معركة الرئاسة “كسر عظم”… والبيع والشراء ممكن داخلياً

لبنان الكبير

التشكيل الحكومي المغيّب عمداً عن الساحة السياسية يؤشر الى اعتراف الجميع ضمناً بأن لا ولادة لحكومة جديدة في العهد الحالي، في وقت ازدحمت الاستحقاقات الأخرى من الترسيم البحري الحدودي، حيث تحدثت المعلومات عن أن الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين سيزور لبنان آخر الشهر الحالي، الى ملف رئاسة الجمهورية، الذي وضع على نار حامية في كواليس القوى السياسية لكن وسط صمت مريب، إذ لم تتبنّ أي جهة شخصية لترشيحها الى الانتخابات الرئاسية على مسافة قرابة شهر من بدء المهلة الدستورية، وصولاً الى قضية المطران موسى الحاج التي لا تزال تتفاعل على المستويات السياسية والقضائية والأمنية وفي ضوء الزيارات التضامنية.

البداية مع ملف الاستحقاق الرئاسي، بحيث من المتوقع أن تفتح أبواب البرلمان على مصراعيها لانتخاب رئيس جديد في الأول من أيلول المقبل، وتفتح في موازاتها أبواب البلد على مصراعيها على المجهول لأنه وفق المراقبين، فإن احتمال انتخاب رئيس جديد يوازي احتمال الفراغ في سدة الرئاسة خصوصاً في ظل فقدان أكثرية ترجح الكفة في هذا الاتجاه أو ذاك. وما يجعل من انتخابات الرئاسة الأولى هذه السنة معركة “كسر عظم” أنها معركة بين مشروعين: مشروع يتمثل بلبنان المحور الايراني وآخر يريد الخروج من هذا المحور واعادة بناء المؤسسات وانتظامها. انها معركة هوية ووجود، وعلى القوى السياسية أن تحسم أمرها، وتعلن تموضعها صراحة لأن الوقت داهم.

وإذا رأى البعض أن تراكم المؤشرات السلبية، من عدم تأليف الحكومة والتصعيد الجنوبي من خلال المسيرات، والفبركات التي تطال البطريركية المارونية، واستمرار أزمة العلاقات مع الدول العربية، وشل الدولة من خلال اضراب القطاع العام، يدل على أن هناك محاولة لتطيير الاستحقاق الرئاسي، فإن أحد المحللين السياسيين لفت الى أن هناك تململاً ضمنياً داخل الطائفة الاسلامية بحيث أن الموارنة من خلال أكبر كتلتين لم يسموا الرئيس السني أي رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، ولا الرئيس الشيعي أي رئيس مجلس النواب نبيه بري وسط تخوف من رد الصاع صاعين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إلا أن هذا الخيار يبقى ضعيفاً لأن الجميع بات يدرك، خصوصاً قوى المعارضة أو السيادية، أن المسألة ليست لعبة، وقد قطعت شوطاً مهماً في تشكيل جبهة واسعة لخوض الاستحقاق الرئاسي بشخصية واحدة وايصالها الى القصر الجمهوري على اعتبار أن الأكثرية المشتتة تتحول الى فاعلة ومؤثرة في حال تضامنها. كما أن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط لم يقرر بعد خياره في هذا الاطار، وهو بكتلته النيابية سيكون بيضة القبان في الانتخابات الرئاسية، وموقفه من قضية المطران موسى الحاج دليل على ذلك.

وفيما يؤكد سياسيون ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية من صناعة لبنانية مئة في المئة على الرغم من أن لبنان ليس بقعة معزولة عن محيطها وتتأثر بما يجري من حولها، يشدد المحلل السياسي على أن رئيس الجمهورية محلي داخلي، و”حزب الله” يمكنه البيع والشراء على هذا الصعيد.

