“تيار العتمة” اذ يمارس “الشذوذ السياسي” بين عهدين

لبنان الكبير

لم يكترث المسؤولون في السلطة لدخول البلد في العتمة الحالكة ربما لأنهم استدركوا أخيراً أنهم وضعوا الناس منذ سنوات في نفق مظلم أو لأن ذلك تفصيل سخيف بالنسبة اليهم في عز معاركهم السياسية المصيرية، اذ أن العهد يصرف النظر عن كل شؤون الناس وشجونهم وهمومهم التي تصبح صغيرة أمام تأمين مصالح ولي العهد وسطوته على المؤسسات الدستورية ما يعني اما أن يحصل على كل شيء أو لا يبقى شيء، و”من بعدك يا صهر ما ينبت حشيش”.

واكتمل النقل بالزعرور مع اعلان أصحاب المولدات عن اطفاء مولداتهم خلال ثلاثة أيام اذا لم يتسلموا المازوت من الشركات، لكن اللبنانيين لم يعودوا يكترثون بمثل هذه الأخبار، فقد تعودوا على سياسة العهد التعطيلية التي أطفأت محركات الدولة، باستثناء محرك الفتاوى والاجتهادات التي تجر البلد الى فتنة دستورية، واشتباك رئاسي سني – ماروني في حال الفراغ على مستوى الرئاسة الأولى، ومحرك وزير الطاقة الذي لا ينطفئ، لكن من دون جدوى، وكاد الجميع ينسى أنه خارج الخدمة الفعلية لو لم يعلن عن فتواه القيمة أمس برفع تعرفة الكهرباء ليس لتأمين الكهرباء 24/24 انما لمدّ اللبنانيين بالتيار لثلاث ساعات فقط لا غير، إذا صدقت وعود “التيار” طبعاً.

وفيما يتخوف كثيرون من أن يكون التيار السياسي قد انقطع بالكامل عن الاستحقاقات الدستورية، تجري محاولات لوضع التشكيلة الحكومية الجديدة على شبكة الانعاش، بحيث أكد مصدر مواكب للتأليف أن وتيرة الاتصالات ارتفعت في الساعات الأخير ، وأن السجالات في البيانات لم تؤثر على السير قدماً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ومن المرتقب أن يكون هناك لقاء خامس بين عون وميقاتي خلال الأيام القليلة المقبلة وسط توقع بأن تكون ولادة الحكومة عسيرة قبل فترة وجيزة من انتهاء ولاية العهد، ما يعني أننا في مرحلة “عض الأصابع”، وكل طرف ينتظر الآخر ليقول “آخ” أولاً.

