متى سيستخدم “حزب الله” مسيّراته السياسية لضبط حلفائه؟

لبنان الكبير

من يراقب المشهد اللبناني يستدرك سريعاً أنه كبرميل زيت يغلي على نار قوية وأي حركة غير مدروسة يمكن أن تقلبه، فيتسبب بحروق بالغة تطال الجميع. وما حصل في الحمراء أول من أمس يؤكد أن الأمن الاجتماعي بات في دائرة خطر الغليان، والسلطة متقاعسة عن القيام بأبسط خطوة للتبريد، لا بل على العكس تصب زيت حقدها وفسادها على النار ليزيد اللهيب أكثر، والأنكى من كل ذلك أنها لا تزال تضحك على عقول الناس وتعدهم بالاصلاح وبمحاربة الفساد غير مدركة أن الشعب بات قاب قوسين من الموت فقراً وعوزاً وقهراً وجوعاً، وهي تسأله من كوكبها الخاص: لماذا لا تأكل البسكويت والحلويات اللذيذة؟

وانطلاقاً من هذا الواقع الصعب، لا تتردد مصادر أمنية في الكشف عن أن خطر انتكاسة أو خضة أمنية وارد في كل لحظة على الرغم من أن المؤشرات حتى الساعة تدل على أن الامن ممسوك جيداً، لكن ليس مستبعداً تكرار سيناريو المصرف في الحمراء بأشكال أخرى ربما تكون تداعياتها أكبر بكثير خصوصاً وأن الناس أظهروا تضامنهم مع الحادثة لأنهم يعانون من المشكلات نفسها، وهذا مصدر قلق لا يمكن اسقاطه من الحسبان، بمعنى أن التخوف اليوم من تحركات متزامنة في مختلف المناطق لا يمكن احتواؤها كما لا يمكن توقع مدى تطورها وصولاً الى فوضى أمنية عارمة.

واذا كانت الأمور في الداخل تسير على قاعدة “كل يوم بيومه وبكرا الله بيفرجها” حتى نهاية العهد الحالي، يتخوف اللبنانيون من نشوب حرب مع اسرائيل في ظل تهديدات “حزب الله” ان كان عبر المسيّرات أو عبر التصريحات التصعيدية، وآخرها ما أبلغه وفد “حزب الله” لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط خلال زيارته كليمنصو امس، بأن “الاسرائيلي إذا تمادى وتخلت الدولة عن دورها فلن نبقى مكتوفي الأيدي”، وسط معلومات عن اتصالات دولية تجري على هذا الصعيد لمنع تفلت الأمور. إلا أن مصدراً مطلعاً أكد لـ “لبنان الكبير” أن التهديد بالتصعيد والحرب ليس سوى هرطقة لا تمت الى الواقع بصلة. انه أسلوب مسرحي يتبعه الحزب منذ سنوات عدة، وعندما أعلنت القدس عاصمة لاسرائيل كان يدعي أنه يمثل الأمة الاسلامية، لكنه لا ينفذ الا الأجندة الايرانية. كل ما يقوله عن أنه يريد حماية لبنان ومصالح الدولة ليس صحيحاً انما يأتي في اطار حملة شعبوية، والوقائع تثبت ذلك. وما يدعو الى الاستغراب أنه يتصرف كأنه من قوى المعارضة فيما هو في صميم الدولة، ويملك كل القدرة على تغيير المعادلة المحلية. وهنا نسأل: طالما أن الحزب لديه القدرة الصاروخية، فلماذا لا يقصف المنصات الاسرائيلية وهو العارف أن حليفه تنازل عن حقوق لبنان أي عن الخط 29؟ أليس هذا التنازل بمباركة منه؟

على صعيد آخر، وفيما تتدهور الأحوال على المستويات كافة من سيء الى أسوأ، يستمر السياسيون في سياسة الترقيع والتعامل مع الوضع الراهن على القطعة، فيتلاقون ويبتعدون ويختلفون ويتفقون ويتحاورون ويتصادمون بأعصاب باردة وكأن “الدنيا بألف خير”، إذ يدعو الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله الى “تشكيل حكومة حقيقية كاملة الصلاحيات”، في حين يزور وفد من الحزب كليمنصو عله يعبد الطريق أمام محاولة إيصال رئيس جديد من 8 آذار إلى بعبدا. وأكدت المعلومات أنّ جنبلاط أعرب عن رفضه انتخاب رئيس جمهورية ينتمي إلى فريق الثامن من آذار أو أي رئيس يشكل تحدّياً لهذا الفريق أو ذاك.

