عاصفة ايجابية تجتاح المسؤولين تشكيلاً وترسيماً… حكومة رؤساء للفراغ

لبنان الكبير

وحدهم المسؤولون متفائلون، مرتاحون، مطمئنون، يضعون أيديهم في المياه الباردة لأن الامور تسير على أفضل ما يرام، ويفتخرون بأنهم أوصلوا البلد الى المراكز الأولى بين الدول الأكثر انتاجية وتطوراً وازدهاراً. المسؤولون أصابتهم عدوى فيروس الايجابية دفعة واحدة وعلى مستوى أكثر من ملف، بحيث أنهم يجمعون على أن تشكيل الحكومة ينتظر فقط عودة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من الخارج ما يعني أن الولادة ستكون منتصف الأسبوع المقبل الا اذا دخلت شياطين التفاصيل اللبنانية المعهودة. أما بالنسبة الى ملف ترسيم الحدود البحرية، فيبدو أن نسبة الايجابية المرتفعة جداً التي ترافقه، حولت المياه البحرية المالحة الى مياه عذبة يمكن أن يتجرعها المسؤولون على حساب مصلحة الوطن، اذ باتوا لا ينامون قبل أن يشربوا نخب ايجابية الترسيم. وأكد رئيس الجمهورية ميشال عون أمس أن “مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية باتت في مراحلها الأخيرة بما يضمن حقوق لبنان في التنقيب عن الغاز والنفط في الحقول المحددة في المنطقة الاقتصادية الخالصة له. التواصل مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مستمر حول بعض التفاصيل التقنية المرتبطة بعملية الترسيم”، آملاً “أن يساهم التنقيب في المياه اللبنانية في إعادة انهاض الاقتصاد اللبناني الذي شهد تراجعاً كبيراً خلال السنوات الماضية فضلاً عن تعزيز الأمن والاستقرار في الجنوب”.

أما اللبنانيون، فيعيشون في دوامة الفقر والجوع واليأس والاحباط، ويواجهون باللحم الحي الغلاء الفاحش الذي لا يقف عند حد ما ينذر بانفجار اجتماعي لم يعد بعيداً في ظل الارتفاع المطرد لسعر صرف الدولار، وانعكاسه على أسعار المحروقات والمواد الغذائية وسط ترقب لما قد يحصل بعد غد الخميس في حال فتحت المصارف أبوابها، وهناك من يسأل: هل هو الهدوء ما قبل العاصفة؟ وهل موجة الاقتحامات للمصارف عينة من الآتي الاعظم؟

البداية مع ملف التشكيل الحكومي، اذ عاد التفاؤل ليطغى على الأجواء السلبية بحيث تشير المعطيات الى أنه بعد عودة الرئيس ميقاتي من الخارج ستلد حكومة جديدة أي أواخر الشهر الحالي أو مطلع تشرين الأول المقبل على أبعد تقدير اذا لم يطرأ أي أمر لم يكن في الحسبان. وأشار مصدر مواكب للتأليف لموقع “لبنان الكبير” الى “أننا قد نشهد تأليف حكومة منتصف الأسبوع المقبل، ومن الممكن خلال أسبوعين من التأليف أن تأخذ الحكومة ثقة مجلس النواب، فاذا ولدت الحكومة في 27 أو 28 الجاري، يبقى هناك أسبوعان أمام المجلس ليعطيها الثقة. أما اذا لم تولد الحكومة خلال تلك الفترة، فهذا يعني أن لا حكومة في العهد الحالي خصوصاً أن الوقت بات ضاغطاً جداً. وبالتالي، ان التفاؤل اليوم بقرب الولادة مرده الى أن الطرفين المعنيين بالتأليف استهلكا هوامش المناورات التفاوضية كما لا يمكن اسقاط خطورة ما حصل يوم الجمعة الفائت من اقتحامات للمصارف، بغض النظر ان كان منظماً أو عشوائياً، اضافة الى دخول وساطة “حزب الله” على خط بعبدا – السراي الحكومي بقوة لتضييق فجوة الخلاف على اعتبار أن البلد لا يحتمل الاجتهادات والمناكفات الدستورية في حال عدم التشكيل خصوصاً أن هناك قناعة لدى الجميع بأن الفراغ الرئاسي شبه محتم، وبالتالي، ضرورة التوقف عن الرقص على حافة الهاوية.

