الرئاسة مواصفات أولاً… وهوكشتاين يطل الى ما بعد غزة

لبنان الكبير

يقف لبنان على مفترق استحقاقات مهمة أبرزها انتخاب رئيس جديد للجمهورية وملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل في وقت تجتاح المنطقة، العواصف السياسية، وآخرها العدوان الاسرائيلي على غزة الذي تخوف البعض من تداعياته، ومن امكان اعادة خلط أوراق الترسيم خصوصاً أن اسرائيل تواجه أكثر من استحقاق داخلي وربما تلجأ الى ترحيل النقاش حول الحدود البحرية الى ما بعد الانتخابات لاخراج الملف من المزايدات التي ترافق الحملات الانتخابية، وسط معلومات تشير الى أن الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي يريدان تحقيق انجازين قبل نهاية العهد: الترسيم وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

البداية من ملف الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبره كثيرون سائراً على خطى التشكيل الحكومي لاسيما أن العالم منشغل بأزماته، والداخل بانقساماته وتوتراته، والهجوم الباسيلي على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لا يخرج عن السياق الرئاسي خصوصاً أن ” التيار الوطني الحر” يخوض كل الاستحقاقات على أرضية ساخنة لتحصيل مكاسبه ومصالحه. على أي حال، فإن الطبق الأساس على طاولة النقاش بين القوى السياسية هو الانتخابات الرئاسية مع العلم أنه على مسافة 22 يوماً من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية ليس هناك مرشح جدي مطروح لسدة الرئاسة، كما لم تتبنّ أي جهة أكانت معارضة أو موالاة، شخصية معينة لايصالها الى بعبدا. إلا أن رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع دعا جميع النواب الذين يعدون في صفوف المعارضة إلى تكثيف اتصالاتهم من أجل تحقيق التغيير لتكون محطّة انتخابات الرئاسة ناجحة وليست كسابقاتها.

وعلم موقع “لبنان الكبير” من مصدر سياسي مواكب للأوضاع أن التواصل على مستوى الأفراد بين كتل المعارضة قائم منذ مدة، لكن المشاورات تتم بعيداً عن الاعلام لأن الموضوع شائك ومهم، وهناك تفاصيل كثيرة يجب التوافق عليها مع العلم أن النقاشات لا تزال في بداياتها بحيث يضع كل تكتل نيابي وثيقة سياسية أو ورقة ما متعلقة بالرئيس المقبل، وبخطة العمل الانقاذية على أن تدرس هذه الوثائق وتجمع في وثيقة واحدة خلال طاولات الحوار المفترض عقدها في غضون أيام. أما النقاط الخلافية البسيطة، فيعمل على تذليلها خصوصاً أن النقاط الجامعة بين هذه القوى أكثر بكثير من نقاط التفرقة.

واجتمع أمس في مجلس النواب 16 نائباً من قوى المعارضة لمحاولة تقريب وجهات النظر في ما بينهم ولمناقشة جدول أعمال الجلسات وآلية التصويت على مشاريع القوانين ومواضيع أخرى، إلا أن أحد النواب المشاركين أكد لـ”لبنان الكبير” أن الاجتماع تناول المواضيع العامة، والعناوين العريضة، ولكن ستتبعه جلسات واجتماعات دورية أسبوعية لتوحيد صفوف المعارضة حول الملفات كافة خصوصاً في ما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية، وقريباً ستعقد طاولة نقاش موسعة يكون الطبق الأساس عليها الملف الرئاسي على أمل توحيد الكلمة في هذا الاطار.

وعن المعلومات التي تحدثت عن مقاطعة نواب صيدا لهذا الاجتماع، أوضح أحد النواب لموقع “لبنان الكبير” أن غيابهم ليس له أي بعد أو خلفيات سياسية انما جاء كغيرهم من النواب الذين لم يحضروا، مشيراً الى “أننا نحاول جميعاً قدر المستطاع ايجاد أرضية مشتركة في ما بيننا وصولاً الى خوض الاستحقاق الرئاسي على أمل ان نصل الى صيغة تكون شاملة وجامعة”.

وأكد عدد من نواب المعارضة ينتمون الى مختلف الكتل أن التواصل مستمر مع كل الأفرقاء غير الراضين عن أداء الطبقة السياسية، وأن القنوات مفتوحة مع الجميع وعلى قدم وساق لمقاربة الاستحقاق الرئاسي بصورة موحدة، اذ لا يمكن لأي فريق وحده أن يحقق تغييراً في انتخابات تعتبر مفصلية في تاريخ البلد خصوصاً أن البرلمان مؤلف من 61 نائباً من الموالاة و67 نائباً من الأحزاب المعارضة والتغييريين والمستقلين.

