حداد للملكة وتحنيط للعهد… هوكشتاين يعبر متفائلاً

لبنان الكبير

غريب أمرها السلطة في لبنان التي أعلنت الحداد الرسمي لمناسبة وفاة ملكة المملكة المتحدة إليزابيث الثانية، لمدة 3 أيّام، ونكست الأعلام على الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات في هذا الحدث الأليم، ولم تعلن الحداد على البلد الذي لم يبق منه سوى الاسم والعلم، ولم تنكس الاعلام على شعب تسببت بموته في جريمة جماعية تقصدت ارتكابها منذ سنوات، ولم تطلب منه السماح والغفران من خلال التعويض له عما ألحقت به من آلام وأوجاع عله يتمكن من النهوض من تحت ركام أزماته وينفض عنه رماد الظلم والقهر والجوع.

إذاً، حداد على الملكة وتحنيط للعهد، على قول مراقب رأى أن الأعلام السود منكسة فوق كل المؤسسات الدستورية وغير الدستورية من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال ولا تحتاج الى مناسبة أليمة لتنكيسها، وما يجري على الصعيد السياسي والاجتماعي والمعيشي والمالي خير دليل، ولم يخترق هذا السواد سوى التفاؤل الذي عبّر عنه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي عاد الى بيروت بعد طول انتظار، وجال على المسؤولين من دون أن يحمل في جعبته أي جديد وفق المعلومات، بحيث أن الضبابية لا تزال تغلف أجواء ملف ترسيم الحدود البحرية ما أدى الى تضارب المعلومات بين من اعتبر أنه ربط الاتفاق بالانتخابات الاسرائيلية، وبين من قال ان هناك مطالب اسرائيلية جديدة، لكن أياً من هذه المعلومات لم تتأكد خصوصاً أن الجانب اللبناني المفاوض يتكتم على سير المفاوضات.

بعد اجتماعه مع رئيس الجمهورية ميشال عون وعرضه لنتائج الاتصالات التي أجراها مع الجانب الاسرائيلي وبعض النقاط المتعلقة بالمفاوضات، واستمع الى وجهة نظر لبنان حيال بعض النقاط التي يجري البحث في شأنها، قال هوكشتاين: “كان اجتماعاً ممتازاً وأعتقد أننا أحرزنا تقدماً جيداً في هذا المجال، وأنا ممتن للرئيس عون على استقباله لي وعلى المناقشات التي أجريناها خلال الاجتماع ومتفائل بالوصول الى اتفاق”. ثم توجه الى عين التينة حيث استقبله رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أكد بحسب ما أفادت “تمسك لبنان باتفاق الإطار وعزمه على استثمار ثرواته في كامل المنطقة الاقتصادية الخاصة به وحقه وسيادته”، مشدداً على “ضرورة العودة الى الناقورة للتفاوض غير المباشر برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية”. واستكمل هوكشتاين لقاءاته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وناقشا الأفكار التي يحملها الموفد الأميركي على أن يصار الى التشاور بشأنها، وابلاغه الجواب عليها في وقت قريب.

وقبل مغادرته، قال هوكشتاين من مطار رفيق الحريري الدولي: “نتقدم في المفاوضات من أجل إبرام اتفاق يكون لصالح الاقتصاد اللبناني، وسنبذل قصارى جهدنا للوصول إلى اتفاق يرضي الجميع”.

وكشف أحد المطلعين على لقاءات التفاوض في حديث لـ “لبنان الكبير” أن ملف الترسيم تقنياً أصبح جاهزاً، لكن الخلاف اليوم على التوقيت اذ أن اسرائيل لا تريد التوقيع في هذه المرحلة لأسباب عدة: أولاً، هي على أبواب انتخابات. ثانياً، الرأي العام في اسرائيل يعتبر أنه في حال حصل توقيع الاتفاق سريعاً، تظهر أنها في موقع ضعف وتوقع تحت ضغط المسيّرات، وهذا يبدو كأنه انتصار لـ “حزب الله”. ثالثاً، التأخير في التوقيع لما بعد ولاية الرئيس عون، اذ وفق المعطيات سيكون هناك شغور على مستوى رئاسة الجمهورية، ويأخذ الجانب الاسرائيلي وقته الى حين انتخاب رئيس جديد لأن التوقيع من صلاحية رئيس الجمهورية بما يعني أنه سيتطلب أشهراً. هوكشتاين أراد من خلال زيارته احتواء الموقف اللبناني، وابلاغ المسؤولين أنه لم يتمكن من الحصول على جواب خطي ونهائي من الجانب الاسرائيلي ليتم الاجتماع في الناقورة والتوقيع على الاتفاق. اسرائيل تستخرج منذ سنوات وتبيع الغاز لمصر، ومن مصلحتها التأخير في التوقيع لأنها لم تتفق حتى الآن مع الأوروبيين على سعر الغاز مع العلم أنها أوقفت العمل في حقل “كاريش”. نحن أمام فترة تهدئة، فاسرائيل قبلت بالطرح اللبناني انما هناك انتظار للتوقيت المناسب لها لتوقيع الاتفاق، وخلال مرحلة الانتظار لن يحصل الاستخراج من “كاريش”، وفي حال أقدمت على مثل هذه الخطوة معناها أن الامور ستتخذ منحى آخر. مع التأكيد أن لبنان استفاد من الحرب الأوكرانية – الروسية في ملف الترسيم الحدودي البحري.

