حبس اللبنانيون أنفاسهم بعد انتشار خبر عن عبوات ناسفة في منطقة المصيطبة، متخوفين من عودة مسلسل الانفجارات والاغتيالات، وما لبثوا أن تنفسوا الصعداء عندما تبين أنها عبوات وهمية، ولكن بدأت التساؤلات عن الهدف منها، هل هو الترهيب؟ وترهيب من؟ أسلوب تعود عليه اللبنانيون أيام النظام الأمني، ولا أمل في الكشف عن ملابسات القضية، في ظل عودة هذا النظام بطريقة أخرى.
وبينما احتل الملف الأمني المشهد اليوم، فان المشهد الحكومي لا يزال على حاله، الأجواء الايحابية التي بثت بعد لقاء الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، لم تفضِ إلى نتيجة، ولم يحدد موعد جديد للرئيس المكلف لزيارة بعبدا، بل ان السلبية عادت إلى هذا الاستحقاق، بحيث أن الأوساط المقربة من الطرفين مستمرة في مهاجمة بعضها البعض في الاعلام، فمن جهة ميقاتي اعتبرت أوساطه أن الإيجابية التي أشيعت بعد لقاء الرئيسين، يعرقلها “التيار الوطني الحر”. وفيما ينتظر الرئيس المكلف تلقف مساعيه من بعبدا، عمدت ما وصفتها أوساطه بـ “الغرفة الاعلامية السوداء” إلى توزيع أجواء إعلامية عبر عدد من وسائل الاعلام، زعمت فيها أن الرئيس ميقاتي أعلن في العديد من مجالسه الخاصة أنه “مش حرزانة تشكيل الحكومة”، وأنه يعمل على فتاوى دستورية تقول ان حكومة تصريف الأعمال تعود لها كامل صلاحياتها بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. كما برز من خلال الحرب الاعلامية وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، المحسوب على حلفاء العهد، الذي اتهم الرئيس المكلف بتهريب 500 مليون دولار الى الخارج، مما استدعى رداً سريعاً من مسشتاره الاعلامي فارس الجميل، أكد فيه عدم صحة هذه الادعاءات، مطالباً شرف الدين بأن يبرز الوثائق التي تدعم اتهاماته.
كل هذا الضجيج معناه أن لا حكومة بل لا رئاسة حتى وفقاً لغالبية الأوساط السياسية، وقد ألمح إلى هذا الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله أول من أمس في خطابه، خلال احتفال وضع حجر الأساس لمعلم جنتا السياحي، بحيث دعا إلى تشكيل حكومة فاعلة بسرعة، وكأنه ينعى الاستحقاق الرئاسي. وفي السياق نفسه، علقت مصادر سيادية على احتفال “حزب الله” بالقول: “المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية أكد لنا بالأمس أننا تحت احتلال إيراني، فكل كلامه هو عن تكريم المكان الذي حضر إليه الحرس الثوري الإيراني وأنشأ حزب الله، بل انهم يريدون جعله معلماً سياحياً، هدفه إرضاء الولي الايراني، هل تحصل هذه الأمور في بلد آخر؟ هل هناك شخصيات في بلاد سيادية تتباهى بتأسيسها وتدريبها من قبل بلد أخر؟ هذا فقط يحصل في عهد الحزب الذي يظن أن تكليفه إلهي، كي يدمر البلد لمصلحة إيران”. النتيجة أن لا حكومة وسط إصرار بعبدا على زيادة ٦ وزراء عليها.
على خط آخر، تنفجر الخلافات بين الثنائيات الطائفية في البلد، فقد أطل ولي العهد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بخطاب هاجم فيه أخيه في اتفاق معراب سمير جعجع و”القوات اللبنانية”، على وقع هتاف من الجمهور: “صهيوني صهيوني… سمير جعجع صهيوني”، متهماً إياه بأن هدفه إسقاط التيار فقط، وهو لا يملك أي خطة عمل لأي قطاع في البلد، ويكذب على الناس أن الحل هو بالاستحقاق الرئاسي كما كذب عليهم أن الحل هو بالاستحقاق النيابي ولم يتغير شيء بل بقي الدولار على ارتفاع.
