“الأمن الدستوري” فلتان وعون يهيئ لما بعد 31 تشرين الأول

لبنان الكبير

في وقت انشغل فيه المسؤولون عن الأمن بوضع الخطط المستدامة، واتخاذ المزيد من الاجراءات للحد من تفلت السلاح وملاحقة عصابات السرقة والمرتكبين والمتربصين شراً بالبلد، عاد “الأمن الدستوري” الى الفلتان على وقع سجال بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والذي اتخذ هذه المرة طابع التخاطب المباشر بين الرئيسين بعدما كان يتم بين المكاتب الاعلامية للفريقين بحيث كرر الرئيس عون تمسكه “بتدعيم الحكومة القائمة بستة وزراء دولة جدد من السياسيين، الأمر الذي طرحه رئيس مجلس الوزراء المكلف في البداية، ثم تبدل الموقف”، في حين رد الرئيس ميقاتي بتأكيد استمراره في “كل الجهود الرامية الى تشكيل الحكومة الجديدة، والمطلوب في المقابل مواكبة من جميع المعنيين لهذه الجهود، وعدم الاستمرار في وضع الشروط والعراقيل، في محاولة واضحة لتحقيق مكاسب سياسية ليس أوانها ولا يمكن القبول بها وسط معلومات عن أن أي نزاع دستوري في حال استمرت الحكومة المستقيلة في مرحلة الفراغ الرئاسي سيؤدي الى فوضى في الشارع”.

في ظل عودة السجال القديم المستجد حول تشكيل الحكومة، وفيما ينتظر اللبنانيون إن كان هذا التشبث بالمواقف سيزيد من التعقيد، علم موقع “لبنان الكبير” من مصدر متابع للملف أن الرئيس المكلف سيتجاوز هذه التهمة خصوصاً أنه يدرك أنها تصب في الاطار التهويلي، ولن تجد من يصرفها حتى في صفوف حلفاء “التيار الوطني الحر”. لا بل أكثر، اليوم هناك طروحات ونقاط عدة يجري البحث فيها، ومنها اضافة وزيرين على الحكومة، واحد من حصة رئيس الجمهورية وآخر من حصة رئيس الحكومة أو الابقاء على وزير الاقتصاد وتغيير وزير المهجرين الا أن لا شيء مؤكداً وثابتاً، والرئيس ميقاتي منفتح على الطروحات التي يعتبرها منطقية وقابلة للبحث. هذا المسلسل من المناورات على صعيد التشكيل، يريد من خلاله فريق رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” الوصول الى مبتغاهما في توسيع الحكومة واضافة 6 وزراء سياسيين، وهما سيتمسكان بهذا الطرح حتى آخر أيام العهد، لكن في اللحظة الأخيرة، سيقبلان بالحكومة الحالية بمعزل عن بقائها نفسها أو اجراء تغيير طفيف عليها. هم اليوم يستخدمون كل أسلحتهم نحو حكومة سياسية. الرئيس ميقاتي سيستمر في البحث عن أرضية مشتركة بينه وبين رئيس الجمهورية، وهذا ما يتم العمل عليه حالياً بحيث من المفترض أن يلمس الجميع مدى حاجة البلد الى الحكومة. هناك وسطاء يعملون على اعادة تحريك المياه الراكدة على أمل تشكيل الحكومة منعاً للتفسيرات الدستورية والاجتهادات التي يمكن أن تؤدي الى كباش دستوري أو فوضى في الشارع على الرغم من أن الدستور واضح في هذا الاطار، اذ أن الحكومة بغض النظر عن مواصفاتها هي التي تستلم الحكم في حال الشغور. نحن في مرحلة صعبة جداً، والتفاقم والتأزم على المستوى السياسي ان كان لناحية عدم التشكيل أو تعذر انتخاب رئيس للجمهورية يطرحان علامات استفهام كبرى حول مصير البلد. وبالتالي، على الجميع أن يعي خطورة المرحلة، والعمل على خفض منسوب التوتر لأننا مقبلون على أيام أصعب في حال الشغور الرئاسي ما يتطلب تكافلاً وتعاوناً بين الأفرقاء ولو بالحد الأدنى. وعندما يحتكم الجميع الى الدستور الذي يجب أن يكون الحكم بين اللبنانيين، تنتظم الامور. الرئيس ميقاتي سيعيد المحاولة، وسيقوم بالمجهود المطلوب اذا لمس أن هناك بوادر فعلية للتشكيل، لكن هذا الأمر لا يعنيه وحده، وزيارته الى القصر الجمهوري منوطة بالرئيسين.

