“شهداء القوات” شهود على “عهد معراب لعون”

لبنان الكبير

توحد اللبنانيون في رحلتهم البحرية التي انطلقت من مختلف المناطق عبر المراكب باتجاه الناقورة حول كلمة واحدة وجههوها الى العدو الاسرائيلي والى الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين المتوقع وصوله الى المنطقة قريباً، بأن لبنان متمسك بثروته المائية والنفطية والغازية ولن يسمح بالتفريط بها أو التنازل عنها. الا أن هذا المشهد المضيء لا ينسحب على القوى السياسية التي بانقساماتها أوصلت البلد الى الخراب بحيث أنه قبل أقل من شهرين على نهاية ولاية العهد الحالي، والدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، من المتوقع أن ترتفع حدة الخطابات التي ستجسد حجم الانقسام بين الأطراف خصوصاً المسيحية منها.

غداً يعقد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مؤتمراً صحافياً بعد اجتماع تكتل “لبنان القوي”، يفنّد فيه ملف تأليف الحكومة والاشتباك الدستوري حول حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ الرئاسي، ويرد على مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من سلطة “ما خلونا” التي أطلقها في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر. وبالأمس، شنّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع هجوماً على عهد الانهيار وتياره خلال قداس “شهداء المقاومة اللبنانية” في معراب، ولم يستبعد مصدر نيابي أن يعود “التيار البرتقالي” الى اتهام الطرفين، بري وجعجع، بالتواطؤ الضمني على العهد وفريقه السياسي، لكن الأمور باتت واضحة أمام الجميع، ومن هو المتواطئ الفعلي الذي يخرب البلد ويعقد الصفقات من تحت الطاولة، ويعطل تأليف الحكومة اذا لم تؤمن له الثلث المعطل أو النفوذ الكافي لاستمراره في السلطة في حال الفراغ الرئاسي، كما أنه من خلال حملاته الشرسة على موظفي الفئة الأولى في الدولة، واصراره على التعيينات التي يريدها، يظهر مدى هوسه في التمسك بالسلطة، وتخوفه من فقدانها بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون خصوصاً أنه يعلم أن كثيرين من المستفيدين سيتركونه في المرحلة اللاحقة، وهذا أمر طبيعي. في السياسة هناك تقاطعات، ولا شك أن باسيل سيعمد كعادته إلى إظهار نفسه الحمل الوديع، والكل يريد رشقه بالحجارة لتجييش الرأي العام خصوصاً المسيحي منه، ضد بري وجعجع، واستدراجه للالتفاف حوله انطلاقاً من أنه يتعرض لظلم كبير، وبالتالي، تبرير مقولة “ما خلونا”، لكن هذه الأساليب لم تعد مجدية، ولن تلقى آذاناً صاغية لأنه بعد الانهيارات على الصعد كافة، أصبح الناس على بيّنة مما يجري، ويعرفون تماماً الصدق من الدجل، ولعبة ذر الرماد في العيون باتت قديمة خصوصاً أن الوقائع والأرقام تكشف المستور.

جعجع ليس في موقع الهجوم على أحد انما أجرى تقويماً موضوعياً لما جرى من سياسات وممارسات لا تزال مستمرة حتى الأيام الأخيرة من العهد، وما يحصل في التأليف الحكومي خير دليل، وبدل أن يصب الفريق البرتقالي اهتمامه لانتخاب رئيس سيادي انقاذي وغير فاسد، يستمر في لعبة المحاصصة والمكاسب. وهنا نسأل: هل من حق “التيار الوطني الحر” أن يضحي بالشعب بأكمله الذي بات على مشارف المجاعة من أجل حصة أو مكسب أو وزير أو موقع في الدولة؟ الكل يدرك اليوم أن الهجوم على العهد كالضرب بالميت لأنه لم يعد ينفع البكاء على أطلال سلطة منتهية الصلاحية، لكن ما يستدعي الاستغراب، الاستمرار في الممارسات عينها لا بل التهديد والوعيد باللجوء الى سيناريوات لا تخطر في البال، ويمكن أن تكون لها تداعيات وخيمة. وإذا كان البعض يعتبر أن هجومي بري وجعجع قد أنهيا عهد عون قبل أوانه، فنحن نقول ان العهد انتهى منذ أن أخفق في وعوده التي لم يتحقق منها أي شيء على مدى سنوات، فهل من عاقل يصدق أنه خلال أقل من شهرين سيحقق المعجزات والانجازات، وسيجلب المن والسلوى؟

