“الفوضى الأمنية” تلحق “الاختناق السياسي”

لبنان الكبير

فيلم أكشن بوليسي طويل شاهده اللبنانيون أمس، تنقلت أحداثه من منطقة الى أخرى، فتعددت المسارح واللاعبون والأهداف الا أن السبب الأساس يبقى هو هو: شعب مقهور ومظلوم وحقه مهدور والأزمات تحاصره من كل اتجاه حتى وصل الى مرحلة الاختناق والموت البطيء.

كان متوقعاً أن تتجه الأنظار الى ساحة النجمة لمتابعة وقائع مناقشات جلسة الموازنة، الا أن اقتحامات المصارف في أكثر من منطقة حرفت الاهتمام الى سالي حافظ التي اقتحمت فرع “بلوم بنك” في السوديكو، حاملة مسدساً، افادت لاحقاً أنه لعبة لابن أختها، وهدّدت بحرق نفسها بعد سكب البنزين على الموظفين وعلى نفسها، وبعد ساعات قام أحد المواطنين باقتحام بنكMED في منطقة عاليه ما يؤشر الى أن البلد دخل في مسلسل اقتحامات المصارف الطويل، لأن الناس بكل بساطة يريدون حقهم بعد أن دأبت السلطة السياسية على سرقة أموالهم وصحتهم وحياتهم، وقذفتهم الى آخر طبقات جهنم .

شهد يوم أمس أكثر من حدث يمكن وضعها في خانة الفوضى الأمنية بحيث تخوف اللبنانيون من أن تتحقق المعلومات والمعطيات التي تقول ان شهر أيلول سيشهد فوضى أمنية متنقلة في المناطق التي في حال تزامنها لا يمكن للقوى الأمنية ضبطها، الا أن مصدراً أمنياً أكد لـ “لبنان الكبير” أن الأمن ممسوك. سنشاهد بعض الفوضى والمشكلات المتنقلة كتلك التي رأيناها أمس نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لكن الأمن ملاحق ومتابع بعناية كبيرة، والقوى الأمنية لا تزال قادرة على ضبط الأمن بصورة كبيرة. نحن نلاحق أخطر العصابات والمجرمين ونوقفهم، ونقوم بالأمن الاستباقي. لا أحد ينكر أن الأوضاع صعبة جداً، لكن الأمن تحت السيطرة. وكل ما يتم التداول به في الاعلام عن خلايا ارهابية ووصول مسؤولين في الجماعات الارهابية الى لبنان للقيام بعمليات ارهابية ليس دقيقاً ولا صحيحاً.

أما أحد المطلعين على الأوضاع فأشار الى أننا على أبواب تفلت أمني في كل المناطق بسبب الأوضاع المالية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعدم اتخاذ أي اجراء يصب في مصلحة الناس. لبنان معرض لتوترات متنقلة في كل المناطق قد تتسع وتضيق، لكن لن تبلغ حد الحرب الأهلية. الأمن يحتاج الى بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مستقرة، وليس لدينا أي استقرار على أي مستوى لا بل نحن نتنقل من فراغ الى آخر. فمن الطبيعي أن يتفلت الأمن، وان تفلت في أكثر من منطقة في الوقت نفسه، لا يمكن للقوى الأمنية حينها ضبط الأمور والسيطرة على الوضع. الجيش اليوم يطلب المازوت من قوات “اليونيفيل” في الجنوب ليقوم بدورياته. عن أي أمن نتحدث والقوى العسكرية والأمنية في هذه الحال المزرية؟ الأمور واضحة والوضع سيء جداً.

على صعيد آخر، أرجئت الجلسة العامة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لدرس واقرار موازنة 2022، الى العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم، لعدم اكتمال النصاب، اذ قاطعت الكتل المسيحية أي “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي” و”الكتائب”، الجلسة لمصادفتها مع ذكرى استشهاد الرئيس بشير الجميل.