ولقراءة ما يجري على صعيد التشكيل، تواصل “لبنان الكبير” مع أحد المعنيين والمطلعين على النقاش في اللقاءات بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، واعتبر أن ما يلفت في النقاشات بين الرئيسين أنه كلما كان ميقاتي متجاوباً مع مطالب عون كلما ازداد الأخير تصلبا بالشروط الباسيلية تحديداً. وثبت أن رئيس الجمهورية يضع في رأسه أن لا حكومة الا بشروط صهره، وبات هناك شبه قناعة لدى الجميع بهذا الأمر. الرئيس وولي عهده ينطلقان من ثابتتين أساسيتين لا ثالثة لهما: اما تشكيل حكومة تكون تحت السطوة الباسيلية أو ابقاء حكومة تصريف الأعمال. الأولى تستطيع خلال الشهرين المتبقيين من ولاية العهد الحالي، القيام بالتعديلات والتشكيلات القضائية والديبلوماسية والادارية، وتنقل “التيار الوطني الحر” الى العهد الجديد بنفوذ مهم في السلطة. واذا لم تكن التشكيلة على قدر هذه الطموحات، يفضل العهد البقاء على حكومة تصريف الأعمال لاحداث البلبلة أو الفتنة الدستورية مع انتهاء الولاية من خلال حفلة الجنون التي ينظمها شياطين الدستور في بعبدا، والتي وصلت الى مرحلة الشذوذ السياسي. وفي هذا الخيار مصلحة لباسيل أيضاً لأنه في ظل انعدام حظوظه الرئاسية تبقى التسويات مفيدة له لأنه سيشارك فيها بوجود عمه وعدم تسليم الصلاحيات أو السلطة. ونحن نكون أمام مرحلة جديدة بحيث أن باسيل يدرك تماماً أنه لن يكون رئيساً للجمهورية وليس باستطاعته المساهمة في ايصال رئيس لكن في حال تمكن من التعطيل، ودخلنا في دائرة الفتنة الدستورية التي يحضّر لها ستُقلب الطاولة، وسيكون هناك أخذ ورد، ولااستقرار، وصراعات كبيرة قد تنتج عنها تسوية. ما يطمح اليه باسيل هو أن يكون له دور في هذه التسوية سواء على صعيد النفوذ أو على صعيد الرئاسة. لذلك، هو اليوم أمام هذين الخيارين: اما حكومة تفتح له باب النفوذ على العهد الجديد، أو فتنة دستورية تعيد حظوظه من جديد بالرئاسة أو بالتسوية التي تعطيه ما يريد مقابل التنازل عن الوضع المستجد وهو اغتصاب السلطة من قبل الرئيس عون في حال رفض الخروج من قصر بعبدا. والخطير في ما يحصل خصوصاً بعد اللقاء الأخير بين الرئيسين في بعبدا ما صرح به رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم بحيث بدا وكأن هناك استقداماً لرموز طائفية الى القصر الجمهوري، والايعاز اليها بإدلاء تصريحات جاهزة تتحدث عن الصلاحيات والدستور وتشكيل الحكومة، وهو أمر سيؤدي عاجلاً أم آجلاً الى اصطفاف طائفي لن يصب في المصلحة الوطنية العليا. اللجوء الى مثل هذه الخطوات خطير، وقد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه لأن هذا الاصطفاف الطائفي لا يجوز في قصر بعبدا الذي من المفترض أن يكون قصراً وطنياً، كما أن دفع الرموز المسيحية والمارونية تحديداً الى التحدث من على منبر القصر بلغة باسيل، يعني أننا اقتربنا من الخطوط الحمر التي يمكن أن تكون لها ارتدادات سلبية على البلد. وهنا لا بد التساؤل: ماذا لو لجأ الرئيس المكلف الى اعتماد الاسلوب عينه أي اختيار شخصية سنية لتصرح من السراي الحكومي، وتتحدث عن التعطيل الذي يمارسه العهد؟ هل يريدون التأسيس لحرب طائفية؟ هل طقوس الرئيس عون تقتضي أنه كلما يكون في السلطة يدمر البلد؟ هل يجوز أن يخرب البلد لعيون الصهر؟ كيف يسمح له ضميره أن يتسلى بمصير 5 ملايين انسان في وقت تؤكد الأرقام والوقائع أننا سنموت عطشاً وجوعاً وعلى العتمة الكاملة خلال شهر أيلول؟ انه اجرام فعلي بحق البلد، والأمور تخطت تشكيل الحكومة من عدمه.

