هستيريا عونية ضد “المركزي”… وفبركة دستورية لاحتلال الفراغ

لبنان الكبير

هي هستيريا أو سابقة في تاريخ القضاء اللبناني أو مسرحية خطيرة أدت دور البطولة فيها القاضية غادة عون بعد أن دخلت بمساندة مرافقيها، إلى حرم المصرف المركزي بطريقة غير مألوفة ومن دون مراعاة الأصول القانونية. تتعدد الأوصاف والنتيجة واحدة: قضاء يخضع لقوانين بلاط العهد التي حكمت على البلاد منذ ست سنوات بالاعدام شنقاً وخنقاً ورمياً بالرصاص الحي، وإذا عرف السبب بطل العجب: انها المعايير الأخلاقية نفسها التي أودت ببلاد الأرز وأهلها الى ما بعد بعد جهنم .

الغارة التي شنتها القاضية عون ليست سوى عيّنة عن غارات تعطيلية متتالية تدل على المفاهيم والمقاييس المتبعة في ادارة الحكم وكيفية التعامل مع الاستحقاقات الدستورية والتعيينات، والدليل ما يحصل على صعيد تأليف الحكومة بحيث باتت هناك قناعة لدى الجميع بأن ليس من مصلحة رئيس الجمهورية وفريقه السياسي تأليف حكومة جديدة تفقدهما مواقع وحقائب يمسكان بها في الحكومة المستقيلة حتى لو اشتعل البلد وذاب في لهيب نار وزراة طاقة لم تكن على مدى 15 عاماً سوى طاقة للهدر والفساد والسمسرات والسرقات.

والغارات الوهمية مستمرة مع التهويل بأن لدى رئيس الجمهورية طرّازين دستوريين سيفبركون فتاوى بالجملة لابقاء الرئاسة الأولى معهم أو على الأقل لاسناد صلاحياتها الى هيئات كالمجلس الدستوري أو المجلس الأعلى للدفاع بهدف عدم اعطاء السلطة التنفيذية أي فرصة لاتخاذ قرارات لا تكون على قدر طموحاتهم، لكن أحد السياسيين المخضرمين أكد لـ “لبنان الكبير” أن “السيناريوهات التي يتم الحديث عنها تشبه الجنون الذي عشنا في ظله في أواخر الثمانينيات والغدر الذي لحق بنا منذ العام 2016. تسليم المجلس الدستوري أو المجلس العسكري أو أي هيئة رديفة لا علاقة لها لا بالدستور ولا بالميثاق، سيواجه بكل أنواع المعارضة، ولكل حادث حديث اذا تمسك الرئيس عون بكرسي بعبدا بعد انتهاء ولايته لأن أملنا الوحيد باستعادة لبنان عافيته من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتخلص من الزمرة التي تسلمت الحكم وتآمرت على سيادة البلد، واستفادت من خيرات شعبه ما أدى الى الافلاس التام. والتمني اليوم أن يصار الى استباق موعد انتهاء ولاية العهد بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة حتى قبل الأول من أيلول لأن الوضع لم يعد يحتمل، ولبنان بلغ نقطة اللارجوع القاتلة. فليذهب الرئيس عون الى منزله مشكوراً وفي أسرع وقت لأن كل يوم يطل على الشعب بمآس جديدة. نحن نتطلع الى مرحلة الانتخابات الرئاسية بكثير من الأمل لنتخلص من الكابوس الحالي، ونأتي برئيس يكون بمستوى البلاد، رئيس مميز كفوء، عالم، متوازن، حكيم وغير مقيد بأي عمالة أو تابع لأي محور، وهذا ما نصبو اليه لأن مصير كل لبناني على المحك”.

أما من الناحية القانونية، فاعتبر أحد الدستوريين أن السيناريوات المطروحة عن أن رئيس الجمهورية قد يلجأ الى تكليف المجلس الدستوري ادارة شؤون البلاد كي لا يترك الأمر للحكومة الحالية أو أي حكومة ستصبح مستقيلة عندما تنتهي ولاية العهد الحالي، هي هرطقات خطيرة لأن المجلس الدستوري الذي حدد الدستور مهامه بصلاحيتين أساسيتين الطعون بالانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية والطعن بدستورية القوانين، هو ليس هيئة تنفيذية لكي يتسلم ادارة شؤون البلاد، والهيئة التنفيذية محصورة برئيس الجمهورية وبرئيس الحكومة والحكومة فقط لا غير. أما من يقول ان الرئيس سيسلم البلاد الى المجلس الأعلى للدفاع، فهذه أيضاً هرطقة لأن المجلس وفق تشكيله هو أداة أمنية تنفذ الأوامر والتوصيات وليس مؤسسة دستورية كالحكومة لكي تناط به صلاحيات رئيس الجمهورية. انها سيناريوات أقل ما يقال فيها انها تعدّ واضح على النصوص والقوانين.

