هستيريا دولارية وكيدية عونية لا تشبع

لبنان الكبير

على ايقاع تحذيرات وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاترين كولونا من هشاشة الوضع اللبناني وأن فرنسا ستستخدم نفوذها لوقف الاهمال والتعسف، عاش اللبنانيون أمس يوماً هستيرياً لناحية ارتفاع سعر صرف الدولار الذي حلق الى ما فوق الـ35 ألف ليرة، حاملاً على جناحيه ارتفاعاً في أسعار السلع الغذائية والدوائية والمحروقات من بنزين ومازوت وغاز، بحيث سارع أصحاب المحطات الى رفع خراطيمها، والمواطنون الى تعبئة سياراتهم بالبنزين تحسباً لأي تصعيد لأنهم تذوقوا من هذه الكأس مراراً وتكراراً على مدى ثلاث سنوات ما خلق نوعاً من البلبلة.

كل ذلك تحت أنظار المسؤولين الذين يثبتون عند كل أزمة تفوقهم في لامبالاتهم، فيتركون الشعب أسير الفقر والبؤس حتى أن كل المناشدات الدولية بضرورة اتخاذهم القرارات الحاسمة للاصلاح لم تجد معهم نفعاً.

وفيما لم تسجل أي خطوة جديدة في ملف التشكيل الحكومي أمس، أكد مصدر نيابي متابع أن هناك ارادة لدى كل الأفرقاء لتشكيل حكومة تكون كاملة الصلاحيات في حال حصل الفراغ الرئاسي. وكشف في تصريح لـ”لبنان الكبير” أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في زيارته الأخيرة الى القصر الجمهوري كان واضحاً جداً لناحية الاصرار على تشكيل حكومة تكون متطابقة مع الحكومة الحالية مع تغيير بسيط يطال وزارتي الاقتصاد والمهجرين أي وزارة من حصة السنّة وأخرى من حصة الدروز. ومن الطبيعي أن يكون الاسم السني مقبولاً من نواب المنية – الضنية وعكار، والاسم الدرزي مقبولاً من قبل الحزب “التقدمي الاشتراكي”، لكن فريق رئيس الجمهورية أصرّ في اللقاء الأخير على أن يضع ميقاتي لائحة تضم 22 وزيراً أي الأسماء التي لا تعديل فيها على أن يضع فريق القصر الجمهوري الاسمين المعدلين في الصيغة الجديدة أي اسمي وزير المهجرين ووزير الاقتصاد، وذلك من دون اطلاع الرئيس ميقاتي عليهما الا مع اعلان مراسيم التأليف أو قبلها بقليل. وهذا ما لم يقبل به الرئيس المكلف الذي قال لرئيس الجمهورية ميشال عون: يمكنك تسمية هذين الاسمين، لكن فلنضع لائحة من الأسماء تلقى موافقة الفريقين المعنيين أي السني والدرزي ثم أنت تختار الاسم الذي تريد بمعنى أن يأتي وزيران غير مستفزين للطرفين. هنا يمكن قراءة التالي: بعد الضغط من “الثنائي الشيعي” على فريق العهد بعدم الذهاب الى حكومة موسعة بزيادة 6 وزراء، ذهب الى طرح جديد يهدف الى تفشيل التأليف لأنه يعلم أننا مقبلون على مرحلة الفراغ الرئاسي، وتبقى حكومة تصريف الأعمال، وكل اللبنانيين سمعوا الاجتهادات التي يحضرها الفريق الرئاسي في هذا الاطار، وهنا يكمن بيت القصيد في الوصول الى هذه النقطة. ولا بد من متابعة مسار التشكيل، وليحكم اللبنانيون على المعطلين: رئيس الحكومة كان مصراً على سحب وزارة الطاقة من “التيار الوطني الحر”، فتنازل وأبقى هذه الوزارة من حصة الرئيس ثم تنازل عن تسمية وزيري الاقتصاد والمهجرين، وطلب من الرئيس التسمية، لكن بعد موافقة الطرفين المعنيين على لائحة من الأسماء لأنه بحاجة الى هؤلاء النواب لاعطاء الثقة لحكومته. يوضح هذا المسار أن رئيس الحكومة يتساهل بصورة كبيرة لولادة الحكومة في حين أن القصر الجمهوري يضع عقدة، وعند حلها يستنبط عقدة جديدة لتكر سبحة العقد وصولاً الى حصول شيء ما يراهن عليه العهد وتياره السياسي.

أما الاستحقاق الرئاسي الذي ينتظر دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري المجلس الى جلسات لانتخاب الرئيس بعد الدخول في المهلة الدستورية، فأشار أحد النواب لـ”لبنان الكبير” الى أن الدلائل والأقاويل والوشوشات توحي الى اليوم بأن لا جلسات لانتخاب رئيس الجمهورية قبل شهر تشرين الأول المقبل كي يفسح الرئيس بري المجال للتشريع في بعض القوانين الاصلاحية، وعلى رأسها موازنة 2022 لأنه في حال دعا الى جلسة انتخاب، يتحول المجلس الى هيئة ناخبة فقط ولا يستطيع أن يصوّت على أي قانون. تأخر القوانين واقرارها دفع بري الى التأجيل. ونحن مع الدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن علّ الوحي ينزل على النواب، وينتخبوا رئيساً، وما على اللبنانيين حينها سوى شراء المفرقعات النارية للاحتفاء بنهاية العهد.

