غضب فاتيكاني على رئيس الجمهورية وحلفائه

لبنان الكبير

أكد السفير البابوي لدى لبنان المونسنيور جوزف سبيتري بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، في زيارة وداعية “قرب قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس والكرسي الرسولي، من لبنان ومن اللبنانيين واللبنانيات”، فيما كان مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي ماتيو بروني يعلن أن البابا سيتوجه إلى كازاخستان لزيارة مدينة نور سلطان في الفترة ما بين 13 و15 أيلول المقبل لمناسبة المؤتمر السابع لقادة الأديان العالمية والتقليدية، ما دفع الى تساؤلات عن مصير الرحلة التي كانت مقررة في حزيران الماضي الى بيروت وأرجئت لدواع تتصل بالحالة الصحية لقداسته، مع العلم أن لبنان غير مدرج حالياً على جدول الزيارات المعلنة .

وفي هذا الاطار، أشار أحد المقربين من الفاتيكان لـ “لبنان الكبير” الى أن البابا فرنسيس والكرسي الرسولي لم ولن يتركا لبنان يوماً لأنه في قلب الفاتيكان كنموذج حضاري وهويته كبلد للأخوة والحرية والتعددية هي في صلب نضال الديبلوماسية الفاتيكانية. هناك غضب فاتيكاني على المنظومة الحاكمة وعلى رأسها رئيس الجمهورية وحلفاؤه، وهناك أيضاً تنبه لخطورة الانسياق الى تغيير هوية لبنان الذي تقوده ايديولوجية “حزب الله” من خلال سطوة فائض قوة السلاح خارج الشرعية. البابا والكرسي الرسولي تفاديا الاستغلال السياسي للزيارة التي كان من المرتقب أن يقوم بها البابا الى لبنان، وتنبها الى أن هناك من يريد استغلالها بخبث ويوظفها باعتبار أنها ضمن مسار حلف الأقليات واستدعاء الحمايات والتطبيع مع خيارات لا علاقة لها بالأمن القومي للبنان وللمصلحة الوطنية العليا وبالاختبار التاريخي للشعب اللبناني. بهذا المعنى يجب فهم قرار الكرسي الرسولي والبابا فرنسيس ولو أنه قام بزيارة الى كندا وعلى جدول زياراته كازاخستان. هو يوجه رسالة دعم للشعب اللبناني في مواجهة المنظومة الحاكمة، كما وجه رسالة واضحة عشية ذكرى انفجار المرفأ، أنه ينتظر من الشعب استكمال النضال من أجل ولادة جديدة.

لم يكن ينقص اللبنانيين سوى أن يعيشوا في أجواء الحرب الاعلامية والبيانية بين “التيار الوطني الحر” ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وكأن هناك اصراراً من السلطة باستمرار على التدمير المنهجي للهيكل ولبنيان ما تبقى من دولة فوق رؤوس الجميع. وهنا يسأل أحد السياسيين المخضرمين: هل هذا هو الوعي الوطني الذي يجب أن يتمتع به المسؤولون في أكثر المراحل خطورة على الكيان وعلى الشعب؟ وهل بالتراشق الكلامي غير اللائق نقيم التفاهمات ونحقق الاصلاحات ونعيد شبك علاقات لبنان مع الدول العربية والخليجية ودول العالم؟ وهل بهذا الجو المشحون نتحضّر لانتخابات رئاسية تكون ربما الفرصة الأخيرة للخلاص؟ يبدو أن الأمنيات ستبقى أمنيات ولا حياة لمن ننادي.

وبما أنه محكوم على الشعب المعذب أن يتشبث بخشبة الأمل، فهو ينتظر الاستحقاق الرئاسي على أحر من الجمر باعتبار أنه سيكون اما قمحة أو شعيرة، بمعنى اما يعيد الرئيس الجديد البلاد الى سابق عهدها أو على الدنيا السلام، مع العلم أنه على مسافة أقل من 25 يوماً من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، تؤشر تصاريح الرؤساء وبعض الفاعليات الى أن لا رئيس جديداً في القصر الجمهوري في الأول من تشرين الثاني، ما فتح الباب أمام التساؤل إن كان كلام أرفع المسؤولين في الدولة مقدمة للفراغ أو أنه يصب في خانة الحث على انتخاب رئيس في المهلة الدستورية بعيداً عن التعطيل والتأجيل؟

