بايدن يحتضن مفاوضات لبنان واسرائيل… وذكرى الصدر لرئيس يجمع

لبنان الكبير

حدثان اخترقا الجمود السياسي أمس، الأول يتعلق بملف التشكيل الحكومي وزيارة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى القصر الجمهوري، والثاني احياء الذكرى 44 لتغييب الامام موسى الصدر ومواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من مختلف القضايا والملفات، الا أن الحدث المفاجئ جاء من واشنطن حيث دخل البيت الأبيض مباشرة على خط المواقف الايجابية المتصلة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، باعلانه أن “حلّ النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل أولوية لإدارة الرئيس جو بايدن والتوصل الى اتفاق ترسيم الحدود محتمل، ونحاول تضييق الخلاف بين إسرائيل ولبنان حوله”، موجهاً التحية الى “روح التشاور للمفاوضين اللبنانيين والإسرائيليين حول الحدود”.

هذا الموقف الذي أتى عشية عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت، اعتبره متابع لملف الترسيم في حديث لـ “لبنان الكبير”، في غاية الاهمية، ويعكس مدى اهتمام أعلى المرجعيات الأميركية بملف التفاوض غير المباشر بين لبنان واسرائيل، واصرار الولايات المتحدة الأميركية على انجاز الاتفاق بينهما، ولكن لا يمكن أن نضع هذا الموقف في خانة الايجابية أو السلبية لأنه قد يحمل أكثر من تفسير: اما أن أميركا تريد تسهيل مهمة الوسيط قبل عودته الى لبنان، وبالتالي، تعطي دفعاً ايجابياً معنوياً للملف، وتسريع التوقيع على الاتفاق الذي أنجزت خطوطه العريضة، ليبقى بعض التفاصيل الصغيرة قبل الاطار التنفيذي، أو أن هناك طارئاً سلبياً استجد، لم يكن في الحسبان، ما استدعى تدخل البيت الأبيض.

وبالعودة الى الملف الحكومي، استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون، الرئيس المكلف، وجرى البحث في موضوع تأليف الحكومة. ولدى دخوله إلى مكتب عون، توجه ميقاتي إلى الاعلاميين ممازحاً: “الرئيس بري في الجنوب اليوم )امس)، ما فينا نطلع المراسيم”. وغادر من دون الادلاء بأي تصريح.

وحرص المطلعون على أجواء اللقاء على عدم تسريب المعلومات أو المرحلة التي وصل اليها النقاش، الا أن مصادر الرئيس ميقاتي أوضحت لـ”لبنان الكبير” أن “ما جرى يمكن وصفه بالتفاؤل الحذر، اذ لا يجوز الافراط في الايجابية الى حين الوصول الى الخواتيم السعيدة. الاجتماع أتى في اطاره الصحيح لأن المشاورات تؤدي الى تذليل العقد والعقبات الواحدة تلو الأخرى، وربما التكتم حول مجريات اللقاء يعني أن هناك تقدماً في مكان ما، وأن هناك خطوة اضافية في الاتجاه الصحيح نحو التشكيل. وقد تكون مزحة ميقاتي عن أن الرئيس بري في الجنوب اليوم (امس)، ما فينا نطلع المراسيم، رسالة مفادها أن التشكيل أصبح قريباً”.

ولفت أحد النواب الى أن لا معلومات عن اللقاء الذي دام لفترة توحي بأن هناك نقاشاً جدياً وأننا نقترب من التشكيل، لذلك هناك حرص على عدم تسريب المعلومات للاعلام كي لا تحصل أي عرقلة أو سجال الكل بغنى عنه في هذه المرحلة، مؤكداً أن الأجواء اليوم أكثر ايجابية من الأيام القليلة الماضية، والرئيس ميقاتي لن يتوقف عند مواقف باسيل التصعيدية تجاهه لأنه يريد التأليف أي أن يأكل العنب لا أن يقتل الناطور، مع العلم أن النقاش اليوم حول امكان تعويم الحكومة الحالية أو إجراء تعديلات طفيفة عليها في وزارتي المهجرين والاقتصاد.

بري: سنقترع لشخصية تجمع

جرياً على عادته، تحدث الرئيس بري في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، وقدم جردة حساب لما سبق، وقوّم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتزامن الذكرى هذا العام مع موعد تاريخي ومفصلي حيث تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية. وانتظرت مختلف الكتل النيابية الاطلالة الأولى لبري على الاستحقاق من بوابة اضطلاعه بدوره الدستوري في الدعوات الى الجلسات الانتخابية، كما انتظرها اللبنانيون من بوابة المواقف السياسية التي سيطلقها خصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاقين الرئاسي والحكومي وملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل.

وقال بري: “ما حدا يراهن على خلاف بين حركة أمل وحزب الله”. ولفت الى أن “المفاوضات غير المباشرة مستعدون لها لكن ليس إلى أجل غير مسمى، وسندافع عن حدودنا وأرضنا وغازنا ونفطنا بكل ما نملك من قدرات كما دافعنا في البر.”

واعتبر أن “لبنان ليس بخير بكل صراحة وشفافية، ويمر بأسوأ مرحلة في تاريخه والبعض يقاربها بأسوأ عقلية كيداً ونكداً”، متسائلاً: “هل يوجد في العالم بلد بتغذية صفر كهرباء وتكون الحجة: ما خلونا؟ هل يعقل أن يحرم لبنان من الغاز المصري والأردني لعدم تشكيل هيئة ناظمة في وزارة الطاقة وهي التي استنزفت ثلث مالية الدولة وتكون الحجة: انو غيرو القانون بدل ما يطبقوه؟”.