ولفت مصدر نيابي آخر الى أن الرئيس بري واضح جداً وهو يدعو كل الأفرقاء الى الحوار، بحيث أننا نريد رئيساً يتواصل مع الجميع ولديه قدرة على اعادة اللحمة الوطنية بين كل الأفرقاء السياسيين ولديه علاقات جيدة مع العالم العربي، وتصحيح هذه العلاقات خصوصاً مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية، ويكون منفتحاً على المجتمع الدولي. الرئيس بري يريد استثمار هذه المرحلة في التشريع الى حين حصول نوع من التوافق على اسم الرئيس المقبل ثم الدعوة الى جلسة لانتخابه. وهذا الرأي فيه نوع من الحكمة اذ لا يجوز الدعوة الى جلسة انتخابية في وقت لا يستطيع أي فريق ايصال أي اسم الى سدة الرئاسة، بمعنى أننا سنكون أمام جلسات لا يكون النصاب فيها مؤمناً، ونأخذ البلد الى شلل أكبر وأكبر.

التيار… مهادنة مع بري ومجابهة مع ميقاتي

على صعيد آخر، وفيما يعتبر الهجوم الذي شنه الرئيس بري في الذكرى الـ44 لتغييب الامام موسى الصدر الأقوى والأعنف على جماعة “ما خلونا”، الا أنه لم يقابل سوى بالصمت المطبق والمريب الذي خيّم على أجواء بعبدا وميرنا الشالوحي بحيث لم يصدر أي رد من النواب والمسؤولين في “التيار الوطني الحر” الذين يرفضون التعليق على هذا الموضوع على اعتبار أنهم لا يريدون الدخول في سجالات لا تجدي نفعاً على حد قول أحد النواب لـ “لبنان الكبير”. هذا الصمت تُطرح حوله علامات استفهام ان كان يأتي في اطار المهادنة وعدم التصعيد على أبواب استحقاقين مصيريين، أو أن “حزب الله” دخل على خط التهدئة بين فريقين حليفين، أو أن “التيار” يعمل على تحضير هجوم مضاد يكون أعنف وربما يتخطى المواقف عبر المنابر أو البيانات.

تفاوتت قراءة المسؤولين والنواب من مختلف الكتل النيابية حول هذا الصمت بحيث اعتبر البعض أنه يدل على أجواء نهاية الحكم وسلطته، ويذكر بسقوط القسطنطينية عندما كان أهل الحكم فيها يناقشون جنس الملائكة، والمدينة والامبراطورية تنهاران. في حين أشار آخرون الى أن “التيار الوطني الحر” أصبح في مرحلة اقتنع فيها بأنه لا يستطيع في نهاية العهد الاستمرار في طريقة المجابهة مع كل الأفرقاء، وهو يركز اليوم على المواجهة مع الرئيس ميقاتي في تشكيل الحكومة، وفرض شروطه عليه لأنه يعتبر أن هذه الحكومة هي التي ستستلم زمام السلطة في ظل الفراغ الرئاسي. وفيما لم تشأ أطراف الدخول في سجالات بين فريقين يعتبران جزءاً من الادارة السياسية التي أوصلت البلد الى ما وصل اليه، وأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، اعتبرت بعض القوى السياسية أن “التيار” لم يرد على الخطاب لأن المرحلة مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية كما يمكن قراءة عدم الرد كمحاولة لمد اليد، وترك الباب مفتوحاً بين الفريقين خصوصاً أن الجو متوتر في البلد، ولا يحتمل المزيد من التشنج. السياسة فن الممكن وليست حلبة مصارعة، ومهما ارتفع سقف الصراع بين الأفرقاء، ستعود العلاقة الى مسارها الطبيعي انطلاقاً من أن ليس هناك من عدو دائم أو صديق دائم.

هوكشتاين قريباً في بيروت… وتأجيل التوقيع وارد

الى ذلك، يترقب المسؤولون عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة نهاية الأسبوع المقبل، وهناك من يقول انه سيأتي في السابع من الشهر الحالي، ومن يقول انه سيأتي في الحادي عشر منه. وأوضحت مصادر مواكبة للملف لـ”لبنان الكبير” أنه لن يحمل معه قبولاً نهائياً أو رفضاً للطرح اللبناني مع العلم أن الأجواء لا تزال ايجابية جداً. لن يكون هناك حل يعطي اللبنانيين حقهم المشروع في المياه قبل استقرار الوضع في اسرائيل واجراء الانتخابات النيابية في أول تشرين الثاني والتي تسبقها الانتخابات الرئاسية اللبنانية. الأمور لم تنضج بعد ليس لناحية الخطوط والحقوق وحسب، وانما بالنسبة الى أصحاب القرار على جانبي الحدود. اسرائيل غير قادرة على اتخاذ قرار في أي اتجاه قبل نتائج الانتخابات لديها مع التأكيد في الوقت عينه أنّ الوساطة الأميركية لن تكون خاضعة لأي ضغط زمني تحت طائلة التهديد والتصعيد، ورسالة البيت الأبيض منذ أيام واضحة في هذا الاطار.

أما أحد النواب المطلعين على الملف، فرأى أن تأجيل التوقيع الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية، وبعد انتهاء ولاية العهد الحالي وارد جداً. لا ترسيم للحدود الا بعد خروج رئيس الجمهورية من بعبدا، وبعد الانتخابات الاسرائيلية. الآن يجري التنظيم بين الطرفين لتأجيل الاتفاق الى ما بعد تشرين الثاني حين تكون انتهت ولاية الرئيس عون والانتخابات الاسرائيلية. وفي حال تم توقيع الاتفاق حينها، نكون وضعنا لبنان على الخارطة النفطية العالمية، وينطلق الخروج من النفق.

شارك المقال