يضع الرئيس ميقاتي في رأسه الاستمرار في الايجابية حتى اللحظة الأخيرة، وهو مستعد لتلبية مطالب رئيس الجمهورية بما يتوافق مع تطلعاته ومع الثوابت والمسلمات التي ينطلق منها، وهي حكومة 24 وزيراً بتعديلات بسيطة. وتخلى عن كل الأمور التي يمكن أن تثير حفيظة رئيس الجمهورية ووصل معه الى مرحلة أن يسمّي هو الاسمين في الوزارتين التي يتم النقاش حولهما. وعلى الرغم من ذلك، لم يرض الرئيس عون بكل الايجابية لأنه بالمختصر المفيد لا يريد هكذا حكومة، انما حكومة فيها الثلث المعطل لباسيل بما يعني أنه يتمسك بحكومة من 30 وزيراً كي يكون فيها 11 وزيراً من حصة “التيار الوطني الحر” لتعطيل النصاب، ويحولوا رئيس الحكومة الى “باش كاتب”، وهذا ما لن يحصل ولن يقبل به الرئيس ميقاتي. والتسريبات من قصر بعبدا والمعلومات الخاطئة تصب في مصلحة باسيل حتى أنهم قوّلوا الرئيس ميقاتي ما لم يدل به، أي “للبحث صلة”، وهذا غير صحيح لأنه لم يقل ذلك انما فريق القصر يريد أن يظهر أمام الرأي العام أن هناك توافقاً بين الرجلين. للأسف هناك منطق سائد في قصر بعبدا حيث “بتحكي معهم يمين بيردوا شمال وبتحكي معهم شمال بيردوا يمين”. ولا بد من التأكيد هنا أن الرئيس ميقاتي لا يريد في نهاية العهد أن يقدم هدايا سياسية أو وزارية لـ”التيار الوطني الحر” ليكون شريكاً مضارباً لرئيس الجمهورية المقبل. فريق العهد يستخدم لعبة “عض الأصابع” في التشكيل، الا أن الرئيس ميقاتي يدرك تماماً أن الدستور يسمح لحكومة تصريف الأعمال بأن تتسلم الصلاحيات وأن كل التهويل سيسقط أمام النصوص. مع العلم أن ميقاتي يريد تشكيل حكومة ليس من أجل الصلاحيات انما لأن البلد يحتاج الى الحكومة. هناك فرق كبير في النهجين المتبعين: نهج يريد تشكيل حكومة لاستكمال العمل مع صندوق النقد الدولي الذي لا يتعاطى مع حكومة تصريف أعمال، ونهج تعطيلي يريد الحصول على كل شيء أو لا يتحقق أي شيء. وهذا ما سيؤدي الى فتنة يتحمل مسؤوليتها رئيس الجمهورية الذي يصر على الترجمة الفعلية لجهنم التي وعدنا بها. وفي الختام، لا بد من التأكيد أن الحكومة جاهزة وتحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية وتخليه عن مصالح صهره فقط. وكلمة شكر للرئيس عون الذي حقق انجازات لا تعد خلال ست سنوات، واليوم نحصد نتائجها من خلال ارجاعنا الى القرون الوسطى، ونأمل أن نعود الى العصر الحالي مع رئيس جديد وأي رئيس لا يعيش هواجس مصالح باسيل.

أخطار مهولة

على صعيد آخر، بمناسبة العيد السابع والسبعين للأمن العام، وجّه المدير العام اللواء عباس ابراهيم أمر اليوم الى العسكريين، وقال: “كلنا يعرفُ حجمَ الأخطارِ التي تحيطُ بنا من الخارجِ ومن الداخلِ على السواء. على المستوى الخارجي، يخوضُ لبنان معركةً مقدسة من أجلِ إستعادةِ حقوقهِ البحرية من العدو الإسرائيلي، وكذلك في ضبط ِالمعابرِ البرية انفاذاً للقوانينِ والتعليمات. لأنه لا إستنسابية في تطبيقِ الأنظمة، ولا تعسّف باستعمالِ السلطةِ من أجلِ الحقِ الوطني. على المستوى الداخلي، نحنُ أمامَ أخطارٍ مهولة، يبعثُ عليها الإنهيارُ الإقتصادي والإجتماعي، وهو إنهيارٌ أتى على كل المؤسساتِ فراحت هياكلُ الدولة تتآكل، وهذا ما يدعونا إلى التنبهِ والى إلتزامِ أعلى درجاتِ الإستنفارِ والحيطةِ دفاعاً عن لبنان واللبنانيين وحيثما نكون”.

شارك المقال