الدعاء للسيدة: خلصينا من العهد

لبنان الكبير

اليوم ١٥ آب عيد انتقال السيدة العذراء بالنفس والجسد الى السماء بحيث تعطل المؤسسات والادارات في البلد، لكن هذا اليوم يمر كسائر الأيام على مدى ست سنوات خلال العهد الحالي الذي لم نشهد فيه سوى التعطيل تلو التعطيل، والانهيار تلو الانهيار، والأزمات تلو الأزمات حتى أنه لم يعد أمام الشعب الذي اختارت له السلطة أن يعيش قسراً في جهنم، سوى الصلاة والدعاء، ليل نهار، لتنتهي ولاية الرئيس ميشال عون بسرعة قياسية وبرفة عين على أمل أن ينتقل الوطن المجروح والشعب المذبوح الى مرحلة سماوية مضيئة ومشرقة تنسيه عذاباته الجهنمية.

اذاً، تمر الأسابيع والأشهر والأيام على إيقاع التعطيل في المؤسسات الدستورية وغير الدستورية، لكن المسؤولين يتمتعون بموهبة وحيدة خارقة تتمثل في الضحك على عقول الناس، فيعقدون المؤتمرات الصحافية ويكثفون من اطلالاتهم الاعلامية، ليبرهنوا للقاصي والداني أن الحياة وردية وأن العلة في الشعب المتشائم والمتطلب والذي لا يعجبه العجب، وما عليه سوى التأقلم على الحياة بلا حكومة منتجة، وبلا إدارات عامة فاعلة، وبلا رئيس جمهورية يدير البلد بحكمة ونزاهة. والكذبة الأكبر تظهر للعلن من خلال ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، إذ أن المعنيين تحدثوا في الأسبوعين الماضيين عن ايجابية مفرطة في الوصول الى حل قريب حتى أنه جرى التداول في امكان عقد لقاءات غير مباشرة في الناقورة للتوافق على تفاصيل صغيرة قبل التوقيع على الاتفاق الذي تتم صياغة بنوده، لكن المشهد أصبح اليوم على الشكل التالي: غموض ومراوغة من الجانب الاسرائيلي، ايجابية حذرة أو ميل الى التشاؤم، الحديث عن تأجيل توقيع الاتفاق الحدودي النهائي مقابل الاتفاق على نوع من هدنة تقضي بالسماح لاسرائيل بالاستخراج وللبنان بالاستكشاف، لا معلومات عن زيارة قريبة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت بعدما أكد الذين التقوا به خلال زيارته الأخيرة أنه سيعود في فترة قصيرة، معطيات متضاربة عن أن اسرائيل لم تقبل بكامل الاقتراحات اللبنانية أي حقل قانا كاملاً والخط ٢٣ مستقيماً مع كامل البلوكات المتواجدة ضمنه، وفق أحد المتابعين للملف، الذي سأل عبر موقع “لبنان الكبير”: بعد كل الصفقات والأكاذيب المحيطة بملف الترسيم، هل يجوز أن نصدق ما يقولون؟ يضحكون علينا في عز النهار، ويستغبوننا، لكن لا بد للحقيقة أن تنجلي، وغداً لناظره قريب، وأيلول الذي اعتبروه محطة مهمة نحو التوقيع أصبح على الأبواب، فلننتظر ونرى الانجازات التي يحاول العهد وفريقه السياسي تمريرها قبل مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا. والأنكى من كل ذلك، أنهم يستمرون في نكران المعلومات التشاؤمية التي سادت في الأيام القليلة الماضية على اعتبار أنها تحليلات صحافية، وأنهم ينتظرون زيارة هوكشتاين لمعرفة الرد الاسرائيلي الحقيقي.

اما على ضفة الاستحقاق الرئاسي، فلا يبدو الأفق أكثر وضوحاً وانفراجاً خصوصاً أن عدداً كبيراً من السياسيين والمحللين يستبعد اجراءه في موعده لأسباب داخلية ولاعتبارات خارجية في ظل التطورات المتسارعة اقليمياً ودولياً، لكن مختلف القوى على الساحة السياسية بدأت بتكثيف حركتها في هذا الاطار، إذ كشف مصدر معني لـ “لبنان الكبير” أن الاتصالات بين المعنيين تكثفت بصورة ملفتة في الأيام الماضية، ومرشحة لارتفاع وتيرتها على بعد أسبوعين من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية. وما الحركة التي يشهدها المقر البطريركي الصيفي في الديمان انطلاقاً من دوره المؤثر في هذا الاستحقاق سوى دليل على ذلك. وأكدت مصادر كنسية لـ “لبنان الكبير” أن الصرح البطريركي مفتوح أمام كل الزوار، هكذا كان على مر التاريخ وهكذا سيستمر، لكن في الوقت نفسه لن يتدخل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في لعبة الأسماء، ولن يختار شخصية معينة لطرحها على الأفرقاء السياسيين مع العلم أنه حدد خلال أكثر من لقاء وأكثر من عظة الصفات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس المقبل لانتشال البلد من أزماته، وهو لا يزال مصراً على هذه الصفات، ومن له أذنان فليسمع لاسيما وأن الخطر داهم على الكيان، وعلى لبنان الكبير أرضاً وشعباً ومؤسسات وهوية.

