في الذكرى التاسعة لتفجير مسجدَي التقوى والسلام، وفي الذكرى الـ 40 لانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، يمر البلد بأسوأ أحواله لا بل يعيش أجواء بلبلة غير مسبوقة على المستويات كافة، وما يحصل على صعيد الاستحقاقات الدستورية من تشكيل حكومة الى انتخاب رئيس الى ملف الترسيم البحري، يجسد خير تجسيد هذه البلبلة التي تفضح عورات أهل الحكم الذين فتتوا الدولة وشتتوا أهلها .
وفيما يجمع كثيرون على أننا في مزرعة تحكمها عصابات، لا ينكر المسؤولون أننا في جمهورية “الجنون”، ويفاخرون باعترافهم أن لا أحد يمكنه التنبؤ بمسار الاستحقاقات الدستورية والملفات الأخرى، وكأنها من عالم الغيب وتحتاج الى الضرب بالرمل.
وفي الاستحقاق الحكومي الذي وضع على نار حامية، ويتأرجح على حبل التحليلات والتأويلات لناحية التشكيل والتعطيل، أكدت مصادر مقربة من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لموقع “لبنان الكبير” أن لقاء سيعقد صباح اليوم بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون اذا لم تستجد أي عرقلة، ويكتسب أهمية استثنائية لأنه سيحدّد المسار اما نحو التأليف أو الاستمرار في التعطيل. هناك رغبة جدية لدى الرئيسين في تأليف الحكومة، وسيجري البحث اليوم في نقاط محددة تتمحور حول وزارتي الاقتصاد والمهجرين مع العلم أن فجوة الخلاف أصبحت ضيقة جداً. الرئيس ميقاتي لا يزال على موقفه من الحكومة الجديدة أي يريدها على صورة الحكومة الحالية مع تعديلات طفيفة جداً. وتميل الدفة الى ابقاء الحكومة على 24 وزيراً من دون توسعتها الى 30 وزيراً لأن ذلك سيفتح الباب على اشكالات البلد بغنى عنها، ويستلزم مخاضاً لتوفير التوافق بين القوى المتعددة، كما أن الوقت ضاغط على مسافة أيام من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية. على أي حال، فإن استكمال النقاش اليوم ينطلق من طروحات اللقاء الأخير بين الرئيسين الذي كان يوحي بولادة حكومة جديدة لولا تدخل طرف ثالث على الخط عمل على توتير الأجواء. ويبقى الأمل في أن تتشكل حكومة في وقت قصير خصوصاً أن الجميع يتحدث عن فراغ رئاسي، والتخوف من سجالات واجتهادات دستورية في حال استمرت حكومة تصريف الأعمال. وبالتالي، فإن حكومة كاملة المواصفات تحل الكثير من المشكلات، وتقطع الطريق على خلافات نحن بغنى عنها. لا نريد استباق الأمور، ولننتظر نتائج النقاش اليوم، ولكن يجب التأكيد أن الرئيس ميقاتي لم يتنازل عن مواقفه بشأن الحكومة، وهو ينطلق من الحكومة الحالية، ويحافظ على التوازنات، لكن لا بد من التباحث في القواسم المشتركة للوصول الى نتيجة ايجابية لأن العناد والتشبث بالرأي لا يطعمان خبزاً.
مصادر متابعة لملف التأليف دعت الى الحذر من توقع “فرج” من اجتماع اليوم، في حال حصوله، لأن العبرة الأخيرة تبقى في “التفاصيل” التي يجيد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، صهر الرئيس، اللعب بها للحرتقة، بل ولنسف أي إتفاق لا يتلاءم مع حساباته لما بعد 13 تشرين الأول.