وفي هذا الاطار، أكد أحد السياسيين من القوى المسيحية أن المسيحيين قاطعوا الجلسة احتراماً لذكرى الرئيس الجميل، معرباً عن أسفه لأن الرئيس بري لم يأخذ في الاعتبار أن يوم 14 أيلول يصادف ذكرى الاستشهاد وعيد الصليب، ونأمل أن نحترم شهداء بعضنا البعض. كنا نتمنى لو أن الرئيس بري استدرك هذا الأمر، ولم يدع الى جلسة في هذا التاريخ من منطلق الاحترام وليس من منطلق التحدي على الرغم من أنه أعلن وقف جلسات بعد الظهر لكن هذا غير كاف. مع العلم أن الجميع سيشارك في جلسة اليوم، وكل طرف سيعطي رأيه في الموازنة.

أما مصادر حركة “أمل”، فأوضحت أنه عندما حددت الجلسة، لم ينتبه أحد الى مصادفة الذكرى في هذا اليوم، ثم عندما تم التواصل بين الرئيس بري والنائب سامي الجميل، أبلغه بري أنه سيلغي الجلسة المسائية طالما أن الاحتفال بالذكرى عند السادسة مساء، فشكره الجميل ورحب بالفكرة، ولم يطلب منه الغاء الجلسات الصباحية أو تأجيلها. كلها حفلة مزايدات على أبواب انتخاب رئيس الجمهورية بهدف شد العصب المسيحي، هذا هو حجم الموضوع. الرئيس بري بعدما أبلغته الأطراف المسيحية أنها لن تشارك في الجلسة، كان يتوقع ألا يكتمل النصاب، ولم يؤجل الجلسة ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم خصوصاً أن هذه الجلسة لا تتقاطع مع توقيت الاحتفال بالذكرى، كما أن هذا اليوم ليس يوم عطلة رسمية أو عيداً رسمياً.

في حين اعتبر أحد المحللين السياسيين أنه كان من المفيد أن تعقد جلسات للجان المشتركة لمناقشة الموازنة قبل دعوة الهيئة العامة، متمنياً أن يكون هناك اقرار للموازنة، لكن يبدو أن هناك صعوبة في ذلك في ظل الخلافات بين الكتل، وربما من قاطعوا أمس لن يوافقوا على الموازنة. اليوم سيكتمل النصاب في الجلسة لكن هناك صعوبة في اقرار الموازنة.

ولمناسبة مرور أربعين عاماً، على استشهاد الرئيس الجميل ورفاقه، أحيا حزب “الكتائب”، الذكرى مساء امس في ساحة ساسين في الأشرفية، وتضمن الاحتفال لفتة خاصّة للشهداء الذين استشهدوا مع الجميّل الى جانب أفلام عرضت لأوّل مرّة مع كلمتين لكل من النائب سامي الجميّل والنائب نديم الجميّل في حضور سياسي وشعبي كبير.

على خط ملف الترسيم البحري الحدودي، وبعد سنتين من التفاوض، تقاطعت أمس المواقف الايجابية من أوساط سياسية وأمنية في ما يتعلق بالمفاوضات التي “أوشكت على الانتهاء”، بحيث أن رئيس الجمهورية ميشال عون أعلن أن “الاتصالات لانجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، قطعت شوطاً متقدماً وثمة تفاصيل تقنية يتم درسها لما فيها مصلحة لبنان وحقوقه وسيادته”، أما المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم فأشار الى “أننا نتحدث عن أسابيع لا بل عن أيام للانتهاء من ملف الترسيم، وأنا أميل لأن تكون الأمور ايجابية”.

وفيما اعتبر سياسيون أن لبنان تنازل كثيراً في مفاوضاته بعدما تخلى عن الخط 29، وبالتالي، لا يمكن الحديث عن ايجابية حققها المفاوضون في حين أن اسرائيل التي لا تزال تراوغ وتستفيد من الوقت الضائع، ربحت مساحات شاسعة في المياه، وتعمل على قدم وساق في الانتاج والتصدير، أكد مصدر متابع للملف أن هناك ايجابية كبيرة وجدية في اتجاه الترسيم، والدليل هذا الهدوء والصمت على محوري اسرائيل و”حزب الله” اذ أن الصمت علامة رضى، وكل ما نراه من تصعيد في الاعلام لا يمت الى حقيقة الواقع بشيء فالترسيم بات قريباً.

