4 آب 2022… لا عزاء الا بالخلاص من عهد المصائب

لبنان الكبير

في الرابع من آب 2020، لم ينفجر مرفأ بيروت وحسب انما انفجر قلب المدينة وأهلها وسكانها ومحبيها على امتداد الوطن، ساحلاً وجبلاً، وأدركوا حينها أنهم يعيشون في بلد يرافقه سوء الطالع في بره وجوّه وبحره، وتلاحقه الويلات والمصائب على تنوعها وتعددها، لكن سرعان ما استدركوا أن ذلك لن يحصل بفعل تدخل خارق من خارج كوكب الأرض أو بسبب عمل سحري أسود، انما بفضل مسؤولين أرادوا عن سابق تصور وتصميم تفتيت البلد بمؤسساته وقطاعاته كافة، ويعترفون بكل فخر بأن الوطن أصبح جمهورية في جهنم تسودها قوانين العصفورية بكل مفاعيلها وتداعياتها.

اليوم، الذكرى الثانية لانفجار العصر الذي قيل الكثير عنه وعن خسائره البشرية والمادية والنفسية، في الداخل والخارج، وما أشبه اليوم بالأمس حيث الانفجارات السياسية والاجتماعية والصحية والمعيشية تتوالى لتصيب شظاياها كل اللبنانيين، من صغيرهم الى كبيرهم، والقطاعات بمجملها تصدعت وتزعزت أساساتها وتنهار الواحدة تلو الاخرى، متسببة بغبار سام حارق وخانق لن تحجبه الكمامات الطبية. وهنا لا بد من طرح بعض الأسئلة البديهية: من يحاسب المسؤولين عن تجويع شعب بأكمله طالما هم الحكم والحاكم، وهم أنفسهم الذين يعرقلون التحقيقات في أكبر انفجار غير نووي في التاريخ؟ وفي حال نجح أهالي ضحايا المرفأ في الاستعانة بلجنة تقصي حقائق دولية لكشف الحقيقة، فمن يكشف حقائق الجرائم الانسانية التي ترتكب بحق الشعب اللبناني بأكمله؟ وإذا كان الاهالي يؤكدون أنهم لن يتعبوا ولن ينسوا وهم مؤمنون بأنه لا يموت حق وراءه مطالب وأن الهواء السياسي سيتغير يوماً، وسيرون المجرمين خلف القضبان، لكن من يقنع آلاف الشابات والشباب بعدم اليأس والهجرة من بلدهم على قاعدة أن “الدني دولاب”، والطبقة الحاكمة ستتبدل، وما لن يحصل في دهر يمكن أن يحصل في شهر؟

الاجابة تأتي على لسان أحد كبار القانونيين الذي اعتبر أننا نعيش صراع عدم المساءلة، وهذا الأمر ليس حديثاً اذ أن هناك الكثير من الأمثلة عن استهدافات طالت مقامات كبيرة من دون مساءلة ومحاسبة. وبالتالي، الثقافة المجتمعية والقانونية والسياسية باتت كأنها مسلّمة بمبدأ الافلات من العقاب في الجرائم الخطيرة التي تهز الأمن المجتمعي. تفجير المرفأ يعتبر من الجرائم التي تمس بأمن الوطن، ويمكن القول ان جريمة بهذا الحجم وهذه النتائج ستصطدم بثقافة الافلات من العقاب. هذه الثقافة مورست في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن حينها كانت الظروف تسمح نتيجة الصوت العالي والانتفاضة الكبرى بأن يسمع المجتمع الدولي هذا الصوت والذي على أساسه صدر القرار عن مجلس الأمن بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. ملف تفجير المرفأ أيضاً بهذا الحجم، وليس هناك صدمة من هذه الثقافة ومن فعاليتها في عدم الوصول الى الحقيقة وانزال العقوبة بحق المرتكبين. للأسف، لبنان منذ أكثر من 3 سنوات أي قبل الانفجار، دخل نفقاً مظلماً وظالماً حيث عانت غالبية المجتمع اللبناني من انهيار الوضع الاقتصادي والمالي وازدياد منسوب تفشي الفساد على مستوى المسؤولين. لذلك نعيش معضلتين: معضلة الافقار والذل، ومعضلة الوجع وتماديه بسبب ثقافة الافلات من العقاب، وعرقلة التحقيقات في انفجار المرفأ خير دليل. لا بد أن الاصرار على السير بقضية انفجار المرفأ الى النهاية هو الأمل المعقود لأن المطلوب من قبل السلطة هو التراجع الى الوراء. وبالتالي، على اللبنانيين اليوم أن يتماسكوا لأنهم سيخرجون من جهنم، لكن هذا يحتاج الى كثير من الارادات والتصميم والصبر والتحمل. اذا فقدنا الأمل، أتحنا الفرص أكثر للذين فقدوا الأمل فينا. الاصرار مطلوب والايمان بمستقبل أفضل أيضاً مطلوب لأننا على ثقة بأن لبنان كالشجرة مهما اشتدت العواصف عليها قد تلوي أغصانها لكنها لا تنكسر. مع العلم أن عمر بعض أنظمة الدول قد يطول ولكن لا يمكننا سوى التمسك بهويتنا وبانتمائنا الى هذا البلد الذي واجه الكثير من المحن والمخاطر والتحديات، وكان في كل مرة ينتفض لينطلق ويحلق مجدداً. وفي الذكرى، لا بد من التأكيد أن الاهمال هو اهمال النظام اللبناني، والعلة ليست في الأفراد انما في منظومة تافهة يجب أن تدفع الثمن الأكبر، وأن يتم التحقيق معها من قبل لجنة تقصي حقائق دولية تحقق في الجرائم الانسانية التي ارتكبتها بحق الشعب اللبناني .

