“فتاوى شيطانية”… دستور!

لبنان الكبير

يجمع الفقهاء والدستوريون على أن هناك “فتاوى شيطانية” تتم حياكتها من “المشعوذين” الدستوريين في القصر الجمهوري لا تمت بصلة الى النصوص القانونية الواضحة وضوح الشمس ولا لبس فيها ولا تقبل الاجتهادات والتأويلات، والأنكى من ذلك أن رئيس الجمهورية يركن اليها في تعامله مع الاستحقاقات الدستورية.

على الصعيد الحكومي، عاد رئيس الجمهورية ميشال عون ليؤكد أمس أن “حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها على نحو كامل في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا يبدو طبيعياً أن الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية غير المكتملة المواصفات وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب يمكنه أن يملأ فراغاً على مستوى رئاسة الجمهورية”، في وقت سأل فيه طرّاز القصر الوزير السابق سليم جريصاتي: “كيف لحكومة اعتبرت مستقيلة مع بدء ولاية مجلس النواب أن تمارس صلاحيات رئاسية في حال خلو سدّة الرئاسة؟”. الجواب جاء شافياً ووافياً، على لسان أحد الدستوريين الذي قال: “جريصاتي موهوب في تركيب الأفلام الدستورية حتى أن بعض القانونيين يقع في فخها. كل الفقهاء، باستثناء جريصاتي، يجمعون على أن الصلاحيات تنتقل الى الحكومة في حال الفراغ الرئاسي، والدستور لم يميز بين حكومة مستقيلة وحكومة كاملة الصلاحيات. المبدأ ألا يقع الفراغ، وفي حال حصل ستملأه الحكومة الحالية خصوصاً أن ما يتم البحث فيه اليوم تعديل وزير أو وزيرين، أي أن الحكومة ستبقى هي نفسها في حال تشكلت من جديد. اذاً، لماذا كل هذا الخلاف، وكل هذه الهمروجة القانونية؟ لدى فريق العهد منطق خاص مرتكز على مفاهيم خاطئة أو نوايا لم تكن يوماً بريئة”.

أما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فيضرب عصفورين بحجر واحد، فهو من جهة يعلّي سقف حصصه للاستمرار في السلطة في حال الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية، ومن جهة ثانية، يعمل على تعجيز رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بهدف الابقاء على حكومة تصريف الأعمال، وتوظيف هذا الواقع في الاستحقاق الرئاسي خصوصاً في ظل الفراغ المتوقع بحيث تتم تسريبات اعلامية عن سيناريوات أو فذلكات أو فتاوى دستورية يعمل عليها الطرّازون الدستوريون في القصر الجمهوري لعدم تسليم صلاحيات الرئاسة الأولى الى الحكومة الحالية أو بقاء الرئيس في بعبدا على الرغم من اعلانه أنه لن يبقى دقيقة واحدة بعد منتصف ليل 31 تشرين الأول المقبل أو تأليف حكومة عسكرية أو سحب التكليف من الرئيس ميقاتي، إذ اعترف جريصاتي بعدم دستورية هذا الأمر الا في حال الاستشارات النيابية، وبعد التشاور مع رئيس مجلس النواب وغيرها الكثير من الطروحات التي يتم التداول بها.

إذاً، قالها جريصاتي و”بعضمة لسانه”، انه لا يمكن سحب التكليف من الرئيس المكلف، لكن هنا يسأل أحد المراقبين: “أليس هذا الاعتراف العلني يؤكد أن التسريبات والمعطيات التي تتحدث عن فذلكات ومخارج دستورية لابقاء الرئيس في القصر، حقيقية ويعمل على تنفيذها خطوة بخطوة؟ هل هذا التصريح يعبّر عن تخبط الفريق الرئاسي وعجزه عن تحقيق المطالب التي خرجت عن كل النصوص القانونية والأصول المتبعة؟ ثم لماذا بق البحصة في هذا التوقيت بالذات؟ هل بسبب خلافه مع باسيل؟ هل يوجه رسالة مفخخة الى صهر العهد تتخطى المسائل القانونية؟ انه تصريح غير بريء، وجريصاتي لم يكن يوماً بريئاً”.

