موسم الهجرة من التيار… وحركة التغييريين بلا بركة

لبنان الكبير

ماريو عون وزياد أسود “العونيان” حتى العظم تلقيا اقالتيهما من “التيار الوطني الحر”. هما وكثيرون ممن آمنوا بـ”التيار العوني” ما انتبهوا الى أن الصهر الذي ساهم في كسر ظهر عمه فبرك “التيار الباسيلي” من المنتفعين الفاسدين أمثاله ليحفظ موقعاً له عندما تغيب الشمس عن “مملكة الجنرال”… إنه أوان الطرد من التيار وأوان الهجرة من التيار بعدما حلّ الخراب.

ينصرف اللبنانيون الى لملمة همومهم والاستمرار في مواجهة أزمات لم يشهدها تاريخ البلاد خصوصاً أنهم على أبواب انطلاق العام الدراسي، والتحضير للشتاء في ظل ارتفاعات غير مسبوقة لأسعار المحروقات، وهم يتخوفون اليوم أكثر من أي وقت مضى من التفلت الأمني المتنقل الذي يعكس مدى سوداوية المشهد على الأصعدة كافة .

سوداوية ترافق الاستحقاقين الدستوريين الحكومي والرئاسي بحيث بات التسليم بأن لا تشكيل ولا رئيس جديداً للجمهورية، ولم يخرق هذا الجمود السلبي سوى بعض الحركة لقوى التغيير التي لا تزال بلا بركة حتى اليوم، بحيث أعلنت انها ستبدأ بجولة اليوم تشمل جميع الكتل النيابية والمستقلين لشرح أهداف مبادرتها والاستماع الى وجهة نظرها بهدف الوصول الى لبننة الاستحقاق من خلال التحلي بالمسؤولية الوطنية والاتفاق على مسار انقاذ يبدأ بالاستحقاق الرئاسي من خلال الرئيس الانقاذي.

وفي هذا الاطار، أشار أحد نواب المعارضة الى أن النظريات والمواصفات والرؤية شبه متطابقة مع التغييريين، لكن الأساس اليوم في التطبيق وعدم الخوف أو المسايرة لأن البلد لم يعد يحتمل المراوغة، والعبرة عند اختيار اسم الرئيس المقبل مع الاشارة الى أن التواصل على صعيد التنسيق يتقدم، وقطعنا مرحلة كسر الجليد ووصلنا الى مرحلة الجد والنقاش في الطروحات والعناوين الأساسية، ولم ولن تطرح الأسماء حالياً لأن الوقت لا يزال مبكراً. وفي حال التوافق على المبادئ لا بد من أن يتم التوافق على اسم الرئيس المقبل إذ لم يعد مقبولاً انتخاب رئيس من قوى ٨ آذار يكون امتداداً للعهد الحالي الذي هو جزء من الانهيار. والرأي العام المسيحي كانت له كلمته في الانتخابات النيابية وحاسب حتى أن عدداً لا يستهان به من مسؤولي “التيار الوطني الحر” وكوادره بات على قناعة بأن سياسة العهد المعتمدة خاطئة، وترك “التيار” اما علناً أو سراً. وعلى الرغم من أن “التيار البرتقالي” يحاول مراراً وتكراراً إظهار نفسه بأنه الأقوى، ويهدد ويتوعد بخيارات وخطوات، لكن في الواقع لا يمكنه القيام بأي شيء خصوصاً اذا لم يحصل على غطاء من حليفه “حزب الله” الذي ليس لديه أي مصلحة في القيام بخطوات ستكون نتائجها سلبية عليه، مع التأكيد أن وضع “التيار” بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة لن يكون كما قبلها بحيث سيتشتت ولن يبقى سوى بعض المنتفعين وربما سنشهد على نشوء حالات خاصة يمكن أن يبنى عليها لكن خارج جناح “التيار العوني”. أصبحنا اليوم في شريعة الغاب، وما نراه من أحداث أمنية وآخرها في طرابلس ليس سوى حلقة من الحلقات الأمنية التي ستشهد تصعيداً في المرحلة المقبلة في ظل غياب الحلول للأزمات، حتى أن الشعور بالأمان المجتمعي الذي كان سائداً خلال الحرب الأهلية ليس موجوداً في هذه الفترة، وذلك نتيجة الغياب الكلي للدولة، وما من حسيب أو رقيب أو رادع حتى أن هناك مناطق تدرس خيارات الأمن الذاتي وتأمين حد أدنى من الأمان لقاطنيها. هيبة الدولة فقدت ومعها تخف فاعلية عناصر القوى الأمنية. وبالتالي، اذا لم ننتخب رئيساً للجمهورية يواجه الأزمات والمشكلات كلها، فإلى الانهيار أكثر وأكثر، ومن يخاف من المواجهة عليه الانسحاب من العمل السياسي مع العلم أن المواجهة ليست في الشوارع أو بحرب أهلية كما يفسرها البعض، انما مواجهة الحقائق ووضع النقاط على الحروف.