وإذا كانت الارادة الشعبية الصلبة مطلوبة، وعدم السماح لها بالتهاوي، فإن الصدفة شاءت لاهراءات المرفأ أن تفقد صلابتها وتتهاوى بسرعة قياسية عشية الذكرى، اذ ارتفعت فجأة نسبة انحنائها وتحديداً من الجهة الشمالية من 12 مم الى 20 مم في ساعة من الوقت، ومنعت القوى الأمنية السيارات من المرور في المكان تحسّباً لكمية الغبار التي قد تنتج عن عملية الإنهيار. وتوقفت الأعمال في محيط الاهراءات وتم اخلاء العمال والموظفين. كما أعلن التحكم المروري عن تدابير سير بالقرب من تمثال المغترب وتحويله الى الطرقات المجاورة.

وفي مبادرة ملفتة، وجه البابا فرنسيس نداءً عشية الذكرى الثانية لانفجار المرفأ، قال فيه: “أوجه فكري إلى عائلات ضحايا هذا الحدث الكارثي وإلى الشعب اللبناني العزيز، وأدعو الله أن يعزي الجميع بالإيمان وأن تواسيه العدالة والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أبداً. آمل أن يواصل لبنان، بمساعدة المجتمع الدولي، السير على طريق الولادة الجديدة، والبقاء وفياً لدعوته في أن يكون أرض سلام وتعددية، حيث يمكن للجماعات من مختلف الأديان أن تعيش في أخوّة”.

انتظار هوكشتاين والرد الاسرائيلي

على صعيد آخر، يترقب اللبنانيون الرد الاسرائيلي على الطرح اللبناني الأخير الذي حمله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى تل أبيب بعد مغادرته لبنان، وأوضح مصدر معني لـ “لبنان الكبير” أن هناك اختلافاً في الرأي داخل الحكومة الاسرائيلية حول ملف الترسيم الحدودي، فهناك طرف يرى أنه في حال حصل لبنان على ما يطالب به يكون تنازلاً غير مسبوق من الاسرائيليين، في حين يعتبر طرف آخر أن مسار التفاوض جيد ولا بد من الوصول سريعاً الى اتفاق بين الدولتين .

ولفت المصدر الى أن لبنان تمسك بحقل قانا كاملاً وبالخط 23 اضافة الى البلوك رقم 8 الا أن العرض الاسرائيلي إلى المسؤولين اللبنانيين تضمّن تنازلاً من الجانب الإسرائيلي بنحو 860 كلم2 من حصته في حقل قانا مقابل أن يتنازل لبنان عن مساحة محدّدة من شمال الخط 23 المتمثلة في جزء من البلوك رقم 8، لكن لبنان لم يقبل بتقاسم الحصص مع اسرائيل.

وتحدثت معلومات عن أن سقف وقف التصعيد بالنسبة الى “حزب الله” لن يتعدى منتصف شهر آب الجاري، الا أن مصدراً مقرباً من “الثنائي الشيعي” أكد لـ “لبنان الكبير” أن هذه المعلومات غير صحيحة لأن الحزب ينتظر ما تقرره الدولة، التي في حال لاحظت أن هناك مماطلة في عودة الوسيط، فإن التصعيد سيبدأ بصورة تدريجية وصولاً الى الحرب مع العلم أن الجميع بانتظار هوكشتاين خلال أيام لنقل الجواب الاسرائيلي. وليست الزيارة السريعة للوسيط إلى إسرائيل بعد انتهاء زيارته للبنان سوى دليل على تصميم واشنطن على إنهاء النزاع بين لبنان وإسرائيل في أسرع وقتٍ ممكن. وفي حال جاء هوكشتاين بجواب ايجابي، تستأنف الاجتماعات في الناقورة لوضع الاحداثيات التقنية على الخرائط وتنظيم المحضر النهائي للاتفاق الحدودي البحري تمهيداً لتوقيعه.

شارك المقال