وفي قراءة دستورية شاملة، لفذلكات الطرّازين وأصحاب النوايا الخبيثة، أكد أحد القانونيين لموقع “لبنان الكبير” أن لا امكان اطلاقاً لأن يبقى رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري بعد 31 تشرين الأول، والنصوص واضحة في هذا الاطار. المهلة قاطعة وحاسمة وجازمة، ولم يعطه الدستور أي مهلة تمديدية. العهد يقوم بمقارنة بين ولاية رئيس الجمهورية وولاية الحكومة. الحكومة في حال استقالتها أو اقالتها لأي سبب من الأسباب، تتحول في نص الدستور الى حكومة مستقيلة على قاعدة تصريف الأعمال. المجلس النيابي يتحول من هيئة تشريعية الى هيئة انتخابية قبل 60 يوماً من انتهاء مدة الولاية، ما يدل على عدم امكان بقاء الرئيس في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته. هناك رؤساء جمهوريات استمروا في مهامهم بعد انتهاء ولايتهم، لكن ذلك حصل بناء على قانون صدر عن المجلس النيابي، ومدد لهم. وهذا ما جرى مع الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود، لكن شرعية الاستمرارية في اشغال القصر جاءت بفعل قانون صدر عن المجلس النيابي. إذاً، هناك طريقة وحيدة لبقاء الرئيس عون اذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، من خلال التمديد له من المجلس النيابي. وبالتالي، لا يمكن أن يستمر ساعة واحدة بعد انتهاء الولاية الا اذا صدر قانون عن المجلس النيابي بتمديد ولايته، ولا بحث في أي اطار آخر. واذا لم يتمكن النواب من انتخاب رئيس الجمهورية خلال المهلة الدستورية، فهناك احتمال ضعيف جداً في التمديد لأن ليس لدى فريق رئيس الجمهورية  الأكثرية. أما اذا أردنا التحدث عن سابقة سنة 1989 حين كانت هناك حكومتان، واحدة مدنية برئاسة سليم الحص وأخرى عسكرية برئاسة ميشال عون، فهل يمكن أن يتكرر هذا السيناريو اليوم؟ لا نعلم. لكن الوقائع تقول ان فريق العهد لا تناسبه حكومة عسكرية سيرأسها قائد الجيش العماد جوزيف عون. هذا الاحتمال لو كان حصل سابقاً، ولكن لا مصلحة اليوم لرئيس الجمهورية ولـ “التيار الوطني الحر” في تكراره. اذاً، التمديد لن يحصل، وتشكيل حكومة عسكرية لن يحصل أيضاً. أما ادعاء فريق القصر الجمهوري أنه لا يمكن التسليم لحكومة مستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية، فهنا نقول: أولاً، من الناحية الدستورية، النص لم يحدد ان كانت حكومة مستقيلة او غير مستقيلة. اذاً، لا نص قانونياً يشترط أن تكون الحكومة غير مستقيلة لتنتقل اليها الصلاحيات. ثانياً، طالما ليس هناك من نص واضح يعني أن المشرّع الدستوري ساوى بين حكومة مستقيلة وأخرى غير مستقيلة، في الصلاحيات. هذه النظرية من الناحية الدستورية والواقعية “ما بتركب”. ولو سلمنا جدلاً بسيناريو القصر انهم لن يسلموا لحكومة مستقيلة، ما العمل اذاً؟ هل يبقى الرئيس في بعبدا أو يغادر؟ لا بد من التأكيد هنا أنه لا يمكن للرئيس عون الاحتفاظ بالسلطة لأن الاحتفاظ والاستمرار بعد منتصف ليل 31 تشرين الأول، يجعل من الرئيس مغتصباً للسلطة، ويصبح التعاطي معه على أساس أنه مغتصب سلطة، والدول لا تعترف به كرئيس بحيث يكون التعامل مع الحكومة المستقيلة. هناك سيناريو آخر يتم طرحه من خلال تفريغ الحكومة من وزراء العهد أي تقديم استقالتهم، لكن هذا السيناريو أيضاً ليس لمصلحتهم لأن الحكومة في كل الأحوال مستقيلة كما يكون لكل وزير يستقيل رديف يستلم مهام وزارته.

في خلاصة الأمر، كل هذه الفذلكات والفتاوى ليست سوى عبارة عن مناورات سياسية لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب في الأيام المقبلة. يفرضون الشروط الكبيرة ليحصلوا على الحد الأدنى لاستمرارهم في العمل السياسي. بمعنى أن باسيل يريد أن يظهر بأنه ليس مرشحاً لرئاسة الجمهورية انما هو صانع الرؤساء، ولا يمكن الاتفاق على أي أمر من دونه، وكل ذلك، لافشال الاستحقاق الرئاسي. وهو يقول دائماً ان لديه أكبر كتلة نيابية ولا يمكن تجاوزه، وعدم التجاوز يتطلب تلبية الشروط. اذاً، باسيل يعلم أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية غير وارد، ويضغط للحصول على حكومة تكون حصته فيها أكبر بشكل يؤمن استمراريته على الساحة السياسية في ظل الفراغ الرئاسي، ويمسك المفاصل الأساسية. ويشترط على أي رئيس محتمل، حصة الأسد في الوزارات والوظائف الأساسية في الدولة من حاكم مصرف لبنان الى رئيس مجلس القضاء الأعلى الى المؤسسات العسكرية. كلها فذلكات وفتاوى غير دستورية لأهداف سياسية.

شارك المقال