رئاسة الجمهورية للبنانيين: نواياكم خبيثة

لبنان الكبير

باتت الحالة اللبنانية مثل جهاز فيديو قديم، عالق في داخله الفيلم نفسه، لا يمكن تغييره، وكل ما يمكن فعله هو إعادته من أوله فقط، استحقاق حكومي معطل من قصر بعبدا، استحقاق رئاسي مرجح أن تكون نتيجته الفراغ، وقد ملّ اللبنانيون من هذا الفيلم، وليس بمقدورهم مشاهدة غيره. الجبهات السياسية هادئة نوعاً ما، يخرقها بعض الاشتباكات الاعلامية بين بعبدا والسراي الحكومي بين الحين والآخر، ثم لا تلبث أن تهدأ، بانتظار الاتصالات، كأنها الحرب الأهلية مجدداً، التي كانت تشتعل حيناً، وتهدأ أحياناً، مع دخول الوساطات والاتصالات. وفي هذا الاطار، صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيان “وضع النقاط على الحروف”، علق فيه على الروايات المتداولة في الاعلام بما يخص الاستحقاقين الحكومي والرئاسي، مستخلصاً أن “نوايا خبيثة” تسوّد وجه العهد طوال ست سنوات، وليست حقائق جهنم التي أطبقت على اللبنانيين!.

فقد أكّد المكتب الاعلاميّ أنّ “مواقف الرئيس ميشال عون من تشكيل الحكومة تستند إلى قناعته بضرورة المحافظة على الشراكة الوطنيّة والميثاقيّة وإبقاء المناخات إيجابيّة”، مشدّداً على “التزام الرئيس قسمه الدستوريّ في ما خصّ الاستحقاق الرئاسيّ، وهو طوال سنوات حكمه مارس صلاحياته ولم ينكث بقسمه”.

ونبّه على “النوايا الخبيثة لأصحاب هذه الحملات المأجورين والمسؤولين عن تناسل الجرائم الكبرى المرتكبة في حقوق اللبنانيّين”، معتبراً أنّ “بعض السياسيّين والإعلاميّين وصل بإساءاته إلى حدّ التحريض وإثارة النعرات الطائفيّة خدمة لأهداف جهات تقف وراءهم داخل لبنان وخارجه لضرب الاستقرار”. ورأى أنّ “كلّ ما يُنشر عن مواقف رئيس الجمهوريّة ولا يصدر عنه هو مزيج من الافتراء والكذب ولا يمكن الاعتداد به مطلقاً”، محذّراً من “التمادي في دسّ الأخبار والمعلومات الكاذبة والتحريض الطائفيّ والمذهبيّ واستهداف أمن البلاد واستقرارها”.

ومع دخول المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، تتجه أنظار القوى السياسية إلى ما قد يقدم عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يتوقع أن يتناول الاستحقاقات في الخطاب الذي سيلقيه في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر يوم الأربعاء. وأكدت مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير” أن “الوقت لم يحن بعد لأن يقوم الرئيس بري بخطوة في اتجاه الاستحقاق الرئاسي، وسيتكلم لجهة احترام الدستور والمسؤولية، فلا يوجد اتفاق ناجز حتى هذه اللحظة، وسيدعو الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم وحثهم على الخروج من عنق الزجاجة”. وبما أن الساحر لا يمتلك ورقة مخفية، فقد يشهد البلد تصعيداً ضد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، من بعبدا، التي بدأت تسوّق لاجتهادات دستورية، تعتبرها غالبية الدستوريين بدعاً، اذ ستحاول الالتفاف حول “سحب التكليف” من الرئيس ميقاتي، والدعوة إلى استشارات نيابية جديدة، ولكن هذه الالتفافة بحاجة إلى تعاون مجلس النواب، فهل يمكن أن ينال العهد في آخر أيامه، ما لم ينله في عز قوته؟

الوضع المالي لا يبشر بخير، بحيث يتم تداول أخبار في الأروقة الاقتصادية العالمية، مفادها أن لبنان على موعد مع تصنيف مالي جديد، من المؤسسات الدولية، وتتخوف الجهات المالية اللبنانية من أن يكون التصنيف هو “لبنان دولة فاشلة”.

بارقة الأمل الوحيدة هي الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الذي يعود إلى لبنان الأسبوع المقبل، وبينما يتم التسويق بأن الجو سلبي، الا أن مصادر خاصة أكدت لـ “لبنان الكبير” أن “الجو ايجابي عكس كل ما يشاع، وكل الكلام عن استنفارات وحروب متوقعة، لا أساس له من الصحة، وهدفه قطف ترسيم الحدود سياسياً وشعبوياً، والترسيم بات في مراحله الأخيرة”.