جعجع: نضحي شرط وحدة المعارضة حول مرشح إنقاذي

أكد رئيس حزب” القوات اللبنانية” خلال قداس في ذكرى الشهداء، بعنوان “العهد لكم” الذي يحمل أكثر من رسالة للشهداء وللعهد المقبل، “أننا مستعدون للتضحية بكل شيء، شرط أن يتجمّع كل فرقاء المعارضة حول مرشح إنقاذي واحد للوصول إلى سدة الحكم، ولكن في حال لم نسلك هذا الطريق فعندها (منكون خنّا الأمانة الشعبية). تتحمّل هذه الفئة من النواب التي تعدّ خارج محور الممانعة، مسؤولية التنسيق في ما بينها لإيصال رئيس إنقاذي فعلي للبنان.”

ولفت جعجع الى “أننا نعيش منذ أكثر من 32 سنة، أكاذيب وغشّ وخداع وتغطية للسماوات بالقبوات. المؤسف أنهم يدّعون أن ما يقومون به بحجّة تحصيل حقوق المسيحيين، وهذه هي الكذبة الأكبر المستخدمة من قبلهم باستمرار في وقت لم يضر أحد بالمسيحيين أكثر منهم. يعطّلون تشكيل حكومة جديدة، ويتحضرون كما دائماً لتعطيل الانتخابات الرئاسية، والأكيد المؤكد أن ذلك ليس من أجل طرح خطة إصلاحية معيّنة بلّ محاولة للإتيان بجبران باسيل أو (حدا من عندو) رئيساً للجمهورية خلفاً لميشال عون. حتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من كل المآسي والخراب الذي تسبّبوا به، ما زالوا مستمرين في النهج التدميري ذاته لهدف واحد وهو الحفاظ على مصالحهم الشخصية”.

وتحدث عن “لبنانهم وعن لبناننا. في لبنانهم، لا دستور ولا ديموقراطية. لبنانُهم لبنان الضحك الدائم على الناس وتخديرهم بطروحات كبيرة جداً غير موجودة، كي يتلّهوا عن أوجاعهم ومصائبهم الكبيرة الموجودة. لبنانهم (التفشيط) الاستراتيجي، والمعادلات المنفوخة، والانتصارات غير الموجودة إلاّ للاستهلاك المحلّي. لبنانُهم الدولة التي تتفكك والمؤسسات التي تنهار والتحالف مع أفشل الفاشلين، ومُصادرة قرار أكثرية اللبنانيين، ووضعهم أمام مصير لا يريدونه. لبنانُهم طوابير الذلّ أمام محطّات البنزين والأفران والدواء المقطوع والكهرباء والمياه المقطوعة، لبنانُهم سرقة ودائع الناس والتصرف بها من دون معرفة أصحابها ولا إرادتهم، والتهريب (عا عينك يا تاجر) وتصنيع الكبتاغون والتجارة فيه، بالتكافل والتضامن مع النظام السوري. لبنانُنا النظام والعمران والتقدم والحضارة والبحبوحة، والدولة”.

وعن جريمة انفجار مرفأ بيروت، قال جعجع: “مهما مرّ الزمن لن ننسى، ولكن أكثر ما لا يمكن نسيانه في جريمة الانفجار، أن البعض يتمتّع بما يكفي من قلّة الإحساس والشعور والضمير والكثير من الفجور تجعله يسخّف الجريمة منذ اللحظة الأولى ويعتبرها مجرّد حادثة، كي يتدخل بشتى الوسائل المعقولة وغير المعقولة من أجل عرقلة التحقيق بحجة الاستنسابية”.

