الوضع “كلش مليوص”… في بيروت وبغداد

لبنان الكبير

عشية الأول من أيلول حيث تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، ويتحوّل مجلس النواب الى هيئة ناخبة، تحرّكت المياه في مستنقع تأليف الحكومة أمس في ظل غياب التطورات السياسية على الساحة الداخلية بحيث سجل أكثر من مسعى وتحرك وتواصل بين المعنيين والوسطاء لتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي. وعلى ما يبدو لا تزال الولادة عسيرة على الرغم من أن فجوة الاختلاف ضاقت جداً بين الرجلين إلا أن تشبث كل طرف بموقفه ينذر بأن لا حكومة جديدة مع التأكيد أن الرئيس ميقاتي تنازل كثيراً لكن ضمن مسلمات لا يمكن تخطيها، وأنه لم تعد هناك أي ذريعة للتعطيل.

الأجواء السياسية القاتمة، انزاحت قليلاً حين سجل منتخب لبنان للرجال في كرة السلة، انجازاً بفوزه على مضيفه المنتخب الهندي 95 – 63، وتأهل لنهائيات بطولة العالم التي تستضيفها خمس مدن السنة المقبلة في الفيليبين واليابان وأندونيسيا. وهذه المرة الرابعة التي يتأهل فيها لبنان لنهائيات بطولة العالم.

وقبل الغوص في الملفات اللبنانية، لا بد من التوقف عند ما يجري في العراق الذي شكل الحدث أمس، وتابع اللبنانيون التطورات هناك انطلاقاً من تشابه الأوضاع بين البلدين حتى أن اعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، اعتزاله نهائياً العمل السياسي في العراق، ملمحاً الى أن حياته مهددة بسبب مشروعه الاصلاحي، ذكرهم بالخطوة التي قام بها الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني الماضي وانسحابه من الساحة السياسية، بفارق في طبيعة الخطوة اذ أن الحريري علّق العمل السياسي ولم يعتزل. وعمّت الاحتجاجات البلاد من مناصري الصدر ما اضطر قيادة العمليات المشتركة الى اعلان حظر التجول.

إعلامي عراقي مقيم في بغداد وصف الوضع بعد اعلان الصدر اعتزاله النهائي، بـ”كلش مليوص” أي على أعلى درجات الاضطراب والارتباك، مشيراً الى تداخل مسألتي المرجعية الشيعية والمرجعية السياسية لشيعة العراق، بصورة حساسة للغاية، مع بوادر التحرك الايراني بعدما انتظرت طهران طويلاً عودة مقتدى الصدر الى طاعتها، لتقلب الطاولة والوضع العراقي رأساً على عقب بما لا تحمد عقباه وبما لا يمكن تقدير تداعياته في المدى المنظور.

الاعلامي العراقي، المحب للبنان والمتابع للسياسة فيه، قال: “الآن صار الوضع كلش مليوص… من بيروت الى بغداد. اليد الايرانية ذاتها”.

وبالعودة الى الملف الحكومي، فمن المنتظر ان يزور الرئيس المكلف قصر بعبدا غداً الأربعاء، واعتبرت مصادر “التيار الوطني الحر” أن اللقاء الخامس سيكون حاسماً وفاصلاً، في حين أكدت أوساط الرئيس المكلف أنه اذا لم تتم الزيارة يوم غد، فإن لذلك مدلولات غير ايجابية وربما يكون باب التفاهم قد أغلق، مع الاشارة الى أن ميقاتي سيستنفد كل محاولاته وجهوده لولادة الحكومة ضمن الثوابت والمسلمات التي يعمل عليها أي لا هدايا سياسية أو وزارية لأحد ولا تغليب لكفة جهة على أخرى أو ثلث معطل لأي طرف. وهنا لا بد من التأكيد أن ما من جهة تريد اعطاء جبران باسيل الثلث المعطل حتى حليفه “حزب الله” يرفض ذلك، بمعنى أن الكل موافق على التشكيلة الحكومية الا باسيل. الرئيس ميقاتي تنازل كثيراً، ولم يترك أي ذريعة لرفض التشكيلة حتى أنه قال لرئيس الجمهورية بأن يسمّي الوزيرين في الوزارتين المعدلتين لكن مع ضرورة مراعاة وليد جنبلاط والنواب السنّة في عكار، الا أن عون يريد تشكيل حكومة بنفوذ باسيلي صرف، وهو اليوم أمام خيارين: اما أن يعمل وفق المصلحة العليا ويرجح كفة الشعب اللبناني بأكمله أو يعمل وفق المصلحة الشخصية، ويرجح الكفة لصالح صهره.

