عون يريد “عقاباً”… رئاسة بنكهة أنثوية… وجدل “العمالة” يتجدد

لبنان الكبير

لم يسجل اليوم السياسي بعد العاشورائي أمس أي جديد يعوّل عليه أو أي حركة اصلاحية يمكن أن تمد اللبنانيين بجرعة أوكسيجين ليقتصر المشهد على بعض المواقف التي لا تقدم ولا تؤخر، وعلى مناقشة بعض الملفات مثل النزوح السوري وأزمة الكهرباء وترسيم الحدود البحرية مع تسجيل حركة اتصالات واسعة بين الكتل النيابية بعيدة عن الاعلام، للتشاور في الاستحقاق الرئاسي المقبل اذ تتوقع جهات عدة، شغوراً رئاسياً أقله على مدى أشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الذي استفاق متأخراً أي بعد ست سنوات الا شهرين على وعوده بانجاز الاصلاحات، وباستمرار المعركة ضد الفساد لأن “ثمة مجموعة نهبت هذا الوطن وأفقرت شعبه، ومن غير الجائز تركها من دون محاسبة وعقاب، خصوصاً وأن أركان هذه المجموعة يحمون بعضهم البعض ويعرقلون في الوقت نفسه كل عملية اصلاحية”.

وبعيداً عن القراءات السياسية لمواقف الرئيس عون، والتي قيل فيها الكثير، لا بد من اضفاء لمسة أنثوية على الاستحقاق الرئاسي خصوصاً أن عدداً من النساء يدرسن خيار ترشحهن، منهن مقيمات في لبنان، ومنهن يعملن في الخارج لكن الجرأة والشجاعة وحب الوطن تجمع بينهن، إذ بعد عقود من الزمن نجحت المرأة في اثبات وجودها في مختلف الميادين حتى في العمل السياسي، في مجتمع ذكوري بامتياز على الرغم من أن كثيرين يعتبرون أن المرأة التي لم تتمكن من فرض كوتا نسائية في البرلمان على مدى سنوات، لا يمكنها أن تقفز قفزة واحدة نحو لقب صاحبة الفخامة خصوصاً في ظل الظروف الحساسة والدقيقة والمصيرية بالنسبة الى البلد والتي تتطلب شخصية استثنائية لمرحلة استثنائية. إلا أن نساء عدة يسألن: هل الرجال الذين وصلوا الى مراكز المسؤولية يفتخرون بحال البلد اليوم؟ هل كانوا على قدر المسؤولية؟ وصلنا الى هذا الدمار والانحدار والانحطاط على أيادي الرجال. مهما كانت المرأة غير قادرة، فإنها بلا شك ستكون أكثر قدرة من الكثير من الرجال الذين وصلوا الى القصر الجمهوري، وما نعيشه في ظل العهد الحالي، خير دليل. البلد بحاجة الى حضور نسائي في أعلى مراكز القرار لأن المرأة أقل تصلباً وتطرفاً، وربما تكون الحل للتشنجات على الساحة السياسية خصوصاً اذا توافرت فيها شروط الخبرة والجرأة والجدارة والتموضع السياسي المفيد، لكنها ستصطدم بالكثير من المعوقات لأن المنافسة شرسة بين رجال لا يأخذون وصول صاحبة الفخامة الى القصر الجمهوري على محمل الجد. وإذا كان البعض يرى أن وصول المرأة الى سدة الرئاسة ليس بالأمر المستحيل أو بالحلم الذي لا يتحقق إلا أن الجميع، نساء ورجالاً، يؤكدون أن المرحلة استثنائية، والبلد لا يحتمل مغامرة التجربة بغض النظر ان كانت امرأة في الحكم أو رجل. وفي النهاية، تبقى الجدارة المعيار الأساس، ولا علاقة للجندر بالفشل أو النجاح، لكن التعقيدات الكثيرة في البلد ستساوي بين الرجل والمرأة بعدم الوصول الى القصر الجمهوري، وسيكون الفراغ صاحب الفخامة من الطراز الرفيع.