ومع انطلاق جلسات درس الموازنة العامة اليوم في ساحة النجمة والتي تستمر حتى الجمعة، ولن تشارك فيها كتلتا “الكتائب” و”الجمهورية القوية” لمصادفتها مع ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميل، تزداد الأوضاع المعيشية صعوبة مع الارتفاع الاضافي في أسعار السلع الاستهلاكية غداة رفع الدعم عنها نهائياً، وقبيل اقتراب لبنان من الدخول مجدداً في العتمة الشاملة غداً الخميس .

عتمة في المنازل وفي النفوس مترافقة مع ظلام دامس على صعيد الاستحقاق الرئاسي، اذ من المتوقع أن يكون الفراغ صاحب الفخامة في المرحلة المقبلة، ولولا الزيارات التي يقوم بها النواب التغييريون الى الأفرقاء السياسيين لعرض مبادرتهم الرئاسية عليهم، لكانت الحركة الرئاسية جامدة ومعدومة وشبه منسية. وما يزيد الطين بلة، واسوداد الأفق، والخوف من مرحلة ما قبل نهاية العهد الحالي في ٣١ تشرين الأول المقبل، مواقف رئيس الجمهورية الذي يشهد على سبحة الانهيارات المتتالية، ولا يزال يدلي بتصريحات أقل ما يقال فيها انها غير مناسبة للمرحلة الدقيقة التي يمر فيها البلد، بحيث أنه كلما اقترب استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية كلما ازدادت مواقفه غموضاً وتفتح الباب على كثير من التحليلات والتأويلات، وما قاله أمس في حديث صحافي اعتبره كثيرون لا يطمئن ولا يبشر بالخير وربما يخفي نوايا مبيتة، اذ أكد أنه سيترك “قصر بعبدا في اليوم الأخير. أزيد الآن أنني سأترك القصر اذا كان يوماً طبيعياً لا أحد يضمر فيه شراً. اذا شعرت بوقوع مؤامرة فلن أقف مكتوف الأيدي. أخشى أن يكون ثمة مَن يحضّر لليوم الأخير في ولايتي، 31 تشرين الأول، مؤامرة أشبه بانقلاب على النظام والدولة والرئاسة والدستور، انطلاقاً من حكومة تصريف الأعمال أو أي سبب آخر. أخشى ايضاً أن يكون المقصود تغيير النظام. اذا تلكأتُ سأتهم بالتخلي عن مسؤولياتي الدستورية”.

وفيما رأى بعض السياسيين أن الرئيس عون يمكن أن يقدم على أي خطوة، ولديه تاريخ مع القصر الجمهوري بحيث عندما يدخل اليه يصعب خروجه منه، وأن مواقفه لا تبشر بالخير ولا تبعث على الطمأنينة، اعتبر آخرون أن رئيس الجمهورية لن يقوم بأي خطوة في المجهول خصوصاً أن الظروف الحالية مختلفة تماماً عما كانت عليه في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وأن هذه المواقف ليست سوى حملة تهويل على الحلفاء قبل الخصوم لتأمين أكبر قدر ممكن من المكاسب لفريقه السياسي ولصهره من الحكومة التي من يفترض أن تتشكل قبل نهاية ولايته لأنه وفريقه السياسي على يقين بأن مرحلة ما بعد الرئيس عون لن تكون كما قبلها بالنسبة الى “التيار الوطني الحر”. لذلك، يقاتل لتأليف حكومة سياسية يتمثل فيها “التيار” بحصة كبيرة. وهنا لا بد من التأكيد أن ما من أحد في البلد يحضّر لمؤامرة لأن ما فيه يكفيه، لكن منذ أن انطلق هذا الفريق في العمل السياسي أي منذ الثمانينيات، نسمعه يتحدث عن مؤامرة تحاك ضده أو أن هناك استهدافاً له، وذلك لتغطية الممارسات السياسية التي يقوم بها أو ربما تكون ذريعة للبقاء في القصر الجمهوري أو احتلاله بعد نهاية الولاية. المؤامرة يمكن أن تحصل عندما يسهل جر البلد الى الفوضى أو اذا استمر في القصر بعد نهاية ولايته لأنه يدخل البلد في المجهول أو عندما يفكر في القيام بأي خطوة غير دستورية أو في فرض شروط غير محقة في الحكومة. وعلى الرغم من أنه لم يمر يوم طبيعي على البلد منذ 6 سنوات بعد كل الأحداث التي شهدناها والانهيار الشامل على المستويات كافة، يبقى الأمل في أن يكون لدى الرئيس الحس الوطني، واعلائه مصلحة البلد فوق كل المصالح خصوصاً أن غالبية القوى السياسية تريد اليوم تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق مع صندوق النقد الدولي كي ننتقل الى مرحلة معالجة الأزمات المتراكمة ونخرج من قعر جهنم بأسرع وقت ممكن.

شارك المقال