أما الخبراء فلفتوا الى أن هوكشتاين سيعود الى بيروت، وسيذهب الطرفان اللبناني والاسرائيلي الى التفاوض غير المباشر في الناقورة بحيث تستمر المفاوضات الى حين الانتهاء من الانتخابات الاسرائيلية، واجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية خصوصاً أن في لبنان خلافاً بين من يقول ان الحكومة الحالية يمكنها أن توقع على اتفاق الترسيم، ومن يقول انه لا يحق لها ذلك. اذا قبل الطرف اللبناني بخط العوامات الذي وضعته اسرائيل فمعناه أنه تنازل مرة أخرى بعد التنازل الكبير عن الخط 29.

العوامات موضوعة بين الخط 1 والخط 23، بعد أن كنا نتحدث عن 23+ زائد حقل قانا أصبحنا نتحدث اليوم عن العوامات بين الخطين 1 و23 أي أننا تنازلنا، وعدنا الى الخط الأزرق المائي بحيث يستطيع من خلاله الاسرائيلي، رفع دعوى أمام المحاكم الدولية المتعلقة بقانون البحار، ويعود الى الخط رقم واحد أي يمكنه قضم أكثر من 1430 كلم. وهنا نسأل: هل هذا التنازل يكون مقابل الـ 20 كلم من حقل قانا؟ اما نقطة الـb1 فهي آخر نقطة على الحدود التي تفصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، وانطلاقاً من هذه النقطة يتم الترسيم بحراً وبراً، والخرائط موجودة في الأمم المتحدة. التخلي عن الـb1 يعني أننا نتخلى عما يقارب 31 متراً شمالاً. انهم يضحكون على عقول الناس. مع التشديد على أن الأساس في ملف الترسيم، المكامن المشتركة بين لبنان واسرائيل تحت المياه، ومن يستخرج أولاً هو الرابح الأكبر على قول المثل “اللي سبق شم الحبق”. وهنا لا بد من التأكيد أن لبنان يستطيع الاستخراج خلال 6 أشهر أو عام على أبعد تقدير وتحديداً من البلوك رقم 4 الغني بالغاز، وليس صحيحاً أنه لا يمكن الاستخراج قبل 7 سنوات. على أي حال، اننا في انتظار الرد الاسرائيلي على الطرح اللبناني، لكن لا نرى أنه سيأتي قريباً على الرغم من الحديث عن أن الايام المقبلة حاسمة. الاسرائيليون لا يبدون أي حماسة بعكس الطرف اللبناني الذي هو بحاجة الى البدء بالتنقيب، اليوم قبل الغد. هم مرتاحون على وقتهم ونحن محشورون. لا بد أن اللواء ابراهيم لديه معطيات لا نملكها، وهو عندما يقول ان ملف الترسيم لن يطول الى أشهر أو أسابيع بل الى أيام ، يعني أن اسرائيل قبلت بالاعتراف بالخط 23 كما هو وحقل قانا كاملاً، واذا اعترفت بالـb1، وانسحبت 35 متراً باتجاه الجنوب، يكون التفاؤل في مكانه، والتوقيع على الاتفاق سيكون خلال أيام. ما سيحمله هوكشتاين خلال زيارته المقبلة، سيكون حاسماً في ملف الترسيم، والزيارة ربما تكون خاتمة الزيارات المكوكية لأنه في حال الايجابية لا بد من أن تتجسد بالوصول الى اتفاق، واذا كانت الأجواء سلبية، فلا ضرورة بعد للتفاوض خصوصاً أن لبنان تنازل كثيراً من الخط 29 الى الخط 23، فيما اسرائيل لم تقدم أي شيء.

شارك المقال