ذكرى “المُغيّب”… رئاسة غائبة… وإنشغال بالشبه الايراني مع العراق

لبنان الكبير

غداً الأول من أيلول الذي يفترض أن يكون محطة مهمة لا بل انطلاقة لمرحلة دستورية يستبشر بها اللبنانيون خيراً لأنها ستشهد على نهاية عهد تذوقوا فيه كل أنواع المرارة. ستون يوماً بالتمام والكمال تفصل البلاد عن عهد جديد وسيفتح المجلس النيابي أبوابه أمام النواب لينتخبوا رئيساً للأمة، ويتحول الى هيئة ناخبة، لكن من المتوقع أن ينسحب الكباش السياسي الذي حصل أمس حول “الكابيتال كونترول” على جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليتربع الفراغ على كرسي بعبدا ويصبح صاحب الفخامة من دون منازع.

واذا كان الجميع ينتظر كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم في الذكرى 44 لتغييب الامام موسى الصدر والتي سيتطرق فيها الى الملفين الحكومي والرئاسي وستكون بمثابة خارطة طريق للمرحلة المقبلة كما أشارت أوساطه لـ”لبنان الكبير”، فإن كل الكتل النيابية تنتظر دعوته الى جلسة لانتخاب رئيس من المتوقع أن يحدد موعدها في منتصف الشهر المقبل في وقت يستمر الدفع والوساطات لاخراج الحكومة من قمقم التعطيل والشروط والمطالب الباسيلية.

وفي هذا الاطار، أكدت أوساط القصر الجمهوري لـ “لبنان الكبير” أن “الأجواء الايجابية التي كانت سائدة منذ أيام لا تزال على حالها، والتأخير بسبب عملية شد الحبال، ولا نزال في اتجاه تشكيل الحكومة بانتظار اللقاء الحاسم بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، والذي يجب أن يحصل خلال هذا الأسبوع مع التأكيد أنه حصل نوع من تفاهم بينهما على الاسمين المقترحين لوزارتي المهجرين والاقتصاد مع التوافق على أن يكون الوزير السني حكماً من عكار، لكن تبقى بعض التفاصيل الصغيرة التي لا نريد البوح بها حرصاً على عملية التشكيل لأنه كما يقال الشياطين تكمن في التفاصيل”. أما المصادر المقربة من الرئيس ميقاتي، فاعتبرت أن من الطبيعي أن يقوم بزيارة الى القصر الجمهوري لاستكمال ما تم التوصل اليه في موضوع الحكومة. الرئيس المكلف لا يزال يسعى وسيستكمل مسعاه الى آخر لحظة للتشكيل، والأبواب لم تقفل في وجه الحكومة الجديدة التي هي حاجة لكل البلد في المرحلة المقبلة. وأي وساطة تتدخل لتسريع التأليف مرحب بها، لكن لا نزال في مرحلة المراوحة، ولا تقدم يذكر على الرغم من أن التشكيل انحصر بعناوين ضيقة جداً، لكن في الوقت نفسه لا يمكن الاستهانة بهذه التفاصيل لأنها تدخل في التركيبة اللبنانية. هناك أطراف تقيم حسابات رئاسية من خلال التشكيل، لذلك نشهد تأخيراً على هذا المستوى. من هنا أهمية اللقاء القريب بين الرئيسين لتذليل العقبات المتبقية. وبغض النظر عن طبيعة اللقاء ان كان فاصلاً أو حاسماً، فإنه بحد ذاته جيد، والتعويل اليوم على العلاقة القائمة بين الرئيسين والتي تحكمها المودة والاحترام. وفي الخلاصة يمكن القول ان الأمل بولادة حكومة جديدة لا يزال موجوداً.

وفيما أبدى الرئيس ميقاتي تفاؤله بتشكيل الحكومة، وعدم ممانعته أن يسمّي الرئيس عون البديلين باعتبارهما من حصته، لكنه أيضاً بحاجة الى الحصول على دعم نواب عكار السنّة ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، لتنال الحكومة الثقة المطلوبة، أكد مصدر متابع لـ “لبنان الكبير” أن العقبة في التشكيل سببها سياسة الكيديات، ولا نتوقع تشكيل حكومة الا اذا تنازل النائب جبران باسيل عن مطالبه الكثيرة وحساباته ذات الأبعاد المتنوعة. ولا يجوز أن ننسى أنه لا يزال مرشحاً غير معلن لرئاسة الجمهورية. اذاً، العقدة ليست في وزيرين أو حقيبتين انما في مكان آخر، وهنا ننتظر دور “حزب الله” في هذا الاطار والذي قد يفضي من خلال وساطته الى حلول يرضى بها طرفا التأليف، لكن حتى الآن العقدة هي في الثلث المعطل. الكرة اليوم في ملعب الحزب ومدى تأثيره على حليفه. وهنا لا بد أن نسأل: هل هناك من قطبة مخفية في التشكيل؟ هل يتراجع باسيل عن مطالبه؟ الاجابة عن هذه الأسئلة صعب لأن لا أحد يعلم بزواريب التأليف، وعلينا انتظار الوساطة التي قد تنجح أو لا تنجح. ولا بد من الاشارة الى أن الجميع يتحدث عن أزمة الرئاسة الأولى كأنها حول مواصفات الرئيس وشخصيته في حين أن الأزمة الحقيقية هي أزمة نظام. هذا النظام الذي يأكل ما تبقى من الدولة، والدليل الانتخابات النيابية الأخيرة التي لم تغير في المشهد السياسي بحيث أن المتهمين بالفساد عادوا الى المجلس النيابي كأن شيئاً لم يتغير. والسؤال هنا: اذا انتخبنا رئيساً للجمهورية، ماذا عن اليوم التالي؟ وكيف سيدير الأزمة طالما أن الذين أوصلوا البلد الى ما هو عليه اليوم هم الذين يتحكمون باللعبة في المجلس النيابي وفي الحياة السياسية؟ لا بد من تسوية خارجية يصار في ضوئها الى انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تتولى الاصلاحات .