وأشار الى “أننا دخلنا اليوم الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، ليس مسموحاً العبث بالدستور أو التمرد عليه تلبية لمطامح هذا أو ذاك من المرشحين. ليس مشروعاً الاستسلام لبعض الارادات الخبيثة التي تسعى الى اسقاط البلد في دوامة الفراغ، وعلى عاتق المجلس النيابي الحالي مهمة انقاذ لبنان”، داعياً النواب الى “أن يكونوا صوتاً لانجاز الاستحقاقات الدستورية في مواقيتها.”

وشدد على “أننا سنقترع للشخصية التي تجمع ولا تقسم وللشخصية التي توحد ولا تفرق وللشخصية المؤمنة بالثوابت القومية والوطنية وتعتقد اعتقاداً راسخاً أن اسرائيل تمثل تهديداً لوجود لبنان، وما حدا يزايد على حدا بالسيادة”.

وفي قراءة لمواقف بري، رأى أحد المحللين أنها بمثابة خارطة طريق لمختلف الملفات والاستحقاقات، ودفع كل الشبهات حول حقيقة حركة “أمل” وقوة حضورها السياسي والشعبي، وأكد الموقف الثابت من ترسيم الحدود وعدم التنازل عن أي قطرة من حقوق لبنان، وهدد بفسخ العقود مع “توتال” اذا لم تبادر الى التنقيب في البلوكات غير المتنازع عليها. كما شدد على حماية حقوق المودعين، ودعا الى تشكيل الحكومة، مبدياً الاستعداد لتسهيل التشكيل. والأهم من كل ذلك، قطع بري الطريق على محاولات تجاوز الدستور بخصوص عدم مشروعية تسليم السلطة لحكومة تصريف الأعمال، وسخر من شعار “ما خلونا”.

تخبط وضياع في “التيار الوطني الحر”

من ناحية أخرى، وفيما يحاول الرئيس المكلف تذليل العقد الحكومية مع رئيس الجمهورية، استبق النائب جبران باسيل زيارته الى القصر الجمهوري بتصريحات تصعيدية، اذ اعتبر أن جلّ ما في الأمر أن ميقاتي يتحدث عن “فتوى دستورية تتيح لحكومة تصريف الأعمال تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية. وميقاتي ومن يدعمه فهموا أن حكومته الحالية لن تحكم، ولن نقبل بذلك، ورح نعمل مشكل كبير بالبلد”.

كلام اعتبره سياسيون يعكس تخبطاً وضياعاً لدى “التيار الوطني الحر” الذي لا يستوعب أن العهد أشرف على نهايته، فليترك اللبنانيين ولا يزيد من همومهم. انها قنابل دخانية متنوعة، للحصول على الثلث المعطل في حكومة من المرجح أن تستلم السلطة بعد نهاية العهد وفي ظل الفراغ الرئاسي المتوقع، لكن كل الخطوات والاجراءات التي يتحدث عنها مناقضة للدستور الا اذا كان يحضر أو يمهد للانقلاب عليه، لكنه أعجز من أن ينقلب على الدستور. واذا كان هناك من امعان واصرار من “التيار الوطني الحر” على إفراغ المؤسسات وادخالنا في المجهول، فهذا موضوع آخر. فلينكب الجميع على اجراء الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس جديد، ولنتخلص من الاجتهادات الدستورية، والطعن الهادف بالدستور لأن من يحاول تعطيل الاستحقاق الدستوري يدخل البلد الى جحيم لا تحمد عقباه. لا يحق لأي فريق سياسي وضع المطالب والعراقيل أمام الاستحقاقات الدستورية التي من شأنها أن تضع البلاد على سكة التعافي خصوصاً التعافي الاقتصادي والاجتماعي. فليتواضع الجميع وليحتكموا الى الدستور وليعملوا على تسيير أمور الناس قبل الحصص والطموحات. ولا بد من أن نسأل الصهر هنا: مع من تريد المشكل الكبير؟ مع حلفائك؟ أنت تناقض نفسك. كيف تقول ان الثنائي الشيعي يدعم ميقاتي، وتيارك منذ سنوات يغطي “حزب الله” الذي هو اليوم داعم لميقاتي؟ انها مسخرة. سئم اللبنانيون من هذا الكلام ومن هذا اللعب على حبال السلطة. لا أحد يريد المشكلات في البلد المهترئ على الصعد كافة. ما من فريق جاهز أو لديه نية في الذهاب الى المشكلات انما نفكر كيف يمكن اخراج البلد من مشكلاته وليس فتح مشكلات جانبية بين الفرقاء السياسيين. ثم هل يريدنا باسيل أن نصدق عندما يقول انه “حتى اليوم لم نفاوض أحداً في الموضوع الحكومي”؟ اذا أردنا ان نفكر بنية حسنة وبسيطة، نسأل: اذا لم يأخذ الرئيس ميقاتي رأي باسيل، فهل نصدق أن الرئيس عون لم يأخذ رأيه؟ هذا الكلام غير جدي انما كلام للاعلام لأن الجميع يعرف ومنذ 6 سنوات أن باسيل هو الرئيس الظل، وبات الأمر يختلط على اللبنانيين ان كان يتحدث باسمه أو باسم رئيس الجمهورية. كل الأمور واضحة وضوح الشمس، وهوية المعطل مكشوفة ومعروفة ولا داعي للمناورات في هذه الأوقات الصعبة.

شارك المقال