وفي هذا الاطار، لفت أحد النواب السابقين الى أنه بغض النظر عما اذا كان هناك أي تموضع جديد لجنبلاط، فالمشكلة هي عند “حزب الله” القادر على التعطيل والذي سيلجأ اليه اذا لم يتمكن من ايصال أحد حلفائه الى سدة الرئاسة. وبالتالي، فان حديثه عن انتخابات ديموقراطية واحترام الاستحقاقات الدستورية وضرورة اجرائها في موعدها، وعدم السماح بالفراغ لا يمكن أخذه على محمل الجد أو بنوايا حسنة لأن الأفعال عكس الأقوال، والحزب غير مستعجل لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بانتظار التطورات الاقليمية، كما أنه لم يحسم خياره بعد بتبني أي شخصية خصوصاً وأن هناك صعوبة في إقناع حليفيه النائب جبران باسيل ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بانسحاب أحدهما للآخر.

وعن دعوة نصر الله الى “تشكيل حكومة حقيقية كاملة الصلاحيات خصوصاً أن هناك من يبشر ويهدد بفراغ رئاسي”، رحبت مصادر رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بهذه الدعوة على اعتبار أن تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات أفضل بكثير من حكومة تصريف أعمال، والرئيس ميقاتي يشجع الجهود من أجل تشكيل الحكومة لكن الأمر ليس منوطاً به وحده، كما أن لديه ثوابت لها صفة وطنية وليست فئوية، ويعتبر أن الأنسب أن تكون هناك صيغة متوازنة يمكن أن تأخذ الثقة من مجلس النواب. ليست هناك معطيات ان كان “حزب الله” يقوم بوساطة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، لكن حصلت سابقاً بعض المحاولات الخجولة من بعض الشخصيات إلا أن لا خرق لجدار المراوحة حتى اللحظة. مع التأكيد أن ميقاتي لن يتنازل عما يعتبره الأنسب، أي صيغة وطنية متوازنة يمكن أن تأخذ الثقة من مجلس النواب.

وأشار أحد السياسيين الى أن “حزب الله” متهم باستمرار بأنه يعرقل الاستحقاقات الدستورية، ويريد أن يرفع هذه التهمة عنه، لكن كل ما يقال على هذا الصعيد من تشكيل حكومة وانتخابات رئاسية يصب في اطار التكهنات، لأن المنطقة تشهد متغيرات كبيرة وبسرعة ولا سيما أن السياسة على الساحة اللبنانية مستوردة من الخارج وهي التي تتحكم باللعبة الداخلية. “حزب الله” يريد من خلال الدعوة الى التأليف وعدم السماح بالفراغ في المؤسسات الدستورية أن يحافظ على مكتسباته من خلال ايصال من يريد لترؤس هذه المؤسسات. اذاً، هو يريد استمرار الدولة لكن لا يريدها قوية كي يبقى متمكناً ومتلطياً خلفها. ففي موضوع الترسيم كان يقف الحزب خلف الدولة التي تنازلت عن الخط 29، وبعد التنازل وقف أمام الدولة من خلال مواقفه التصعيدية ومسيّراته. وذلك يعني أنه لا يريد أن يتحمل وزر التنازل بل على العكس يسعى الى صناعة نصر وهمي، وهو يتبع تكتيكاً لصناعة هذا النصر. وبالتالي، هو يحتاج الى دولة يقف خلفها اذا لجأ الى الحرب أما اذا حصل الترسيم، فيكون هو وراء ذلك. بمعنى أنه بحاجة الى حكومة ليقف خلفها، وليس تعزيزاً لحضور الدولة في البلد. وهو يدرك تمام الادراك أن حلفاءه هم الذين يعطلون التشكيل وليس أي طرف آخر، فإذا كان فعلياً يريد حكومة كاملة الصلاحيات، فليضغط عليهم وفي مقدمهم رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، وتتشكل الحكومة، لكن التصاريح في مكان والنوايا في مكان آخر. ان الدعوة الى التأليف شعبوية أولاً وأخيراً لأن لا مصلحة له في قيام دولة حقيقية، فهو يضرب عصفورين بحجر واحد من خلال توجهه الى الجمهور الآخر، واقناعه بأنه ليس مسيطراً على الدولة وغير قادر على المونة على الحلفاء لتفادي الفراغ على مستوى المؤسسات الدستورية، وفي الوقت نفسه يبرر عدم مسؤوليته عن الأزمة واستمرارها أمام جمهوره، وأن الأطراف الأخرى هي المسؤولة. يريد اقناع الخصم قبل الحليف بأنه يحاول القيام بكل ما أمكن لانقاذ البلد، لكن لا أحد يلاقينا الى منتصف الطريق. وهنا لا بد من الاشارة الى أنه لو كان يخاف على البلد من الفراغ لما كان جرّه اليه حوالي سنتين ونصف السنة لانتخاب الرئيس عون، ولما كان حاصر السراي الحكومي على مدى سنتين وعطّل المجلس النيابي. ألم يكن حينها حريصاً على الفراغ، واليوم نزل عليه وحي الحرص؟ الأحزاب سلوك وطبائع كما عامة الناس.

شارك المقال