شعبوية نصر الله في عاشوراء… تصعيد نووي؟

لبنان الكبير

صحيح أن المؤسسات الرسمية أقفلت في يوم عاشوراء أمس، وشهدت الحركة السياسية شللاً شبه كامل، لكن هذا الشلل ليس ليوم واحد وبسبب العطلة الرسمية انما أصبح نمط حياة على مدى الأسابيع والأشهر الأخيرة مع انهيار كل أمل بتشكيل حكومة في ظل القطيعة التامة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وما يرافق ذلك من تداعيات سلبية على البلاد والعباد، وعلى الملفات المصيرية والاصلاحية وسط توقعات باستمرار الانحدار والتعطيل حتى نهاية العهد الحالي.

وبعدما انحسرت المخاوف من امتداد شرارة المواجهة من غزة الى لبنان الذي ينتظر وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الموجود في تل أبيب لمعرفة ما يحمله من رد اسرائيلي على الطرح اللبناني الأخير، وما اذا كانت أجواء الترسيم لا تزال صافية أو أنها تلبدت بعرقلة أو تأجيل من الجانب الاسرائيلي، كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله يتوعد خلال إطلالته في ختام المسيرة العاشورائية المركزية في الضاحية الجنوبية لبيروت بـ “منع أي يد من أن تمتد إلى ثروات لبنان الطبيعية كما عملنا على قطع أي يد حاولت أن تمتد إلى أرضه وقراه ومدنه”، مؤكداً “أننا ننتظر في الأيام المقبلة ما ستأتي به الأجوبة على طلبات الدولة اللبنانية. يجب أن نكون جاهزين لكل الاحتمالات، ونحن في هذا الملف جادون لأقصى درجات الجدية”.

وفي هذا الاطار، اعتبر بعض السياسيين أن خطاب نصر الله بكل تفاصيله خطاب شعبوي، يتوجه الى جمهور وكأنه يتململ من كثرة الكلام وقلة الفعل خصوصاً منذ سنة 2006 الى اليوم، وهذا أصبح نهجاً متبعاً لدى الحزب الذي تحول الى ظاهرة صوتية، ولا يتحرك الا بإيعاز ايراني. وعندما يقول نحن أي بصفة الجمع يعني أنه هو قائد لبنان ويقرر مصيره، وهو من يعلن الحرب والسلم وهو من يفاوض. خطاب نصر الله كان أقل أهمية بمضمونه من الخطر الداهم الذي يحدق بلبنان، ويأتي في سياق الخطاب المتراجع لجهة الاقناع والمنطق بحيث بدا خطاب واجب، وفي أعلى درجات الارتباك، ولا يمكن أن يطمئن الداخل ولا أن يخيف الخارج. السيد نصر الله يتصرف وكأنه السلطة فوق السلطة، ووجه رسالة سلبية الى رئيس الجمهورية الذي بشرنا بأن ملف الترسيم في طريقه الى الخاتمة السعيدة. فلتخبرنا الدولة أو السلطة التي تفاوض الوسيط الأميركي بأنها كلفت السيد نصر الله في الدفاع عن لبنان وثرواته. انه استقواء واحتلال معلن للبلد.

أما أحد الخبراء الاستراتيجيين فرأى أن “حزب الله” في واد والدولة اللبنانية في واد آخر، والمجتمع الدولي في مكان وايران في مكان آخر. كلام نصرالله يأتي في الوقت الذي تجري فيه المحاولة الأخيرة للتوفيق بين الموقفين الأميركي والايراني في فيينا حيث يجري التداول بورقة حضرها الوفد الأوروبي من أجل تخطي العقبات القائمة لعودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي. من الطبيعي أن يمارس الحزب وكل أدوات ايران في المنطقة نوعاً من الضغوط من أجل دعم الموقف الايراني. أما لناحية الداخل، فإن الحزب يخشى اليوم من التحركات السياسية في البلد قبل الاستحقاق الرئاسي، وهو يشعر أن قرار ايصال الشخصية التي يريدها الى سدة الرئاسة قد يفلت من يده، وأن الأجواء لم تعد كما كانت عندما استطاع ايصال الرئيس الحالي ميشال عون الى القصر الجمهوري. لذلك، يتخذ من موضوع ترسيم الحدود بأهميته الاستراتيجية والوطنية صندوق بريد لتصعيد مواقفه التي تستهدف الداخل وليس اسرائيل أو أميركا. وبدل أن يسهّل الحزب عملية تبادل الأفكار ودعم الجهود التي يبذلها الوسيط الأميركي، يريد تسخين الأجواء وتهديد الأطراف اللبنانية وتحديداً حلفاؤه الذين يشرفون على عملية التفاوض. وبالتالي، خلق مثل هذه القضايا يمكن توظيفها باتجاه مساعدة ايران في مفاوضاتها من خلال التصعيد الذي يعتبر ضغطاً غير مباشر على الولايات المتحدة واسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية لتوجيه رسالة الى الأفرقاء في الداخل الذين يبحثون عن أرضية مشتركة لخوض الاستحقاق الرئاسي بموقف موحد، وإبعادهم عن أهدافهم والايحاء بأن هناك قضايا أهم يجب التركيز عليها.

