صانعوه”.

شارك المقال