ووفق المصدر، فإن ما قاله الرئيس المكلف خلال زيارته الأخيرة الى القصر الجمهوري بأنه سينام في القصر اذا اضطر الأمر لتشكيل الحكومة لم يأت من فراغ بل لديه معطيات ومؤشرات ايجابية في هذا السياق. وبات المعنيون بالتأليف على قناعة بأنه لا بد من مرونة متبادلة بينهم على قاعدة أن لا أحد يمكن أن يحصل على كل شيء أو يتنازل عن كل شيء أيtout le monde a gagne والثابت في الطرح الحكومي الجديد أن الرئيس عون تنازل عن مطلب توسيع الحكومة الى ٣٠ وزيراً، والرئيس المكلف تنازل عن شرط الاطاحة ببعض الوزراء وأبرزهم وزير الطاقة مع العلم أن التعديل سيطال وزير المهجرين، والحديث عن تعديل وزير سني وآخر مسيحي وآخر شيعي لا يزال غير مؤكد، ولا بد أن الأيام المقبلة ستكشف ان كان التفاؤل في مكانه أو أن الامور ستعود الى نقطة الصفر كما في المرات السابقة. على أي حال، المنحى ايجابي خصوصاً أن العقدة الأساسية التي كانت متمثلة في كيفية تبديل الوزراء، حُلّ الجزء الأكبر منها، وحصل اتفاق بين الرئيسين على أن الوزير الدرزي يسميه رئيس الجمهورية شرط ألا يكون استفزازياً لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، كما أن الرئيس نبيه بري طرح تبديل وزير المال يوسف خليل بالنائب السابق ياسين جابر، أما بالنسبة الى عقدة وزير الاقتصاد في حال استمر في التشكيلة المقبلة أو تم تبديله، فهناك تفاهم بين الرئاستين الأولى والثالثة على الخيارين، وبالتالي، عقد التشكيل فككت وهناك بعض التفاصيل الصغيرة العالقة. اذاً، التغيير المؤكد سيطال وزير المهجرين ووزير المال، أما بالنسبة الى وزير الاقتصاد، فلم يعد الرئيس ميقاتي متمسكاً بتبديله، وأغلب الظن أنه مستمر في وزارته خصوصاً أن هناك وساطات أسفرت عن لقاء ضم الرئيس ميقاتي والوزير أمين سلام، كان كفيلاً بتليين موقف الأول، وعدم التشبث بتبديله كما في السابق، وفي حال حصل التبديل ليس مستبعداً أن يكون البديل من عكار. كما جرى التوافق على عدد وزراء الحكومة الجديدة الذي لا يمكن الافصاح عنه حالياً لأن المطلوب اليوم الوصول الى تشكيل حكومة بعيداً عن التأويلات والتحليلات التي قد تساهم في اعادة التأزيم. الوقت ضاغط على الجميع، وأن نصل متأخرين خير من أن لا نصل أبداً.

أما أحد المحللين المعارضين، فاعتبر أن لا مجال لتشكيل حكومة جديدة قبل نهاية ولاية العهد الحالي، متسائلاً: لماذا التركيز على الحكومة على أبواب انتخاب رئيس الجمهورية؟ هل الاصرار على التشكيل يعني حكماً أنهم لا يريدون انتخاب رئيس للجمهورية؟ ماذا يمكن أن تقدم الحكومة في حال شكلت خصوصاً أنها صورة طبق الأصل عن الحكومة الحالية، ورأينا أن حكومة الانقاذ تفتقر الى أدنى المقومات الاصلاحية؟ وبالتالي، المشكل اليوم ليس في التشكيل انما في عدم اعتراف الأطراف بأن هناك مسؤولية مشتركة. في حال التأليف، ستأخذ الحكومة ثقة المجلس النيابي لكن هذا لا يعني شيئاً، والحكومة الحالية خير دليل. يحضرون لحكومة بحيث يصبح كل وزير فيها رئيساً للجمهورية. وبالتالي، يستمرون في الامساك بالسلطة وبزمام الحكم في البلد .