وفي قراءة لتصعيد المواقف، اعتبر أحد المحللين السياسيين أن كل الأفرقاء في هذه المرحلة سيصعدون في خطاباتهم السياسية بهدف الشعبوية، وشد العصب الطائفي. واذا كنا لا نلوم هؤلاء في هذا النوع من الممارسة السياسية التي تعودنا عليها منذ سنوات، إلا أن الصدمة الأكبر من النواب التغييريين الذين قدموا مبادرة رئاسية كانت تعبيراً عن مواصفات الرئيس ولم يقدموا أي طرح أو أي اسم كأنهم يقولون ان اللعبة أكبر منا والقرار ليس بيدنا انما نعمل فقط على تضييع الوقت كباقي السياسيين، ونلعب لعبتهم من خلال تسجيل نقاط في المرمى الخاص بهم على اعتبار أن هناك استحالة بأن يأتي الحل والحلحلة والانفراج من الداخل. وبالتالي، الكل ينتظر التسوية الاقليمية التي ستحصل، وفي ضوئها سيتحدد اسم الرئيس المقبل ان كان من قوى ٨ آذار أو من الجهة المقابلة. اذاً، الكل يناور في الوقت الضائع، والشعب يتعلق بأمل الحلول، لكن في الوقت الحالي لا حياة لمن تنادي مع العلم أن التعويل على قيام جبهة وطنية كبرى تضع البلد على سكة الانقاذ لم يكن في محله أقله الى اليوم. وهنا لا بد من الاشارة الى أنه في حال حصل الصدام الأميركي – الايراني، لا يمكن أن نستبعد أن يذهب “حزب الله” في التحدي الأكبر والنكاية الكبرى، ويسمّي باسيل كرئيس تحدّ.

الراعي: تعمد الشغور مؤامرة بل خيانة بحق لبنان

أعرب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي خلال عظة الأحد عن إدانته “محاولة جعل الآليات الديموقراطية ضد المؤسسات الديموقراطية، وتحويل الأنظمة التي صنعت لتأمين انبثاق السلطة وتداولها بشكل طبيعي وسلمي ودستوري، إلى أدوات تعطيل، يتبين من خلالها وجود مشروع سياسي مناهض للبلاد”، متسائلاً: “من يتولى مسؤولية الفراغ أو الشغور الرئاسي؟ أرئيس الجمهورية الذي شارف عهده على النهاية، أم الحكومة المستقيلة؟”. واعتبر أن “تعمد الشغور الرئاسي مؤامرة على ما يمثل منصب الرئاسة في الجمهورية، بل هو خيانة بحق لبنان”.

وشدد على أن “طرح الشغور الرئاسي، أمر مرفوض من أساسه. فانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية هو المطلوب الأوحد. الكلام عن شغور رئاسي محصور دستورياً باستقالة الرئيس أو وفاته أو سبب قاهر، بحسب منطوق المادتين 73 و 74 من الدستور”، مؤكداً أنه “بات من واجب القوى السياسية الإتفاق على شخصية تحمل المواصفات التي أصبحت معروفة ومكررة، وليبادر المجلس النيابي إلى انتخاب الرئيس الجديد ضمن المهلة الدستورية التي بدأت”.

ودعا “الجميع إلى الكف عن المغامرات والمساومات وعن اعتبار رئاسة الجمهورية ريشة في مهب الريح تتقاذفها الأهواء السياسية والطائفية والمذهبية كما تشاء”.

من جهة ثانية، تحدث الراعي عن الوضع المعيشي في البلاد الذي “يتراجع بشكل مخيف. فنسبة التضخم بلغت نحو 200% مما يعطل القدرة الشرائية مهما تعدلت نسبة الأجور، ونسبة البطالة فاقت هذه السنة الـ40% من القوى العاملة، لذلك إن مسؤولية الدولة اللبنانية أن تلتزم جدياً أمام الشعب بضمان الودائع”.

شارك المقال