وفي انتظار تبلور صورة الانتخابات الرئاسية شيئاً فشيئاً وسط تغير وتبدل في الأسماء التي تطرح خصوصاً أن ما من جهة سياسية حسمت خيارها بعد، لفت مصدر مواكب الى أن أطراف المعارضة تتواصل بصورة يومية، وتعقد لقاءات للتنسيق في الاستحقاق الرئاسي بعيداً عن الاعلام، وآخرها جرى أمس، والكل لديه النية في خوض الاستحقاق بطريقة أفضل من الاستحقاقات السابقة لاسيما أنه الأهم، وباتت لديه قناعة بأنه اذا لم تتوحد المعارضة، فلن يكون لأكثرية ٦٨ نائباً أي تأثير في الحياة السياسية. وبالتالي، فإن هذه القوى أمام اختبار حقيقي إن كانت بكامل مكوناتها معارضة فعلية للسلطة، والتي على هذا الأساس انتخبها الناس، ما يعني أن عليها مسؤولية تجاه ناخبيها مع التأكيد أن القاسم المشترك بينها هو أنها ضد سياسة السلطة وممارسات “حزب الله”. اذاً، وضع الشعب ثقته بنواب القوى السيادية والتغييرية في تغيير المنظومة الحاكمة، واليوم على هؤلاء أن يترجموا توجهات من انتخبهم في صندوق انتخاب رئيس الجمهورية في المجلس النيابي. وهنا لا بد من الاشارة الى أن غالبية الجهات في قوى المعارضة، على الرغم من بعض الاخفاقات والتصاريح التي لم تكن موفقة سابقاً، تسير نحو خوض معركة الرئاسة في جبهة موحدة لأنه بكل بساطة ليس هناك من خيار آخر.

وفي هذا الاطار، يستعدّ لقاء الـ16 نائباً الذي انعقد الأسبوع الماضي لعقد لقاء ثان غداً الثلاثاء، وأشار أحد النواب المعارضين لـ “لبنان الكبير” الى أن التواصل جار لمشاركة الجميع في هذا اللقاء، وإذا لم تشارك كل الأطراف فيه، فالأكيد أننا سنشهد اجتماعاً أكثر شمولية في الأيام المقبلة، والمختارة ليست بعيدة عن كل ما يجري لا بل ان مصادرها وقنواتها تشير الى أن لقاء كليمنصو الأخير لن يؤثر في خيارات الحزب “الاشتراكي” وقناعاته في ما يتعلق بالرئيس المقبل. مع التأكيد أن أجواء اللقاءات تفاؤلية حتى الآن، والكل مقتنع بالتنازل لأن مصلحة لبنان ومصيره على المحك. ولا يجوز أن تستمر المنظومة في الحكم بعد أن رأينا كل الانهيارات التي ستكون مضاعفة في حال وصل رئيس من قوى ٨ آذار الى سدة الرئاسة الأولى.

الراعي: الانحياز لم يجلب لنا سوى الأزمات

رأى البطريرك الراعي في عظة الأحد أن “إعتماد الحياد لا ينقذ لبنان من التورط في صراعات الآخرين وحروبهم وحسب، بل يخفض أيضاً عدد القضايا الخلافية بين اللبنانيين، لاسيما على صعيد الخيارات الدستورية المختلفة. الانحياز لم يجلب إلينا جميعاً، خصوصاً في تاريخ لبنان الحديث، سوى الأزمات التي تكاد تطيح الدولة اللبنانية وصيغة العيش معاً”.

واعتبر أن “من الطبيعي أن يطلع الشعب اللبناني على رؤية كل مرشح جدي لرئاسة الجمهورية. صحيح أن الرئيس في لبنان ليس حاكماً منفرداً، إذ يترأس الجمهورية بترفع وحيادية مع مجلسي النواب والوزراء وسائر المؤسسات الدستورية والإدارية، لكن هذا لا يعفي المرشح لهذا المنصب من إبداء تصوره للمشكلات والأزمات والحلول، وإعلان مواقفه الواضحة من القضايا المصيرية. لا يجوز في هذه المرحلة المصيرية، أن نسمع بأسماء مرشحين من هنا وهناك ولا نرى أي تصور لأي مرشح. كفانا مفاجآت. الواقع الخطير في البلاد يستوجب انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، يكون ذا خبرة في الشأن العام ومواقف سيادية”.

وأكد أن “الإسراع في إجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية الضرورية تنقذ لبنان وتعيد النظام المصرفي اللبناني إلى دورته الطبيعية، هذا النظام الذي شكل أحد مقومات الازدهار في لبنان. إن اعتبار عملية شارع الحمراء في هذه الأيام الأخيرة أمر حصل وعبر، سيفاقم الوضع العام في البلاد ويهدد أمن العمل المصرفي، وقد يشجع، لا سمح الله، مواطنين آخرين على تحصيل حقوقهم بمنأى عن القانون. إن لدى الدولة طرقاً كثيرة لإنقاذ أموال المصارف والمودعين، لكنها مع الأسف ترفض استعمالها لأسباب باتت معروفة، وتروح نحو حلول وخطط تعاف تستلزم المراجعة والتصحيح والتعديل”.

شارك المقال