في حين أن مصادر “الثنائي الشيعي” تقول انه في سبعينيات القرن الماضي بُحّ صوتُ الامام موسى الصدر وهو يطالب الدولة بإرسال الجيش الى الجنوب لحمايته من أطماع اسرائيل، وعندما تقاعست، اضطر الى اطلاق المقاومة لأن الدفاع عن الأرض والشرف والأرواح ليس بحاجة الى اذن من أحد انما هي مسؤولية انسانية ودينية وأخلاقية. ومن يقول اليوم بأن الدولة هي المسؤولة عن تحصيل حقوق لبنان في بحره، نسأله: هل الدولة قادرة على تأمين رغيف الخبز والدّواء والكهرباء للمواطنين حتّى تستطيع مقارعة العدو الاسرائيلي؟ أين هي الدولة لكي نطالبها بالقيام بوظيفتها؟ قبل أن نطلب من المقاومة تسليم سلاحها، فلنبنِ دولة قوية وجيشاً قادراً وحتى ذلك الحين يبقى هذا الكلام اللبناني الداخلي مجرد مزايدات لا طعم لها ولا تخدم مصلحة لبنان العليا، لأنّ اسرائيل اليوم كما هوكشتاين ينظران الى أمرين في لبنان: وحدة الموقف الرسمي وقوة المقاومة. مع التأكيد أن بناء الدولة مطلب جميع الحريصين على لبنان، والى حين انشائها لا يمكن القبول بالاعتداء الاسرائيلي على أرضنا ومياهنا وسمائنا. لا أحد يريد الحرب لكن عندما تفرض فرضاً تصبح أمراً واقعاً كما حصل في غزة. وفي لبنان المعادلة واضحة: من خلال وحدة الموقف اللبناني وقوة المقاومة، أوصل اللبنانيون رسالة الى الاسرائيليين مفادها اما أن ننتج الغاز سوياً أو لا غاز. وفي حال لمسنا أي مراوغة من الجانب الاسرائيلي، واستكمال الاستخراج من دون التوصل الى اتفاق مع الجانب اللبناني، فإن خيار الحرب سيصبح أمراً واقعياً مع العلم أن المؤشرات تدل على أننا متجهون الى التأجيل في ملف الترسيم لأن خيار الحل يبدو مستبعداً، ولا أحد يريد حرباً. ومن يعتبر أن تهديد السيد نصر الله مجرد كلام اعلامي، يكون واهماً ومخطئاً، فلننتظر أسبوعاً أو أسبوعين ونرى الرد الاسرائيلي الذي سيحمله هوكشتاين، وعندها تتضح الأمور.

عتمة شاملة

أما على الجبهة المعيشية، فحدث ولا حرج عن حياة على ايقاع اللهيب والسمسرات والسرقات والغلاء الفاحش وصولاً الى التهديد بين فترة وأخرى بالعتمة الشاملة لتكتمل يوميات اللبنانيين في جهنم، بحيث كشفت مصادر في وزارة الطاقة أن مخزون الفيول العراقي يقترب من النفاد، في نهاية شهر آب الحالي، وقد ندخل في العتمة الشاملة اذ أن لا جواب واضحاً حتى اللحظة من الدولة العراقية حول تجديد الاتفاق.

شارك المقال