الجواب يأتي على لسان أحد المتابعين الذي أكد أن البلاد دخلت فعلاً في معركة الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما يشير اليه الحراك بين الكتل للتفاهم على مرشح معين خصوصاً كتل المعارضة التي لا تزال مشرذمة. وهنا لا بد من أن نسأل: هل لبنان بألف خير؟ وهل الأزمة الوحيدة هي الانتخابات الرئاسية أو شخصية الرئيس الذي يجب أن يكون قادراً على الامساك بمفاصل البلد ووضعه على سكة الانقاذ لمنع الارتطام الكبير؟ الأزمة اليوم ليست رئاسية بقدر ما هي أزمة نظام وأزمة اختلال توازنات في بلد يقوم على توازنات دقيقة بين مجموعاته الاتنية والسياسية. الخلل الكبير بات واضحاً وانعكس على الأوضاع العامة اضافة الى أن هناك مشكلة تطبيق الدستور الذي يأتي استنسابياً وفق المطامع الطائفية والسياسية والمذهبية، وهذا ما تسبب بتعطيل كل المؤسسات. لذلك، لا مؤشرات على أن هناك انتخابات رئاسية في موعدها ما لم تكن هناك تسوية كبرى بمعنى أي رئيس لأي لبنان؟ وبالتالي، علينا أولاً أن نحدد أي لبنان نريد وأي نظام نريد ليصبح لدينا رئيس جديد للجمهورية. التوجهات توحي بأن لا بد من تسوية تأتي برئيس قد تكون من خلال مؤتمر دولي أو طاولة حوار تستضيفها دولة نافذة تضم المجموعات اللبنانية لاعادة صياغة عقد اجتماعي جديد. هذه الاحتمالات واردة، والمسألة محصورة بأمرين: الأول، ليس هناك من قدرة على انتخاب رئيس صنع في لبنان. أما الثاني، فهو رئيس أي لبنان ولأي نظام؟ هل سنبقى ضمن الدوامة أو هناك تسوية تستجيب للطموحات والتطلعات التي يفرضها الوضع المأساوي الداخلي لوضع البلد على سكة الانقاذ؟ وهنا لا بد من التأكيد على أمر ثالث ومهم هو أن ما يجري حالياً على مستوى المنطقة والعالم، ينعكس على لبنان الذي هو من ضمن المنطقة، وعلينا انتظار التطورات الخارجية ومدى تأثيرها على الداخل. ثم هل هناك فعلاً تفاهم على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل أو أن الموضوع سيبقى معلقاً ويخضع لتجاذبات معينة؟ وهل هناك قرار بإعادة النازحين السوريين، واجماع وطني على ذلك؟ كلها ملفات تنتظر المتغيرات في المنطقة ليبنى عليها بمعنى إن كانت هناك حلول أو تعقيدات جديدة.

ولا بد من الاشارة الى أنه كان هناك اصرار على اجراء الانتخابات النيابية وانها ستحمل التغيير، وتبين أن المجلس الحالي ليست فيه حيوية قادرة على انتاج تغيير نظراً الى انعدام الأكثريات، والأمر يسري على انتخابات رئاسة الجمهورية بحيث أن الكل يطالب بها، وهذا حق دستوري لكن ماذا في اليوم الثاني بعد أن ننتخب رئيساً؟ هل تحل أزمة لبنان أو نعود الى المناكفات السياسية حول من سيكون رئيس الحكومة ومن يشارك فيها وما هي حصص الكتل والحقائب السيادية؟ نعود الى الحلقة المفرغة، وتستمر الأزمة. وبالتالي، فإن الحلول ستكون من خلال ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية ولكن بعد تسوية كبرى لمعالجة كل الثغرات ووضع لبنان على السكة الصحيحة وليس ابقاءه في مساره التصادمي.

التجنيس والنفي

على مقلب آخر، نفى مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ما نشرته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية عن بيع جوازات سفر لبنانية لغير لبنانيين، ووصفه بـ “الكاذب ولا أساس له من الصحة”. كما أشار المكتب الاعلامي للرئيس ميقاتي في بيان إلى أنه “يتم التداول بأخبار صحفية عن مرسوم تجنيس قيد الإعداد، وميقاتي يؤكد أن هذا الموضوع ليس مجال بحث لديه على الإطلاق”.

أما وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسّام مولوي، فأكد في بيان أنه غير معنيّ إطلاقاً بكل ما تمّ ذكره حول مرسوم تجنيس جديد، وأن الوزارة لم تقم بأيّ إجراء بخصوص أي مشروع مرسوم من هذا النوع، كما أنها ترفض السير بهكذا مشروع. ووجّه مولوي كتاباً إلى صحيفة “ليبراسيون” طالباً الاعتذار وتصحيح الخبر، محتفظاً بحقه في الإدعاء على الصحيفة المذكورة. كذلك وجّه كتاباً الى السفيرة الفرنسية في بيروت لأخذ العلم بذلك.

وعن صحة المعلومات حول إصدار مرسوم بتجنيس 4 آلاف غير لبناني، أكد أحد السياسيين لـ “لبنان الكبير” أنه “ليس غريباً أن تقوم المنظومة الحاكمة بأفعال مماثلة، لكن نفي القصر الجمهوري كما السراي الحكومي لهذا الأمر على الرغم من اختلافهما والأحقاد بينهما يعني أن الاخبار المتداولة غير صحيحة، ما يشير الى أن مصادر الصحافي خاطئة أو كاذبة وربما تكون لديها نوايا مبيتة لخلق بلبلة على الساحة السياسية”.

شارك المقال