الرجوع عن الخطأ فضيلة

على صعيد آخر، لا تزال قضية تعيين قاض رديف في ملف تحقيق انفجار المرفأ تتفاعل على المستويات كافة، بحيث اقتحم أهالي ضحايا انفجار 4 آب مبنى وزارة العدل، احتجاجاً على طلب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري تعيين قاض رديف، في حين أعلن نادي قضاة لبنان، أن “ليس هكذا تصان الحقوق وتتحقق العدالة، وليس هكذا تتم إعادة الثقة بالقضاء ليقوم بفرض هيبته. الضرورات، أياً كانت أشكالها وأنواعها، لا تبيح المحظورات، والرجوع عن الخطأ فضيلة”.

وفي هذا الاطار، أكد أحد الدستوريين لـ “لبنان الكبير” أن من الأفضل ألا يحصل تشويش على موقع المحقق العدلي الحالي وتسير الأمور في مجراها الطبيعي، معرباً عن خشيته من أن يكون خلف قرار تعيين قاض رديف غايات سياسية معينة لخربطة التحقيق. القرار اتخذه مجلس القضاء الأعلى بالاجماع، مبرراً ذلك بأسباب انسانية لوجود حالات صحية متدهورة بين الموقوفين. وتمنى أن يصمد القاضي الحالي في التحقيق الذي يجب تحريره من كل القيود والاشكالات.

أما أحد الناطقين باسم أهالي ضحايا المرفأ، فأشار الى أن هناك حلاً دستورياً يرضي الجميع وهو الأنسب من خلال تسهيل التشكيلات القضائية، وليبتّ القاضي العدلي بغض النظر عن اسمه بقضية الموقوفين وبقضية الضحايا على السواء، اذ ليس منطقياً أن يفرج عن الموقوفين ولا تزال الحقيقة التي أودت بأرواح المئات غير مكشوفة. القضاء يجب أن يسير بالملف كاملاً ولا تجوز تجزئته، ونحن ضد الظلم ولن نقبل أن يكون هناك مظلومون في السجون، لكن لا يجوز التعاطي مع قضية الانفجار بالمفرق. كما أن كل الدستوريين والقانونيين أكدوا أن خطوة تعيين قاض رديف غير قانونية وهي سابقة في تاريخ القضاء. والتخوف اليوم من نسف التحقيق من أساسه من خلال هذه الخطوة التي يختلف حولها من هم في الجهة السياسية نفسها، حتى أننا رأينا موقف نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب الذي كان لافتاً. وبالتالي، ربما يتم التراجع عن هذه الخطوة التي تخلق باباً للانقسام بين اللبنانيين. الحل الأنسب، تسهيل التشكيلات القضائية من دون الدخول في الزواريب والفتاوى الدستورية. وعلى الرغم من الضغط الكبير الذي يمارس على القضاء، نحن سنكون أكثر اصراراً على معرفة الحقيقة ومتابعة الملف حتى النهاية.

رسالة توصيف المشكلة لا طرح الحلول

في اطار آخر، اعتبر أحد المتابعين لملف عودة النازحين السوريين أن الرسالة التي وجهها الرئيس ميقاتي الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وتحدث فيها عن تداعيات أزمة النزوح السوري، وكلفتها على الاقتصاد اللبناني وعن عبء النزوح الذي يؤثر على الأمن المجتمعي، تكرر الخطاب نفسه الذي اعتمد منذ العام 2011 أي أنها تتضمن توصيفاً للأزمة وعدم القدرة على تحمل أعبائها. هنا يتبنى ميقاتي خطاباً خطيراً وكأن الأزمة المالية – الاقتصادية – الاجتماعية في لبنان أساسها النازحون أو اللاجئون الفلسطينيون وليس سوء الحوكمة في ادارة البلد. القاء المسؤولية فقط على المجتمع الدولي الذي فشل في الحلّ السياسي حتماً، وتغييب من يمنع عودة النازحين الى سوريا خصوصاً الى المناطق الحدودية وعدم طرح فكرة انشاء مراكز ايواء مؤقتة حدودية أو مراكز ايواء مؤقتة في المنطقة الحدودية غير المتنازع عليها، يدل على أن ليس هناك من قرار لطرح حلول عملانية. كل ما قدمه الرئيس ميقاتي في رسالته هو خطاب تقليدي كلاسيكي يصف المشكلة، لكن لا يعطي حلاً لها كأنه يقول انه قام بواجباته وأرسل رسالة الى أعلى مرجعية أممية، في حين أن الحكومة مسؤولة عن تقديم بعض الحلول العملانية من تنظيم وجود هؤلاء اللاجئين وتصنيفهم بين عامل ولاجئ، وتحديد الخروج من لبنان ومن الفئة التي يمكن أن تعود أو لا تعود، وتوحيد الأرقام الاحصائية للاجئين، وهذا كله لم يحصل بمعنى أنه بدل أن يرتب لبنان بيته الداخلي بإقرار سياسة عامة لأزمة النزوح وعلى أساسها يكون هناك توازن مع المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة، يكمل في الخطاب نفسه والطريقة نفسها التي لا توصلنا الى أي حل عملي للعودة. الرسالة ضرورية وجيدة، لكن لا مفاعيل عملانية لها، اذ يجب على الحكومة اللبنانية إقرار سياسة عامة بما فيها توقيع اتفاقية تعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وهنا لا بد من التساؤل: ماذا فعلت الدولة لتنظيم وجود النازحين؟ ماذا فعلت لتميز بين العامل واللاجئ؟ ماذا فعلت لتعرف احصائياً عددهم وأماكن تواجدهم والى أي مناطق يمكن أن يعودوا؟ ماذا فعلت لتنظيم عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين؟ ماذا فعلت لتنظيم عمل المجتمع المدني؟ لا مفاعيل عملانية لهذه الرسالة مع اعترافنا بأن المجتمع الدولي مقصر، لكن هذا النوع من الرسائل خطابي، ارتجالي، شعبوي وديماغوجي.

شارك المقال