معيشياً، عود على بدء، الحالة العونية مجدداً تبتز اللبنانيين في ملف الطاقة، وهو الأسلوب نفسه المتبع منذ أن استولى تيار الظلام على وزارة الطاقة، وزاد الأمر سوءاً عندما استولى أيضاً على رئاسة الجمهورية، نعم هو استيلاء لا انتخاب، لأنه امتهن التعطيل الابتزازي من أجل أن يصل إلى سدة الرئاسة، ولو كان فعلاً عملية ديموقراطية، لكان حضر إلى مجلس النواب في زمن الفراغ الرئاسي، ولكنه كان يريد أن يضمن نجاحه، فكانت جلسة شكلية انتخب فيها عون، كجلسات مجلس شيوخ يوليوس قيصر لادعاء الديموقراطية. وعهده لن ينتهي بأي إنجاز يذكر، بل بكوارث لا تعد ولا تحصى، صفر كهرباء، طوابير ذل، انقطاع في المواد الأساسية حتى الخبز، فوضى أسعار، ارتفاع معدلات الجريمة، معدلات سرقة وتشليح غير مسبوقة في تاريخ البلد، الطبابة في خبر كان، الضمان لا يغطي شيئاً، الخدمات أصبحت تحتاج الى من يخدمها، المؤسسات تنهار واحدة تلو الأخرى، مرافق الدولة وإداراتها في حالة شلل تام، القضاء معتكف يتخبط بين الرسالة وحقوقه، والحمل كله على كاهل المؤسسة العسكرية والأمنية، التي تعاني الأمرين للاستمرار في مهماتها، فيما عناصرها لا يحصلون على الحد الأدنى من حقوقهم. وعلم “لبنان الكبير” أن العديد من العناصر في المؤسسات الأمنية يعملون في وظائف أخرى غير خدمتهم، وأن القيادة الأمنية والعسكرية تغض النظر عن هذا الأمر نظراً الى استفحال الأزمة الاقتصادية، وقد استفاد العناصر من الموسم السياحي، بحيث أن العديد من المرافق السياحية توظفهم بأجرة يومية، والوظيفة الأكثر انتشاراً بينهم هي تأمين الأمن لهذه المرافق، وكذلك العمل كندل في المطاعم، ولكن يبقى السؤال، ماذا سيحصل عند انتهاء الموسم السياحي، وكيف سيؤمن العناصر قوت عيشهم ومعاشاتهم في الحضيض؟

أما على صعيد الاتصالات، فيبدو أن البلد سيشهد خضة في هذا الملف، فعلى الرغم من رفع التسعيرة، لم تتحسن الخدمة، وموظفو القطاع الخلوي أضربوا مطالبين بحقوقهم، ولا يبدو أن الوزير والجهات المعنية متجاوبين معهم، لأن الموظفين لا يزالون مصرين على الإضراب، والمقترحات التي تعرض عليهم، لا تشجعهم على فكه.

أمر آخر يشغل بال اللبنانيين هو العام الدراسي الذي تأجل، وأشارت مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير” الى أن “لا أسباب فعلية للتأجيل، بل هو مجرد أمنية أن يحصل حل سحري قبل بدء العام”. وبينما حذر وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي قبل أيام من استيفاء الأقساط بالدولار، مشدداً على أنه مخالفة للقانون، عاد وتراجع عن أقواله أمس، عبر تأكيده أن لا مانع لديه من استيفاء بعض القسط بالدولار، بما يظهر أن كارتيل المدارس الخاصة استطاع الضغط على الوزير، بل على الدولة بأكملها.

وفيما الشتاء أصبح قاب قوسين، الا أن لا حلول في الأفق لموضوع التدفئة، بل ان مافيا المولدات الخاصة تهدد بالتقنين القاسي جداً، والمازوت بدأ يختفي من السوق، بما يوحي بشتاء بارد جداً على اللبنانيين هذه السنة، وربما هذه الدولة العجيبة تتقصد عدم تأمين التدفئة ليتوازى مع عرض مسلسل “بيت التنانين” التابع لسلسة “صراع العروش”، كي تسود جملة المسلسل الأشهر في الواقع كما في الخيال: “الشتاء قادم”.

أما ما يخشاه الجميع فهو الأمن الغذائي، الذي في حال ضُرب، فسيكون لبنان على مشارف مجاعة، ولكن يبدو أن هذا الملف استطاع جمع الدول العربية، بحيث أن المؤتمر المقبل في الأردن قد يجمع الأضداد على الطاولة نفسها، من أجل التعاون في ملف الأمن الغذائي، وللبنان حصة لا بأس بها في هذا المؤتمر، وعلى غير العادة، وزارة الزراعة لم تعد وزارة إرضائية يقبل بها فريق معين من أجل تقاسم الحصص الحكومية، بل يبدو أنها ستكون مفصلية في المرحلة المقبلة، والجميع يريد بقاء الوزير عباس الحاج حسن على رأسها.

عالمياً، بعد الحروب وجائحة كورونا، أصبح موضوع التغير المناخي أولوية لدى الدول، فالجفاف الذي يضرب أوروبا، يبدو أنه منبه إيقاظ للعالم بأسره، بهدف التحرك نحو حلول مستدامة. وبينما تعاني أوروبا من العطش، تغرق باكستان بالمياه، بسبب الفيضانات الموسمية، التي تضربها كل عام، وهي المصنفة ثامن بلد عرضة للتأثر بالتغير المناخي، فأكثر من 220 منزلاً دمرت، ومجموع الضحايا تخطى الـ 900، والحكومة أعلنت حال الطوارئ في البلاد بسبب تأثر أكثر من 33 مليون شخص بالفيضانات.

شارك المقال