وكان ميقاتي زار أمس، رئيس مجلس النواب نبيه بري، وغادر من دون الادلاء بأي تصريح، الا أن المعلومات أشارت الى أن مسؤولاً من “حزب الله” كان قد زار الرئيس ميقاتي في دارته وتشاور معه في مستجدات الملف الحكومي، واستمع الى وجهة نظره من التشكيل وحكومة المرحلة التي يجب ألا تخضع لشروط ومطالب فئوية، وأنه يقبل بتعويم حكومة الـ24 وزيراً مع تغيير اسمين أو ثلاثة، وصدور مراسيم باستنساخ الحكومة الحالية شرط المحافظة على التوازن السياسي وعدم تغييره، أي أنه يرفض أن يعطي باسيل الثلث المعطل، كما يرفض أي توزير اضافي.

وعلى ضفة الاستحقاق الرئاسي، بات كثيرون على قناعة بأن الانتخابات الرئاسية لن تحصل في موعدها الدستوري بحيث أشار أحد المحللين الى أن هذا هو الخيار السائد حالياً وهناك قناعة بأنه في حال حصلت الانتخابات الرئاسية ووصل مرشح “حزب الله”، فهذا يعني أننا ذاهبون الى ادارة الأزمة وليس الى ايجاد حل لها، واذا حصل التغيير، فإن ذلك سيأخذنا الى حرب قبل الحل بحيث أن الحرب ستكون مدخلاً للحل. وهذا ما يتخوف منه “حزب الله” لأن أي حرب مقبلة ستكون الأخيرة بمعنى أنه سيحصل تغيير في موازين القوى على الساحة اللبنانية.

وفيما يرمي كثيرون مسؤولية الأزمات التي يعاني منها البلد على الخارج، ويعتبرون أن الانفراج لا يمكن أن يأتي سوى بتدخل خارجي، عربي ودولي، ويعوّلون على الأجواء الايجابية في المفاوضات النووية والمحادثات السعودية – الايرانية التي ستؤثر على الاستحقاقات الدستورية، يشير أحد المحللين السياسيين الى أن العوامل الاقليمية والدولية تؤثر دائماً على لبنان، لكن السؤال الذي يطرح الى أي مدى يمكن أن يؤثر تطور الملفات الاقليمية والدولية سواء على مستوى الملف النووي أو الحوار الايراني – السعودي على مسار الأزمة في لبنان وفي ملف ترسيم الحدود البحرية؟ في السنوات الاخيرة شهدنا نوعاً من الخصوصية اللبنانية بحيث يمكن القول ان لبنان بات خارج هذه التأثيرات الى حد كبير بمعنى أننا نرى تفاوضاً أميركياً – ايرانياً، ومفاوضات ايجابية على صعيد الملف النووي، ولا نرى انعكاساً لذلك على الوضع اللبناني، وهذا ينطبق على الحوار السعودي – الايراني. إذاً، نلمس أن التعامل مع لبنان دولياً وعربياً منذ قمة الكويت الخليجية، ينطلق من الورقة التي سلمت الى لبنان، وتضمنت جملة شروط لها علاقة بموقع “حزب الله” في المعادلة في السلطة اللبنانية أي مسألة السلاح وتطبيق القرارات الدولية والحدود إضافة الى ملفات متعددة وشائكة. وبالتالي، طالما لم يتعامل لبنان مع هذه الورقة بجدية، وطالما أن “حزب الله” لن يقبل البحث في هذه الشروط، فلن ينعكس التطور على مستوى الاتفاق النووي أو في التفاوض السعودي – الايراني بصورة مهمة ومؤثرة على الوضع اللبناني الداخلي. وهذا الأمر نفسه يمكن أن نلاحظه في التعامل الأميركي مع لبنان لأننا في كل مرحلة التفاوض الاقليمي والدولي مع ايران لم نر أي موقف أو اشارة سواء من الجانب الايراني أو الأميركي أو السعودي تدل على أن التفاهمات يمكن أن تؤدي الى نتائج ايجابية لمعالجة الأزمة في لبنان. وهنا لا بد من التأكيد أنه اذا أردنا معالجة الأزمة لا ننتظر دور الخارج. والقول ان الخارج هو سبب الأزمة مجاف للحقيقة اذ أن الكل يدرك في لبنان أن عنصر الفساد وادارة الدولة بالطريقة التي تمت أوصلت البلاد الى ما هي عليه. نحن بحاجة الى مسار جديد أو ادارة جديدة في لبنان، لكن هذا ما لم نلمسه الى اليوم لا في التشكيل الحكومي ولا في مقاربة الاستحقاق الرئاسي ولا في مقاربة الاصلاحات أو معالجة الأزمة المالية والاقتصادية. لا خطوة تدل على أن هناك جدية ونية فعلية لدى المنظومة الحاكمة بتغيير سلوكها. وبالتالي، لا يمكن أن نغمض أعيننا عن سوء الادارة الداخلية، ونقول ان التغيير الخارجي سينعكس ايجاباً على الوضع الداخلي. وهنا نسأل: كيف يمكن أن تنعكس التطورات الخارجية ايجاباً اذا لم تكن هناك نية داخلية باتجاه التغيير في السياسات؟ مهما حصل في الخارج، طالما لا نية داخلية في التغيير ومعالجة الأزمات، لا يمكن أن تنعكس الملفات الاقليمية والدولية على لبنان مهما بلغت من ايجابية خصوصاً أن هذه الحوارات لا تتضمن الملف اللبناني. المطلوب أولاً، خطوات داخلية قد تلاقيها التطورات الخارجية والمبادرات لمساعدة لبنان. وطالما ليس هناك من مبادرة داخلية، فليس هناك من تأثير ايجابي للاتفاقات الاقليمية والدولية على الوضع اللبناني. وقد يكون الهدف من التعقيدات على المستوى الحكومي والرئاسي، استدراج الخارج الى التدخل. والغريب اليوم أنه لأول مرة في تاريخ لبنان خصوصاً في الحقبات التي تشهد عرقلة في الاستحقاقات الدستورية، لا تسجّل أي حركة خارجية تجاه لبنان وكأن لا أحد مهتم بالاستحقاقات الداخلية. هناك محاولة من المنظومة أن تظهر أن المشكلة بإسم الرئيس وأي رئيس علماً أن المشكلة بأي جمهورية نريد وأي دولة وأي ادارة للبلد، يهربون من المشكلة الأساسية والجوهرية. وبالتالي، هناك محاولة لاستدراج الخارج لنقل النقاش حول اسم الرئيس، وليس هناك من اهتمام لا عربي ولا دولي. وهذا يؤكد أن التطورات في المنطقة والأجواء الايجابية في الملف النووي، لن تؤثر على الداخل اللبناني.

