مش مهم الترسيم… المهم حدود العهد الجديد

لبنان الكبير

بين تأليف الحكومة الذي أصبح في خبر كان وانتظار موعد استحقاق رئاسي تبدو طريقه متعثرة بعقد داخلية وتأثيرات خارجية، يسيطر الشلل على كل مفاصل الدولة، ولم يحاول المسؤولون خرق جدار الجمود سوى من خلال قذائف بيانات دفاعية وهجومية غير آبهين بمئات المواطنين الذين يرمون أنفسهم في البحار وبين الأمواج العاتية هرباً من الاختناق ظلماً وقساوة وفساداً.

وسط اللامبالاة الانقاذية، يترقب الجميع بصيص أمل من خلف البحار علّ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين المرتقب وصوله الى بيروت خلال أيام يحمل معه رداً ايجابياً من الجانب الاسرائيلي على الطرح اللبناني، بحيث يؤكد المعنيون بملف ترسيم الحدود البحرية أن توقيع الاتفاق بين الجانبين بات وشيكاً حتى أن فريق العمل لدى هوكشتاين يعمل على صياغة بنوده كما أشار مصدر مطلع على الملف لموقع “لبنان الكبير”، مؤكداً أنه لا يمكن القول مع إسرائيل “فول تيصير بالمكيول” لأنها ربما تخفي عقدة حتى ربع الساعة الأخير إن جرت المفاوضات في الناقورة حول التفاصيل الصغيرة، خصوصاً أن حكومة العدو منقسمة بين مؤيد للاتفاق وفق الصيغة المطروحة حالياً، وبين معارض على اعتبار أنه سابقة في التنازل عن الحقوق الاسرائيلية، والتخوف من أن تكر سبحة التنازلات.

وبغض النظر عن السجال الداخلي حول الخطين ٢٩ و٢٣، وامكان توقيع الاتفاق خلال العهد الحالي من عدمه خصوصاً بعد المعلومات التي تحدثت عن أن اسرائيل لا تمانع في إرجاء عملية استخراج الغاز من حقل “كاريش” إلى ما بعد أيلول المقبل، فهناك مستجدات لا بد من التوقف عندها والتي يمكن أن تؤثر على التفاوض وتفرمل الايجابية في هذا الملف، اذ أن بعض الخبراء اعتبر أن القصف الاسرائيلي على غزة هو “بروفة” لحرب محتملة على لبنان، كما أن تصريحات مسؤولين إيرانيين في الأيام القليلة الماضية لا تبشر بالخير.

وفي هذا الاطار، أعرب أحد المسؤولين عن مركز دراسات يعنى بالقضايا العربية عن تخوفه من تطور الأحداث الأمنية في غزة وتوسعها وانتقال الصراع الى الساحة اللبنانية، ومما زاد من منسوب الاحتقان والقلق، التصريحات الايرانية التي تتحدث عن قوة “حزب الله” الصاروخية وقدرته على تدمير اسرائيل في أية مواجهة مقبلة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن العدوان الاسرائيلي يستهدف حركة “الجهاد الاسلامي” حصراً، ومن المعلوم أن علاقة خاصة تربط هذه الحركة الفلسطينية بالحرس الثوري الايراني و”حزب الله”، وقد أكدت اسرائيل أنها لن تهاجم مواقع تنظيمات فلسطينية أخرى طالما لم تتدخل مما يعني أن المعركة مفتوحة مع أدوات ايران في مختلف الميادين. وكان سبق لاسرائيل أن شنت غارات جوية مكثفة على معسكرات ومستودعات ذخيرة تابعة لايران وميليشياتها في سوريا. ويمكن القول ان اسرائيل التي تخشى أن تواجه معركة أو حرباً واسعة النطاق على جبهات متعددة أي من الجنوب والشمال، تسعى الى حسم معركة غزة، أي جنوبها، بضرب القوى المتحالفة مع ايران، وبالتالي، تثبيت وقف اطلاق نار نهائي وحاسم في جنوب اسرائيل، قبل أن تلتفت الى شمالها، أي الى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، لحسم الوضع نهائياً خصوصاً اذا لم يتم التفاهم على تسوية النزاع الحدودي، ونفذ “حزب الله” تهديداته بضرب المنصات النفطية بهدف منع اسرائيل من استخراج الغاز والنفط وتصديره لأوروبا المحتاجة اليه قبل فصل الشتاء المقبل.