وفي هذا السياق، لا خيار أمام رئيس الجمهورية عند انتهاء ولايته سوى مغادرة القصر الجمهوري. تجربة التمديد للرئيس إميل لحود حين كان البلد محكوماً من النظام السوري، كان بالامكان حينها ابتداع أي فتوى بداعي القوة، لكن عند انتهاء ولايته الثانية لم يبق يوماً واحداً في القصر لأن رئيس الجمهورية يمكن أن يلاحق من أي كان بجرم خرق الدستور. بهذا المعنى، لا يستطيع رئيس الجمهورية فعل أي شيء عند انتهاء ولايته سوى ترك القصر والذهاب الى منزله. عندها، بحسب الدستور تناط بعض الصلاحيات التنفيذية وليس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة، بحكومة تصريف الأعمال التي تصرف الأعمال بالمعنى الضيق أي أنها لا تستطيع عقد معاهدات دولية أو تلزم لبنان بإلتزامات مالية كبيرة ولا أن تصدر عفواً خاصاً والى ما هنالك، لكنها تتولى ادارة شؤون البلاد. وبالتالي، أي سيناريو خارج هذا الاطار هو إمعان في تمزيق الدستور مع العلم أن التمديد يحتاج الى تعديل دستوري لأن ولاية رئيس الجمهورية محددة بالدستور ست سنوات غير قابلة للتجديد. واذا أراد الرئيس عون البقاء في سدة الرئاسة، فعليه أن يستحصل على تعديل دستوري يمر في مجلسي النواب والوزراء، وهذا صعب التحقيق.

وفي حين تعتبر هذه الطروحات والسيناريوهات لا قيمة قانونية ودستورية لها، إلا أنه لا بد من الاشارة الى أن بدء المهلة الدستورية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية سيتزامن وسيسبقه رحيل عشرات الآلاف من المغتربين الذين أعطوا الوضع نوعاً من النفس الايجابي بسبب ضخهم للدولارات، لكن بعد عودتهم الى دول الانتشار، سيزداد الوضع سوءاً ما لم يتواضع الجميع، ويذهبون الى معالجة حقيقية تبدأ بتشكيل حكومة سريعاً لتعالج الملفات الأساسية الملحة. ثم فيما بعد، تقع على المجلس النيابي مسؤولية الالتئام وعدم تعطيل النصاب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولا يجوز أن نكون متشائمين جداً لأن رئاسة الجمهورية لها بعد أساسي دولي واقليمي قبل أن يكون بعداً داخلياً. وبالتالي، إن حصلت لحظة التقارب السعودي – الايراني وتكللت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن بنتائج ايجابية مع السعودية، فمن الممكن أن نشهد ولادة رئيس جمهورية جديد وفي الموعد المحدد لأن لبنان كان وسيبقى انعكاساً بسيطاً لسياسات الخارج.

سابقة اقتحام “المركزي”

وبالعودة الى السابقة التي تحصل للمرة الأولى على مستوى القضاء اللبناني، إذ بعد مداهمة قوّة من أمن الدولة منزل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الرابية، من دون العثور عليه، اقتحمت القاضية عون المصرف المركزي في الحمراء، ووصلت إلى الطابق حيث مكتب الحاكم، لكنها سرعان ما خرجت، معلنة أن إشارة من المدعي العام المناوب في بيروت القاضي رجا حاموش أتت لإخلاء المكان. وجاء دخولها الى المصرف المركزي بعدما منعت قوّة أمن الدولة من دخوله بقرار من القاضي حاموش .

وتعقيباً على اقتحام القاضية عون حرم “المركزي”، أعلنت نقابة موظفي مصرف لبنان الاضراب، وأقفلت المصرف مع اعتصام للموظفين داخل حرمه، “اعتراضاً على التجاوزات القانونية والطريقة الميليشيوية التي تمارسها القاضية عون” بحسب بيان النقابة.

فيما رأى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أن “مداهمة المصرف المركزي بهذا الشكل الاستعراضي وسط تداخل الصلاحيات بين الأجهزة القضائية ليس الحل المناسب لمعالجة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”، مؤكداً “لسنا متمسكين بأحد، ولا ندافع عن أحد، بل نتمسك بالقضاء العادل بعيداً عن الاستنسابية، مع الحرص على سمعة لبنان المالية دولياً. والمطلوب أن تتم معالجة هذا الملف بتوافق سياسي مسبق على حاكم جديد لمصرف لبنان، ولتأخذ القضية مجراها القانوني المناسب بعد ذلك”.

اختيار طريق النار بالترسيم سيحرق بشدة

على صعيد آخر، يترقب لبنان زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي ربما سيمر على اسرائيل قبل مجيئه الى بيروت لاعداد الأرضية اللازمة لجلوس الجانبين من جديد الى الطاولة في الناقورة في الفترة المقبلة برعاية الأمم المتحدة، لكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أنه استجد أكثر من معطى محلي واقليمي ودولي في ملف الترسيم خصوصاً بعد مسيرات “حزب الله” التي أطلقها نحو حقل “كاريش”.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد من أن “أنشطة حزب الله تعرض لبنان ومواطنيه للخطر”، مشيراً الى أن “إسرائيل ليست لديها مصلحة في التصعيد لكن عدوان الحزب غير مقبول ويمكن أن يؤدي بالمنطقة بأسرها إلى تصعيد لا داعي له”. فيما لفت وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس الى أن “دولة لبنان وقادتها يدركون أنهم إذا اختاروا طريق النار فسوف يتضررون ويحترقون بشدة”.

شارك المقال