على صعيد آخر، يراقب اللبنانيون باهتمام التطورات في العراق نظراً الى تشابه الأوضاع بينه وبين لبنان ان كان لناحية التنوع السياسي والطائفي، والحضور الأميركي والايراني الوازن، أو لناحية الظروف الاقتصادية الصعبة والفساد. وعلى الرغم من التشابه في الظروف بين البلدين الا أن المحللين والمطلعين على الأوضاع العراقية واللبنانية يؤكدون أن هناك استبعاداً كلياً للمواجهة أو لحرب أهلية في لبنان لأن الحرب ستكون مدمرة نظراً الى تعددية المجتمع اللبناني. كما أن في العراق معارضة شيعية ضد التدخل الايراني في حين أن في لبنان هناك افتقار الى معارضة شيعية لهذا التدخل، لكن ليس مستبعداً أن يكون هناك تشابه بين البلدين على المستوى السياسي، وينعكس التدخل الايراني على الاستحقاق الرئاسي خصوصاً أن كل المؤشرات تدل على أن البلد سيشهد فراغاً على هذا الصعيد. لبنان والعراق حديقة خلفية لايران مع العلم أن الأزمة في العراق أكبر في ظل الانشقاق الشيعي الكبير خصوصاً اليوم حيث أصبح الانقسام دموياً. في لبنان من المستبعد أن يحصل الانقسام بشكله العراقي، لكن الاضطراب الايراني في العراق قد يشجع بعض الأطراف المناوئة للثنائي الشيعي في لبنان على التشدد. لبنان بعد أزمة العراق مؤهل لأسباب اقتصادية أكثر منها سياسية لفوضى أهلية لكن العنف الأهلي مستبعد. هذه الفوضى نتيجة الأوضاع الاقتصادية يمكن أن تتأثر بالعراق على اعتبار أن الهيمنة الايرانية على العراق في مرحلة سيئة جداً، ستؤدي الى احتدام الصراعات الداخلية اللبنانية مع من يمثل الهيمنة الايرانية في لبنان. ويبقى ما هو مؤكد أن خصوم الهيمنة الايرانية كما الموالين لها في لبنان لا يرغبون في المواجهة، ويتجنبونها بعد تجربة الحرب الاهلية.

وفي السياق، لفت أحد المتخصصين في الشؤون الايرانية الى أنه منذ فترة، أهم ما يحصل في العراق هو صعود الوطنية العراقية. ما يحصل اليوم بداية، والنهاية تتطلب وقتاً لتنضج وليس بهذه السرعة سينتهي الوضع والدليل على ذلك انسحاب الصدر الذي اعتبره انسحاباً مؤقتاً، اضافة الى اعلان المرجع الشيعي كاظم الحائري، توقفه عن مهامه كمرجع ديني ومطالبته الناس بطاعة المرشد الايراني علي خامنئي. هذان الانسحابان يتطلبان وقتاً ليظهر تأثيرهما العميق على الحالة العراقية. المشكلة في العمق لن تنتهي قريباً بل المعركة طويلة جداً وستكون عميقة ومكلفة، ولا أحد مستعجل على النتيجة. ثبت منذ العام 2003 أن النظام العراقي تلبنن سواء مذهبياً أو سياسياً، والعراق هو الباحة الخلفية، لكن الأساسية لتطورات المنطقة. حرب العراق أثرت كثيراً على المنطقة ككل ومن المتوقع أن تؤثر الأوضاع الحالية أكثر فأكثر. وكما تلبنن النظام العراقي، فإن العرقلة في المنطقة، وما يحصل في العراق اليوم سيساهم في انتاج تحولات، وحالة لبنانية جديدة لكن ليس الآن انما تتطلب وقتاً. لبنان مقبل على تحولات قد لا تكون مشابهة للعراق لأن الوطنية اللبنانية لا تزال غارقة بانتماءات مذهبية عميقة وطائفية وانتماءات الى الخارج. اما في العراق، فالوضع مختلف نوعاً ما، فهو الساحة الخلفية لما سيحصل في المنطقة. ولبنان أصغر من أن يقسم، لذلك وضعه أصعب بكثير من العراق، الذي تعتبر المشكلة الأساسية فيه اهمال العرب له بعد العام 2003 بحيث أنتج نمواً للنفوذ الايراني.

شارك المقال