خطاب جبران بالهتافات لم يمر من دون تعليق من حزب “القوات” الذي اعتبرت مصادره في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “جبران وتياره فارغان، وهو يؤكد فقط أنه الذراع المسيحية لحزب الله، ولا يشبه المسيحيين ولا مستقبلهم، فليستحِ على دمه، وخطابه أصبح مثل الخطاب التحريضي للحزب ضد القوات، والمهزلة أن تثبت العمالة على فايز كرم المقرب من ميشال عون، بل أكثر هو لصيقه، الذي ذكر في كتاب (حارس قبر الجمهورية) لفايز قزي، أن عون كلفه التواصل مع الاسرائيليين، وسابقاً تم القبض على أحد عناصر التيار ويدعى حبيب يونس في أحداث 7 آب الشهيرة، وتبين أن لديه علاقة مع الاسرائيليين. واليوم يقول دايفيد شينكر في العلن أن ميشال عون ساوم على المرسوم 29 من أجل رفع العقوبات عن صهره جبران. في المقابل فليأتوا لنا بصورة أو قصاصة ورق عن سمير جعجع وعلاقته بالاسرائيليين، فمنذ أن استلم القوات أقفل لهم مكتب العلاقات في ضبية، لا أحد يستطيع تعييرنا بتاريخنا ونحن نفتخر به، لكن هم لا تاريخ لهم، حيناً يفتخر ميشال عون بأن لقبه كان رعد وهو المقرب من بشير الجميل، وحيناً يتنصل من هذا الأمر، يريد أخذ ما يريد بشير وترك ما لا يريد أو ما لا يناسب حلفاءه الجدد”.
وتضيف المصادر: “في اجتياح بيروت تم تكليف عون باستقبال الاسرائيليين وقام بذلك وتغدى وتعشى معهم. عندما زحف العونيون إلى معراب من أجل اتفاق الرئاسة لم يكن سمير جعجع صهيونياً حينها؟ خليهن ينضبوا، جماعة سافلين مفلسين، ولولا الثنائي الشيعي والودائع السورية في البلد لما كانوا وصلوا إلى 10 نواب”.
وبينما إشكال الثنائي المسيحي هو الذي يستأثر بالضجة، برز بشكل أقل خلاف الثنائي الشيعي بشأن تاريخ المقاومة، بحيث أن نشر “حزب الله” صوراً لمقاتلي “أمل” على أنهم مقاتلوه، استفز الحركة واستدعى ردأً لأول مرة على مستوى قيادي، اذ علّق رئيس الهيئة التنفيذية في حركة “أمل” مصطفى الفوعاني على الأمر بتصريح قال فيه: “لا أحد يستطيع أن يطمس تاريخ حركة أمل المقاوم بدءاً من مخيمات التدريب الأولى في اليمونة وعين البنيـة وجنتا إلى معركة خلدة البطولية وكل ساحات المقاومة والانتصار والتحرير”. ولكن سرعان ما تداركت القيادتان الأمر وصدر تعميم مشترك جاء فيه: “الأخوة والاخوات جميعاً، بعد انتشار التعميم المتعلق بمعركة خلدة، تم التواصل بين قيادتي حركة أمل وحزب الله الذي أكد على حصول خطأ وتمت معالجة الأمر”.
الثنائيات الطائفية تتقاتل بينما البلد في أسوأ أيامه الاقتصادية، وموضوع الدولار الجمركي لا يزال يثير الجدل، وقد تنصلت منه كل القوى السياسية، واعتبر الثنائي الشيعي أن الرئيس ميقاتي يحاول توريطه بهذا الملف وحده، الأمر الذي استدعى رداً منه على مستوى قيادي لرد الكرة إلى ميقاتي والحكومة. والمهزلة الكبرى أن الجميع يمرر رسالة إلى الجمهور أن الدولار الجمركي لن يطال المواد الأساسية، ولكن كل الاقتصاديين يجزمون بأنها كذبة من السلطة، التي تعتبر أن المواد الأساسية هي المأكل والمشرب، بينما في الواقع قد ترتفع الأسعار إلى 30 و40%، لأن الهدف من رفع الدولار الجمركي أساساً هو تمويل إنفاق الدولة، والسلطة الفاشلة لا ترى طريقاً لهذا التمويل إلا عبر الضرائب، مثل كل الدول الفاشلة.