وفي قراءة لخوض قوى المعارضة الاستحقاق الرئاسي، رأى أحد المحللين السياسيين أن القوى السيادية أو التغييرية أمام تحدّ للوصول الى نوع من مخرج لتحقيق أهدافها من الانتخابات الرئاسية، ما يعني أن على المعارضة أن تكون لديها خطة لخوض معركة الرئاسة وكيفية التعامل مع هذا الاستحقاق، والنقاش حول المرشحين المحتملين والمطروحين، واذا لم تنجح في التوافق على مرشح، أن تتفق في ما بينها بالحد الأدنى على المواصفات إذ لا يجوز أن تفسح المجال للفريق الآخر كي يوصل مرشحه. صحيح أن قوى المعارضة لم تحقق حتى الآن نجاحاً في هذا الشأن، لكن يبقى هناك متسع من الوقت للوصول الى اتفاق، اذ أنه كلما اقتربنا أكثر من الاستحقاق الرئاسي، تصبح فرص التوافق أكبر وأكثر وضوحاً. وفي حال استمر عدم اللامبالاة أو غياب الخطة السياسية لخوض استحقاق بأهمية انتخاب رئيس للجمهورية، فيجب حينها أن يحصل ضغط سياسي وشعبي في هذا الاتجاه أي حث قوى المعارضة على التوافق على اسم شخصية واحدة. ويجب أن يعلم هؤلاء النواب أنهم مطالبون بأن يكونوا أوفياء للشعب الذي انتخبهم، ولا يمكن التعامل مع الاستحقاق الرئاسي بمراهقة سياسية. هناك مبادئ مشتركة بينهم، لكن لا بد من آلية سياسية جامعة يجب أن تتبع. إذاً، هناك عدة مستويات للمعركة الرئاسية بحيث أنه أولاً، لا بد من التشديد على ضرورة التوافق على مرشح. وثانياً، اذا لم يتم هذا التوافق فعليهم وضع خطة سياسية للسير بها تمنع الطرف الآخر من ايصال مرشحه. وفي الخلاصة، اذا جرت الرياح بما لا تشتهيه سفن الناس الذين قالوا كلمتهم في صناديق الاقتراع، فلا بد للشارع من أن تكون له كلمة لحث قوى المعارضة على التوافق على اسم معين لأن هذا الاستحقاق يجب أن يكون مفتاح حل للأزمة وليس تعميقها.

اتفاق الترسيم استراتيجياً حصل والخلاف على التفاصيل

أما في ما يتعلق بالترسيم البحري، فأشارت وسائل إعلام إسرائيلية الى أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين موجود حالياً في إسرائيل، بحيث اعتبر أحد المتابعين للملف أن المنطق يقول انه سيزور بيروت بعد تل أبيب خصوصاً أن كان هناك تطوراً مهماً أو جواباً ايجابياً من الجانب الاسرائيلي، لكن لا أحد يمكنه أن يجزم في هذا الموضوع. وهنا لا بد من الاشارة الى أن احتمال تأخير توقيع الاتفاق أو النقاشات وارد بسبب الأوضاع والمستجدات في اسرائيل لناحية الضربة على غزة أو لناحية الانتخابات الاسرائيلية الداخلية، لكن الاحتمال الأكبر أن يكون تأثير هذه التطورات محدوداً على ملف الترسيم الحدودي البحري. والسؤال هنا: اذا تم التأجيل أو التأخير في هذا الموضوع، هل سيذهب الوضع الى التفجير؟ أبداً. هذا الخيار مستبعد جداً، و”حزب الله” لن يغامر بأي خطوة عسكرية واسرائيل لن تستدرجه الى المواجهة. الطرفان لا مصلحة لهما بالمواجهة، كما أن الظروف الاقليمية والدولية والمعطيات، على الرغم مما يحصل في غزة، تدل على أن ليست هناك أي فرصة للتفجير انما الفرصة للاستعراضات والتهديد، وليس أكثر من ذلك. ومن يدري ربما خلال أيام مقبلة تحصل مفاجأة ايجابية على هذا الصعيد خصوصاً أنه يمكن القول ان الاتفاق استراتيجياً قد حصل والخلاف على التفاصيل وبعض التكتيكات. عملياً لبنان تنازل عن حقه في الخط 29 واسرائيل شرعياً لديها الحق في الانتاج من حقل “كاريش” ولو لم يكن “حزب الله” موافقاً على هذا التنازل لما كان حصل. حجم النقاط العالقة والتفصيلية ليس الى الحد الذي يفجر الاتفاق لأنه عندما اتفقوا على الصيغة القائمة اليوم تحققت مطالب اسرائيل في ما يتعلق بالترسيم ما يعني أن هناك صفقة تمت والا كان من المفترض ألا يوافق لبنان على التفاوض على الخط 23 انما على الخط 29.

شارك المقال