استهدافات كبيرة لـ”ولي عهد” العصفورية اللبنانية

لبنان الكبير

خلال رعايته احتفال “أهلا بهالطلة” ترويجاً للسياحة، تمنى رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ألا نصل الى أغنية “عالعصفورية” في اختيار الأغاني كشعارات للحملات السياحية، لكن لا بد من السؤال هنا: ألم يصل البلد بعد في ظل عهد جهنم الى العصفورية أو تخطاها بأشواط؟ أليست السلطة الحاكمة وأصحاب القرار يديرون البلاد على طريقة “سيري فعين الله ترعاك” بما يذكر بـ “أوبة أربع مجانين وبس” بحيث فرّطوا بالوطن وأهله، وبات الهاجس الحقيقي اليوم أن تندثر الجمهورية وتختفي عن بكرة أبيها؟

البلد في حالة شلل تام، المؤسسات تشهد انهياراً كلياً، الشعب يئن تحت الضربات المعيشية المتلاحقة، تشكيل حكومة يتطلب أعجوبة سماوية، استحقاق رئاسي يرزح تحت ضربات التهديد والوعيد والتعطيل اذا لم يكن لصالح جهة معينة، قضاء يستقوي على الأوادم والفقراء من جهة، ويتعاطى باستنسابية مطلقة مع متهمين من جهة ثانية، والأخطر من كل ذلك تسخير القضاء لايصال رسائل سياسية الى أعلى المرجعيات الروحية. وما جرى مع النائب البطريركي الماروني على القدس والأراضي الفلسطينية والأردن، المطران موسى الحاج، عند معبر الناقورة من احتجاز جواز سفره ومنعه من السفر والتحقيق معه لساعات طويلة لا يجوز أن يمر مرور الكرام بحسب مصدر معني لـ “لبنان الكبير” باعتبار أنه رسالة موجهة ليس الى شخص البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لأنه يرفع سقف خطابه في ملف الاستحقاق الرئاسي وحسب، بل ان المسألة باتت وجودية ومصيرية للبنان الكيان. كما لا يكفي التضامن والتواصل مع البطريركية في هذا الاطار، بل يجب اتخاذ مواقف جريئة من بعض الأطراف في السلطة مع العلم أن البطريرك الراعي مستاء جداً مما جرى مع المطران الحاج.

من يراقب المشهد السياسي وتصعيد العهد في كل الاتجاهات، يستدرك سريعاً أن هناك نوعاً من التوتر على مسافة أشهر قليلة من انتهاء عهد الرئيس ميشال عون بحيث أن المعارك السياسية مفتوحة على أكثر من جبهة وتستهدف شخصيات سياسية ودينية وإدارية، كلها لا تجاري “التيار الوطني الحر” في سياسته، حتى أن بعض الجهات السياسية يؤكد أن الحملة العونية تصاعدية من الآن وصولاً الى موعد انتخاب رئيس الجمهورية لأنها تحمل في طياتها أهدافاً رئاسية وتوطئة للمعركة الرئاسية للنائب جبران باسيل المقتنع بأن لديه حظوظاً في الوصول الى قصر بعبدا حيث من الواضح وفق أحد السياسيين المخضرمين أن المعركة لن تتم بطرق هادئة وطبيعية، بل ستحتاج الى عملية قيصرية لأن هناك فرقاء سيحاولون فرض شروط متعددة تتعلق بالأشخاص والمرشحين وشروط حصول الانتخابات. وبالتالي، المشكلة ليست في الرأي العام على قدر ما هي عند بعض المرشحين ومنهم النائب باسيل الذي سيحاول القيام بنوع من خطة اقتحام على هذا الصعيد خصوصاً أنه لا يزال يعتبر نفسه مرشحاً ممكناً وربما قوياً لرئاسة الجمهورية.

وفي هذا السياق، تأتي الحملة على قائد الجيش العماد جوزيف عون إذ أن هناك محاولة لالغائه كمرشح لرئاسة الجمهورية حتى لو لم يعلن ترشيحه أو لإلغائه كحل. المعلوم أن الجيش هو دائماً ملاذ في الأزمات الكبرى، وهو الملجأ عندما تتعثر الأمور السياسية والدستورية والقانونية. لذلك، هناك محاولة لالغاء هذا الاحتمال ليقال للناس ان لا بديل عن المرشح الفلاني ولا تحلموا بموضوع قائد الجيش. أما في ما يتعلق بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فهناك من يريد أن يتنصل من مسؤولية الأزمة الحادة التي يعيشها لبنان وأن يرمي بها في اتجاه معين، وشخصية الحاكم “لبيسة”. لذلك، هناك محاولة لتحميل حاكمية مصرف لبنان كل المسؤولية عن كل ما حصل في ما اذا كانت هناك مسؤوليات عليها، فالمسؤولية الأولى أنها لم تعترض على سياسة الدولة منذ سنوات، ولم يرفض مصرف لبنان تلبية طلبات الدولة بالاستدانة فيما هو يرى التعثر.