الترسيم البحري والايجابية

أما على صعيد ملف الترسيم البحري الحدودي، فقد أشارت المعلومات الى أن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عقد اجتماعاً مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في 27 الجاري في اليونان، وتم الاتفاق على الجانب السياسي من الملف، فيما يبقى وضع الإطار القانوني حول أمور عملانية تفصيليّة تقنيّة تساعد على الترسيم.

وفيما يتم تسريب معلومات عن أن اسرائيل لا تريد التوقيع قبل الانتخابات الإسرائيلية في تشرين الثاني المقبل، في حين أن لبنان يتخوف من عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة مجلس الوزراء الإسرائيلي، والعودة الى نقطة الصفر في ملف الترسيم، لفت مصدر معني لـ “لبنان الكبير” الى أن من المتوقع أن يعود هوكشتاين الى بيروت هذا الأسبوع مع الجواب الخطي الإسرائيلي، معتبراً أن التفاوض البحري يسير باتجاه ايجابي، ويتوقع توقيع الاتفاق في وقت قريب قد يكون في منتصف أيلول أو آخره. ومن الواضح أن الخلافات أصبحت محدودة وشكلية طالما أن العنوان الأساس في المفاوضات أن لبنان وافق على ما طلبته اسرائيل على الأقل في مسألة حقل ” كاريش”، والتفاوض يتم على أساس خط 23 وليس 29. ليس هناك من عقبات مهمة في مسيرة التفاوض على الحدود لأن اسرائيل حققت ما تريده على هذا الصعيد. و90 في المئة من الحلول أنجزت، وتبقى 10 في المئة التفصيلية.

وفي هذا السياق، أشارت الـقـنـاة الثانية عشرة العبرية الى أن “إسرائيل ولبنان يقتربان على ما يبدو من إبرام اتفاق حول الحدود البحرية بينهما بوساطة الولايات المتحدة”، موضحة أنه “بموجب الإتفاق سيجري إعادة تعيين الحدود البحرية بحيث ستقام منصتان واحدة في لبنان وأخرى في إسرائيل على مسافة خمسة كيلومترات من بعضهما البعض بحيث سيتم تحقيق توازن الرعب والذي سيمنع أطرافاً مختلفة من مهاجمة المنصة الإسرائيلية”.

اضراب “أوجيرو” … والعيد الـ 77 للأمن العام

وفيما أعلن موظفو هيئة “أوجيرو” عن بدء الإضراب العام في كل القطاعات وتوقف كل أعمال الصيانة والتشغيل من دون استثناء في كل مراكز الهيئة على الأراضي اللبنانية بدءاً من اليوم الى حين تصحيح الأجور، ناشد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي القضاء تسريع المحاكمات، وقال: “هذا الأسبوع سنقدم أكثر من دراسة واضحة من حيث عدد السجناء”، وذلك خلال احتفال لمناسبة العيد الـ 77 للأمن العام، فيما دعا المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الى “التعالي على المصالح الشخصية من أجل لبنان، والتكاتف والعمل على إنتشاله من أزماته”.

شارك المقال