ولجهة الترسيم الحدودي البحري، فالمسؤولون وحدهم أيضاً متفائلون بحيث أن الخبراء يضعون علامات استفهام كبيرة حول التفاوض، ويعتبرون أن الملف يترافق مع غموض مخيف ويدعو الى الشك. ويقولون: رئيس الجمهورية متفائل في هذا الشأن، لكن لا نرى شيئاً ملموساً يبرر هذا التفاؤل. الرئيس عون من خلال اعلانه أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية باتت في مراحلها الأخيرة، يحاول القول انه يسعى الى القيام بما أمكن لحل الأزمة الاقتصادية واخراج البلد من هذا النفق المظلم كما يحاول ايهام الجميع بأن المشكلة في لبنان اقتصادية فقط في حين أن أساس المشكلة هو عزلنا وسلخنا عن العالم العربي بفضل سياساته الخاطئة وحليفه. ربما يكون التفاوض قطع الشوط الأكبر، لكن يكفي أن يبقى واحد في المئة من الاختلاف لنسف الاتفاق بأكمله. المهم اليوم، التمسك بالملف الذي أعده الجيش اللبناني مع بعض التعديلات الطفيفة عليه اذا اضطر الأمر لذلك، لكن لا يجوز نسفه. وكل تصعيد اعلامي من الجانبين الاسرائيلي واللبناني، يهدف الى تحسين مواقع التفاوض بحيث أنهما لا يريدان التصعيد العسكري، لكن “حزب الله” كي لا يتراجع عن مواقفه قد يرسل بعض المسيرات الى “كاريش” من دون اطلاق صواريخ. وهكذا تعود المنطقة البحرية غير آمنة، وأي حقل متنازع عليه وفق قانون البحار الدولي، لا يمكن التنقيب فيه من دون موافقة الطرف الآخر. مع الاشارة الى أن أي اتفاق من هذا النوع لا يمكن أن توقعه حكومة تصريف أعمال بالنسبة الى لبنان أما الحكومة المؤقتة في اسرائيل، فلا يمكنها أن تتخذ أي قرار مهم الا بعد الانتخابات الداخلية الاسرائيلية. لا شيء ملموس الى اليوم على الرغم من أن المسؤولين يتحدثون عن ايجابية وتفاؤل، ونأمل أن يكون هذا التفاؤل في مكانه.

ورأى أحد الناشطين أن الترسيم الحقيقي قام به “حزب الله”، وأعطى مجالاً لحليفه المسيحي للمناورة في هذا الموضوع. الترسيم سيحصل لكن ليس قبل الانتخابات الاسرائيلية كما أن الأميركيين لا يريدون أن يتم التوقيع على الترسيم في عهد الرئيس عون. ومن الواضح أن الجميع يريد كسب الوقت في ظل التطورات الاقليمية والمحادثات النووية المعرقلة حالياً. النائب جبران باسيل يحاول استخدام الترسيم كورقة ضغط على الأميركيين لازالة اسمه عن لائحة العقوبات. انها طريقة عمل الطبقة السياسية التي تعودنا عليها. مع التأكيد أن مشكلتنا لا تنتهي مع الترسيم أو استخراج النفط، اذ هم يحاولون اظهار أن المشكلة في لبنان مشكلة اقتصادية فقط وأن ضخ المال في الدولة يعيدها الى مسارها الطبيعي، ويتناسون أن المشكلة الأساس في عزلنا وسلخنا عن محيطنا العربي.

شارك المقال