بلبلة ترسيم الحدود
أما البلبلة التي ترافق ملف ترسيم الحدود البحرية، فحدث ولا حرج بحيث أن معلومات المراقبين متضاربة ومتناقضة حتى أن أحد السياسيين المطلعين على مجريات التفاوض أكد لـ “لبنان الكبير” أن لا أحد يملك المعطيات الكاملة والصحيحة انما الجميع ينطلق من مؤشرات وتصريحات، مع العلم أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لم يعط جواباً على الطرح اللبناني لأنه لم يحصل عليه بعد من الجانب الاسرائيلي، وبالتالي، لن يزور بيروت قبل أن يحصل على جواب نهائي. وعلى الرغم من المماطلة الاسرائيلية، فإن الترسيم سيحصل في القريب العاجل، لكن لا أحد يعلم كيف ومتى. هناك ضغط أميركي يمارس للمرة الأولى على اسرائيل بسبب الحاجة الى الغاز الذي سيصدر الى أوروبا. والمماطلة سببها الانتخابات الاسرائيلية بحيث دخل ملف الترسيم في البازار السياسي، كما أن هناك رأياً داخل اسرائيل يتهم الحكومة بأنها خاضعة وخائفة من تهديدات “حزب الله”. واذا أراد الاسرائيليون تفادي أي تصعيد، فعليهم وقف العمل في “كاريش” الى حين التوقيع على الاتفاق. وليس مستبعداً أن يكون الأميركيون لا يريدون تسجيل انجاز الاتفاق خلال عهد الرئيس عون. في الخلاصة، السيناريو الأقرب الى المنطق يقول: من المتوقع أن يؤجل الاتفاق الى ما بعد الانتخابات في اسرائيل والى ما بعد نهاية العهد الحالي على أن توقف اسرائيل العمل في حقل “كاريش” خلال هذه الفترة والا سيكون الخيار نحو التصعيد.
في المقابل، فإن الرأي الآخر في ملف الترسيم، يقول ان لا بوادر توحي بأن توقيع الاتفاق سيحصل في وقت قريب. اسرائيل وقعت على عقود الغاز مع أوروبا بـ 50 مليار دولار، وإن حصل الاتفاق مع لبنان أم لم يحصل، فهي مستمرة في العمل في “كاريش” لأنها تتكل على قوة الردع لديها لمنع أي رمايات تتعرض لها الحقول الاسرائيلية إن كان من صواريخ “حزب الله” أو “حماس”. يتم التداول بأن اسرائيل تريد تعديلاً على الطرح اللبناني بمعنى أنها تريد جزءاً من حقل” قانا” أو التخلي عنه كلياً مقابل نيلها حصة في مكان آخر. كلها معلومات غير مؤكدة، لكن ما هو مؤكد أن أي عمل عسكري من لبنان سيأتي رد اسرائيل عليه مدمراً جداً لأنها تكون تكبدت خسائر كبيرة بمليارات الدولارات، ما يعني أن التصعيد على الجبهة الجنوبية مستبعد الا اذا أرادت ايران ذلك. وعلى الرغم من أن الجو اليوم يوحي بالتفاؤل في الملف النووي الايراني الا أن من يراقب تطور الأحداث منذ 30 سنة، يعلم أن ايران لا تلتزم بشيء، وهذا ما يمكن أن يؤدي الى خطر تصعيد ما على الحدود الجنوبية. وليس وارداً وقف الاستخراج من حقل “كاريش” في حال تمديد مهلة الاتفاق. اللبنانيون بحاجة الى الاتفاق كما أن الأميركيين لا يريدون أي انزلاقات في المنطقة تكون مكلفة لهم وتنعكس سلباً على أجواء التهدئة مع ايران، والاسرائيليون أيضاً يريدون الاتفاق لكن معه وبدونه، سيستكملون العمل لأنهم يتكلون على قدرة الردع لديهم ان كان تقنياً أو تكتيكياً أو استراتيجياً.
وفي هذا الاطار، نقلت وسائل اعلام عن مصدر رسمي لبناني، أن “لبنان تلقى عرضاً تركياً للاستثمار والحفر في البلوكات النفطية والغازية الحدودية الجنوبية مع إسرائيل. ويشمل العرض أعمال حفر واستثمار في البلوك رقم 9 بموقعه على الحدود البحرية”. فيما نفى وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، تلقي الوزارة أي عرض رسمي وغير رسمي من تركيا، لافتاً الى أن “البلوك رقم 9 ملزم لشركة توتال”.