من يقود الحرب لا يمكنه أن يقود السلام

على صعيد آخر، أشعل تصريح المطران حنا رحمة خلال حديث تلفزيوني، مواقع التواصل الاجتماعي، فشنّ مناصرو “حزب الله” مع بعض النشطاء في “التيار الوطني الحر” حملة ضده على خلفية قوله ان “هناك باصات تابعة لحزب ايران اللبناني تتجول بين لبنان واسرائيل، وليكفّوا عن اتهامنا”، بحيث أسف مصدر روحي في حديث لموقع “لبنان الكبير” لهذا الانحدار في مستوى التخاطب بين الأخوة في الوطن وصولاً الى اتهامات بالعمالة واستخدام عبارات لا تليق برجل دين أو بمطران. ان اقتطاع جزء من مقابلة مدتها أكثر من 35 دقيقة للاضاءة على جملة معينة أتت في سياق الحديث ليس بريئاً، اذ لا يجوز القيام بمثل هذه الحملة من دون سماع المضمون كاملاً الذي تمحور حول الأوضاع المعيشية والناس التي تموت جوعاً ومرضاً في منازلها والدولة غائبة ولا يهمها سوى تحقيق المصالح والمكاسب. كما كانت دعوة المطران رحمة الى التلاقي والتحاور بين أبناء البلد، لكن المغرضين يستمرون في حملتهم ضد البطريركية المارونية وضد الكنيسة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن بعض الناس لا يؤيد حديث الكنيسة ومواقفها، وهذا خياره، لكن البعض الآخر يعتبر أن البلد بلده، ولا يحق لأحد سواه التعبير عن رأيه أو مخالفته في المواقف. المطران رحمة تحدث بلسان بعض السكان في المناطق الحدودية الذين كانوا يخبرون عن “جيبات” تدخل الى أراضي فلسطين المحتلة ثم تعود مساء الى الداخل اللبناني. والاتهام هنا ليس لـ “حزب الله” أو لغيره، ولا يمكن أن ندخل في التحقيقات في هذا الاطار، لكن في الوقت نفسه لن نسمح باتهامنا بالعمالة لأنها اتهامات باطلة. ثم من أعطى الحق لهذا الفريق دون سواه بتوجيه الاتهامات الى الطرف الآخر الذي لا يحق له الرد بالمثل؟ لماذا تصنيف الناس بين من هم بسمنة ومن هم بزيت؟ بمعنى أوضح، لماذا هناك فريق لديه كامل الحق في الاتهامات، وغيره محرم عليه هذا الأمر؟ ثم من هو العميل بنظرهم؟ أليس من يزوّد العدو بمعلومات وأخبار ومنشورات أي يعمل لمصلحته؟ أليس من يتقاضى الأموال مقابل خدمات أمنية وعسكرية ومخابراتية؟ أين الكنيسة ورجال الدين من هذه الأمور؟ البطريرك الماروني الذي ينادي بالحياد الايجابي والابتعاد عن المحاور لبناء وطن يليق بأهله يكون طائفياً؟ هل هذا كلام عملاء؟ اننا نعيش في عصر اللامنطق، وفي هيستيريا غريبة عجيبة. الكنيسة تحاول تأمين الدواء لمريض على فراش الموت وتعمل من منطلق انساني بحت لأن عمل الرحمة أهم من العدالة. كل ما نقوم به هو الاهتمام برعيتنا. هل اذا أمنّا الدواء لمريض على فراش الموت، نتحول الى عملاء؟ العمالة أن نترك المريض يموت من دون دواء. لا أحد يزايد علينا في الوطنية، فإن كانوا يعتبرون اسرائيل عدواً، فنحن أيضا نعتبرها كذلك، لكن ليس لديهم الحق بتوجيه الاتهامات عشوائياً الى طرف مشهود له بالانتماء الوطني عبر التاريخ وبتأسيس الكيان اللبناني. ننادي اليوم بوقف الاتهامات، والجلوس سوياً لانقاذ لبنان انطلاقاً من المفاهيم الوطنية، والتخلي عن سياسة التكاذب والنفاق والتخويف لنبني وطناً حقيقياً، مداميكه الأساسية الصدق والصراحة لأنه لا يجوز الاستمرار في التراشق من خلف الحيطان ومن داخل المتاريس. اما أن نبني وطناً حقيقياً أو على الدنيا السلام. والتاريخ شاهد على أن ما من طرف أو جهة أو طائفة يمكنها أن تتفرد بحكم البلد وحدها. واذا كان المسؤولون من مختلف الأطياف والطوائف لديهم ذرة ضمير، فليعملوا بسرعة قياسية لانتشال البلد من مأزقه بدل التلهي بحملات مسعورة لا تمت الى الواقع بصلة. وفي الخلاصة، اذا كان للباطل جولة فللحق ألف جولة، وسنبقى متمسكين بقول الحقيقة والحق، هذا تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا مهما ساد الباطل وحورب الحق. من يقود الحرب لا يمكنه أن يقود السلام.

شارك المقال