اما أحد المحللين السياسيين فاعتبر أن محاولة اعادة وضع إطار جديد لمفاوضات فيينا برعاية أوروبية، يفسر عدم تطور المواجهة في غزة حتى أن بعض أبواق الممانعة الاعلامية عاتب حركة “حماس” لعدم التدخل ما يعني أن الجانب الايراني لا يريد توسيع دائرة الحرب لا من خلال “حماس” ولا من خلال “حزب الله” بانتظار تبيان مسار المفاوضات. من هنا، رأينا أن “حماس” بقيت متفرجة وكذلك “حزب الله” الذي اكتفى بالبيانات والاستنكارات لأن أذرع ايران في المنطقة لا تتحرك الا بأمرتها ووفق مصالحها التي تقتضي حالياً على أبواب مفاوضات جديدة عدم التصعيد. وهذا الأمر ربما ينعكس ايجاباً على ملف الترسيم البحري الحدودي بين لبنان واسرائيل بمعنى أنه اذا بدت سماء مفاوضات فيينا صافية، فإن ايران ستسمح لـ “حزب الله” بالسير في ملف الترسيم، وفي حال تلبدت الأجواء وبدا الأفق مسدوداً، فسنشهد خشونة أو تصعيداً في التعاطي بملف الترسيم، وقد يلجأ الحزب الى المطالبة بأمور لا يتم الحديث عنها الآن. وفي الخلاصة، بات مؤكداً أن ايران تحارب بالدماء العربية لمصالحها وليس لمصالح الدول العربية. ولا يجوز أن نسقط من الحسبان أن الضربة الاسرائيلية على غزة ربما تكون حاجة سياسية إسرائيلية داخلية خصوصاً أن إسرائيل على أبواب انتخابات، وهي تعلم أن أي ضربة من هذا النوع ستكون ردة الفعل عليها محدودة تتمثل في قصف صاروخي من حركة “الجهاد” لكنها ستشد العصب الاسرائيلي.

الراعي: هل صار الاتفاق مع اسرائيل أسهل من بين اللبنانيين؟

سأل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة قداس الأحد من الديمان: “أليس انقسام السلطة السياسيّة في لبنان، وانشطار الأحزاب عموديّاً وأفقيّاً، هما في أساس الإنحلال السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي والمعيشي؟”، مؤكداً أنّ “جرحاً بليغاً يصيبنا في الصميم، وكل الشعب اللبناني، فيما نشهد بألم وغضب اندلاع حملات إعلاميّة قبيحة بين مرجعيّات وقوى سياسيّة مختلفة في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى الهدوء والتعاون. لو كانت النيّات سليمة وصادقة لكان بالإمكان معالجة أيّ خلاف سياسي بالحوار الأخلاقي وبالحكمة وبروح بنّاءة بعيداً عن التجريح والإساءات الشخصيّة. لكن ما نلمسه هو أن الهدف من هذه الحملات هو طيّ مشروع تشكيل حكومة والإلتفاف على إجراء الانتخابات الرئاسية بفذلكات دستوريّة وقانونيّة لا تُحمد عقباها. لكن اللبنانيين ذوي الإرادة الحسنة، والمجتمعين العربيّ والدوليّ مصمّمون على مواجهة هذه المحاولات الهدّامة وتأمين حصول إنتخاب رئيس جديد بمستوى التحديات ومشروع الإنقاذ”.

أضاف: “عرفنا ماضياً في لبنان أزمات حكوميّة نتجت عن طول مرحلة التشكيل، لكننا لم نعرف أزمة حكوميّة نتجت عن وجود إرادة بعدم تشكيل حكومة قبل إنتهاء ولاية عهد رئاسيّ. من المعيب أن تبذل السلطة جهوداً للاتّفاق مع إسرائيل على الحدود البحريّة وتَنكفئ بالمقابل عن تشكيل حكومة. فهل صار أسهل عليها الاتفاق مع إسرائيل من الاتفاق على حكومة بين اللبنانيّين؟ إنّ كرامة الشعب ترفض كل ذلك”.

ولفت إلى أنّ “عدم تجاوب المسؤولين مع نداءاتنا المتكرّرة بشأن سيادة المطران موسى الحاج منذ عشرين يوماً، يكشف الخلفيّات المعيبةَ وراءَ الإعتداء المخالف للمذكّرة الصادرة عن مديريّة الأمن العام بتاريخ 29/4/2006، والمؤسفُ جِدّاً أنَّ هذه الجهاتِ التي يُفترضُ فيها أن تكونَ الحريصةَ الأولى على كرامةِ الأسقف، وعلى ما ومَن يُـمثِّل، تَصرّفت ولا تزال من زاويةِ التشفّي والمصالحِ الأنانيّة وكأنَّ لديها ثأراً على البطريركيّةِ المارونيّةِ لأنّ هذا الصَرحَ يقولُ كلمةَ الحقّ، ويَدحَضُ الخطأَ، ولا يَتدجَّنُ مع الباطل، ولا يساوِمُ على الحقيقة والمقدَّساتِ والبديهيّاتِ مهما طال الوقت”.

فرار ٣١ موقوفاً

على صعيد آخر، فرّ 31 موقوفاً بعد منتصف ليل السبت – الأحد من نظارة سجن جسر العدلية في بيروت، وهم من جنسيات مختلفة بينهم لبنانيون وسوريون وعدد من الأجانب. الموقوفون الفارون متهمون بجرائم عادية وليست خطيرة ومعظمها جرائم جنح، والتحقيقات في الموضوع لا تزال مستمرة الا أنه تبين وفق المعطيات الأولية أن المسجونين فروا بعد كسر النوافذ الحديدية بآلة حادة، وتدمير جزء من جدار في نظارتين متلاصقتين ما يرجح فرضية مساعدة أشخاص من خارج السجن.

من جهة ثانية، عمد عدد من الشبان في بعض المناطق إلى اقفال الطرقات العامة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار.

شارك المقال