ووفق المعلومات، فإن الأمور ليست على ما يرام بين رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي لا يزال يطرح نفسه كمرشح قوي لرئاسة الجمهورية. وفي حال نجحت مساعي “حزب الله” في اقناعه بالتصويت لفرنجية كما يتم الحديث الآن واذا لم يطرأ أي جديد، فإن باسيل في هذه الحالة يريد أن يفرض شروطاً ولديه لائحة بالمطالب كي يصوّت لفرنجية ومنها حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش وغيرها الكثير من التعيينات من الفئة الأولى والمهمة. إذاً، الحزب يريد فرنجية لكنه في الوقت نفسه يتوجس منه لأنه لن يسير بأجندته كما يفعل باسيل الذي هو أكثر ليونة معه الا أنه محاصر بالعقوبات الأميركية.

الحزب لم يحسمها بعد وهو في اطار تشاور مستمر على هذا الصعيد، وينتظر ما يمكن أن يقوم به فرنجية في اطار حملته الرئاسية، مع العلم أنه في حال كان مرشح الموالاة أو 8 آذار ، يمكن أن يحصل على أكثر من 65 صوتاً لأن بعض المعارضة يمكن أن يصوّت لصالحه.

أما على ضفة قضية المطران الحاج، فأكد مصدر مواكب لـ”لبنان الكبير” أنها لم ولن تذهب باتجاه طائفي انما باتجاه وطني ومس الحريات العامة والشخصية، خصوصاً أن هذا المسار بين لبنان وفلسطين المحتلة متبع منذ 27 سنة. والسؤال لماذا جرى ما جرى في هذا التوقيت بالذات مع العلم أن قاضي التحقيق العسكري فادي صوان أعلن منذ أشهر قليلة عدم اختصاص وعدم صلاحية القضاء العسكري اللبناني لملاحقة المطران الحاج ومحاكمته جزائياً، سنداً للمادة 1060 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الصادرة عن الفاتيكان سنة 1990 والنافذة في لبنان منذ 1991 التي تمنح، حصراً، قداسة البابا في الفاتيكان حق محاكمة الأساقفة الملاحقين بقضايا جزائية؟ وأقفل الملف على هذا الأساس. التوقيف يدعو الى الريبة. بكركي ليست معقلاً مسيحياً بل وطني منذ انشاء لبنان الكبير في العام 1920 الى اليوم ولا تقبل أن تكون مرجعاً مسيحياً فقط انما ترفع الراية الوطنية وتحمل الهموم والقضايا الوطنية. انها رسالة سياسية وليست قضائية .

وفي هذا الاطار، وتحييداً للمواجهة بين أبناء البلد، جاءت زيارة المطرانين الحاج وميشال عون الى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي وعد بحسب المعلومات بإنهاء هذا الملف بالكامل، مؤكداً أنه يعمل على معالجته.

ولفتت مصادر مواكبة لـ”لبنان الكبير” الى أن اللقاء كان عادياً وضع خلاله المطران الحاج، رئيس الجمهورية في حقيقة القضية لأن بعض وسائل الاعلام يحرّف ما جرى. كما طلب منه استعادة أغراضه الشخصية من هاتف وجواز سفر والأمانات التي كان يحملها لايصالها الى أصحابها.

وكان وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري أكد بعد لقائه البطريرك الراعي في الديمان، أنه سعى الى جمع المعطيات المتوافرة حول ملف توقيف المطران الحاج، وأنه أرسل كتاباً إلى مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات للاطلاع على كل المعلومات المتعلقة بالملف والمتوافرة حتى الساعة، وكشف أنه لم يحصل على جواب حتى الآن.

وعلى ايقاع الزيارات التضامنية الى الديمان والمواقف السياسية واللقاءات بحيث سجلت مساع حثيثة لاحتواء ما حصل، توالت الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى الحج الى الديمان يوم غد الأحد دعماً للكنيسة المارونية. وأكدت احدى المرجعيات السياسية أن الدعوة عفوية وغير موجهة وغير منظمة بل انها رسالة من الناس للتعبير عن رفضهم لما حصل مع المطران الحاج، وأنه في حال مرت هذه المسألة مرور الكرام ستؤدي الى عمليات قمع أكبر وأكبر، ومعالجة الموضوع تكون من خلال إقالة القاضي فادي عقيقي الذي هو الأداة الواضحة لمنظومة “حزب الله”.

شارك المقال