اما جريمة المدير العام لهيئة المناقصات جان العليّة فهي أنه اعترض على ممارسات تحصل في قضية التلزيمات، وهذا يزعج فرقاء يستفيدون من العقود أو من كيفية حصول العقود العامة. من هنا، فإن العلية قد يدفع ثمن اعتراضه على مخالفة القوانين وأصول التلزيمات والمناقصات التي تجري.

وفي وقت يتلطى العهد وفريقه السياسي بالحملات التي يقومون بها على اعتبار أنها اصلاحية على الرغم من أن الجميع بات على يقين بأنها حملات سياسية ترتبط بمحاولتهم استقطاب بعض الجهلة في محاولة لتحصين أوضاعهم قبيل معركة الرئاسة، يشير المصدر السياسي الى أنه لا يمكن بعد الآن سوى تعداد المخالفات وحالات الفساد المعنوي والسياسي والمالي في هذا العهد وصولاً الى التطاول والحملة على المطران الحاج الذي تأتي تنقلاته ضمن الأعراف المتبعة كونه راعي أبرشية مارونية موجودة في فلسطين المحتلة والأردن. وحرية التنقل أمر متبع منذ سنوات عديدة ويشمل البطريرك والسلطات الروحية كافة كما يشمل المطران الذي هو نائب بطريركي. أما ما يحاك وما يقال عن أن التحقيق شمل نقل أموال أو غيرها، فلا يوجد في القانون ما يمنع ادخال الأموال خصوصاً أن الوضع الاجتماعي اللبناني لعائلات كثيرة يبرر هذا الأمر، فهل يريدون أن تموت الناس من الجوع؟ لا شيء سياسي أو أمني في تصرفات المطران يبرر هذه التحقيقات اضافة الى أن العادة جرت بأن يتم التعاطي مع السلطات الروحية بصورة لائقة ومميزة لما لهذه السلطات من هيبة وصفات. من هنا أمر مستغرب جداً الدوافع القانونية والأمنية والسياسية لذلك. ان الموضوع يندرج في سياق الضغط السياسي الداخلي وربما يستهدف بكركي لمحاولة إخضاعها الى شروط سياسية معينة، ولا تفسير آخر لهذا الأمر. وهنا لا بد من التشديد على أن الاصلاح الأول اذا أردنا أن ندعي أننا دولة ديموقراطية، يكمن في اعادة النظر بصلاحيات النيابة العامة العسكرية اذ لا يجوز أن تبقى أداة لدى السلطة في ممارسة الضغوط السياسية كما تجري الأمور حالياً.

بيان المطارنة: ما حصل أعادنا الى أزمنة الاحتلال

رأى المطارنة الموارنة الذين اجتمعوا بصورة استثنائية في الصرح البطريركي في الديمان، أنه “لا بد من تصحيح هذا التطاول بمحاسبة كل مسؤول عما جرى مهما كان منصبه حتى اقالته”، معتبرين أن “ما تعرض له المطران الحاج أعادنا الى أزمنة الاحتلال حين كان المحتلون يحاولون النيل من دور الكنيسة المارونية في لبنان والشرق، هي التي زرعت في هذه الأرجاء روح الحرية والصمود ومفهوم الدفاع عن حقوق الانسان وحرية المعتقدات والتآخي بين الأديان”.

واستنكروا في بيان تلاه المسؤول الاعلامي في الصرح وليد غياض “بأشد العبارات ما اقترف عن سابق تصور وتصميم وفي توقيت مشبوه ولغايات كيدية معروفة”، مطالبين بـ “وقف هذه المسرحية الأمنية القضائية السياسية وإعادة المساعدات التي احتجزت الى المطران لتصل الأمانات الى أصحابها”.

واستغربوا “صمت الدولة تجاه ما تعرض له المطران”، مطالبين وزير العدل بـ “اتخاذ الإجراءات المسلكية اللازمة بحق كل من تثبت مسؤوليته في فعل الإساءة المتعمد”. كما طالبوا مدعي عام التمييز بإحالة القاضي فادي عقيقي الى التفتيش القضائي وتنحيته، مجددين المطالبة بـ “استقلالية القضاء عن السلطة السياسية”.

شارك المقال