وفي قراءة للواقع الحالي وما آلت اليه الأمور، لفت أحد المحللين والمراقبين الى أنه في ظل العقم الذي وصل اليه الحكم بحيث أن التشكيل الحكومي بات خارج الحسابات وانتخاب الرئيس يبدو متعذراً، نستطيع القول ان سياسة السلطة المتبعة ونمط الأحزاب الحاكمة التي ابتدعت طرقاً وأساليب متنوعة كالديموقراطية التوافقية والميثاقية والاجتهادات، جعلت هناك تعذراً في اتمام أي استحقاق دستوري بالطريقة الاعتيادية والطبيعية. لاحظنا في الفترة السابقة تدميراً مالياً واقتصادياً ممنهجاً بحيث أن لبنان كان يتميز كونه الصيغة الفريدة في المنطقة، والمدرسة والجامعة والمستشفى، وخسر كل هذه الميزات تحت ضربات المبغضين الذين شاركوا في الالتفاف على النظام. وخسر لبنان اليوم دوره في المنطقة خصوصاً أننا نسمع عمن يريد أخذه باتجاه الشرق. لا يستطيع لبنان أن يكون ضائعاً بين الشرق والغرب بلا دور أو هدف. والأخطر من كل ذلك أن العقم السياسي الذي فُرض على لبنان، يدل على أن من خطط للوصول الى ما نحن عليه كان يريد الالتفاف على الدستور وتحديداً على اتفاق الطائف ونسفه. وبالتالي، الانهيار يضرب كل مفاصل الدولة، وبدأ العقم يتنقل تدريجاً الى كل المؤسسات والقطاعات حتى باتت الدولة شبه عاجزة والعلاجات المرحلية لم تعد صالحة، وأصبحنا بحاجة الى طروحات كبيرة وجذرية للخروج من الأزمات. الكل يبحث في ظل واقع دولي غير مكترث بالواقع اللبناني عمن يستطيع من اللبنانيين المبادرة بطريقة معينة الى إخراج لبنان من أزمته. اما الوضع الاقتصادي فهو على شفير ليس الارتطام الكبير، انما الانهيار الكامل، وبدأت الأزمات الناتجة عن الوضع المالي والاقتصادي تتجلى فلتاناً أمنياً متنقلاً شهدنا آخر فصوله في طرابلس، ما ينذر بأمر خطير جداً وبتفلت وفوضى أمنية شاملة بحيث تكون هناك استحالة لضبط الأمن على كامل الأراضي اللبنانية. وفي الخلاصة، ما وصلنا اليه على المستوى الاجتماعي والسياسي والمالي هو نتيجة سوء الحوكمة وسوء النية لدى بعض الأطراف التي مارست هذا الأمر عن سابق تصور وتصميم. والاستحقاقات الدستورية تحمل الكثير من الغموض وتحمل معها ضبابية حول مستقبل لبنان. المهم اليوم، العودة الى العقل والضمير واعتماد الدستور للخروج من الاستحقاقات بأقل خسائر ممكنة على أمل أن يعود لبنان الرسالة والحضارة والدور المميز في المنطقة.

الراعي: لا نسكت بل نرفض شل البلاد

أكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة ألقاها بعد قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، “نحن لا نسكت بل نرفض شل البلاد، لا نسكت بل نرفض تعطيل الدستور، لا نسكت بل نرفض الحؤول دون تشكيل حكومة، لا نسكت بل نرفض منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا نسكت بل نرفض فرض الشغور الرئاسي، لا نسكت بل نرفض استباحة رئاسة الجمهورية، لا نسكت بل نرفض الإجهاز على دولة لبنان وميزاتها ونموذجيتها ورسالتها في هذا الشرق وفي العالم. إننا ننتظر من المواطنين المخلصين المؤمنين بلبنان – الرسالة أن يشاركوننا في رفض هذه البدع، وأن يقفوا وقفة تضامن حتى تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل الحادي والثلاثين من تشرين الأول المقبل، يكون رئيساً من البيئة الوطنية الإستقلالية ورئيساً جامعا”.

وأسف لأن “يصل اللبنانيون إلى حالة اللاثقة التي باتت تشكك في كل نية ولو صادقة، وإلى حالة التسييس التي ترى مسيساً كل قرار أو تدبير، وهاتان الحالتان تؤديان إلى التعطيل”، مشيراً الى أن “هذه حال ما يحصل اليوم بين أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت ووزير العدل. إنه نزاع تبرره حالتا اللاثقة والتسييس، ويؤدي إلى التعطيل وأصبح إبداء الرأي ولو موضوعي محكوماً عليه بالتشكيك والتسييس. معروف أن قاضي التحقيق طارق البيطار ثابت في منصبه وممسك بملف التحقيق في تفجير المرفأ بحكم القانون، لكنه مكبل اليدين بسبب رفض وزير المالية توقيع مرسوم التشكيلات القضائية”.

شارك المقال