النظام الايراني يواجه “خصلة شعر”… واللبنانيون “بين الديب والغنم”

لبنان الكبير

فيما استمر اللبنانيون في لملمة مآسيهم المعيشية والحياتية، كانت الجمعية العامة للأمم المتّحدة تواصل اجتماعاتها في دورتها السابعة والسبعين في نيويورك، حيث عقد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين طرح خلالها مختلف الملفات والاستحقاقات اللبنانية، الا أن المظاهرات في مختلف المدن الايرانية استحوذت على اهتمام العالم، على خلفية مقتل الناشطة الايرانية مهسا أميني (22 عاماً) على يد النظام بعدما دخلت في غيبوبة في أعقاب إلقاء شرطة الأخلاق القبض عليها في طهران الأسبوع الماضي بحجة ارتدائها “ملابس غير ملائمة”. فيما لقيت مشاركة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الكثير من الانتقادات بحيث أن الأميركيين انتقدوا ادارة الرئيس جو بايدن في السماح للرئيس الايراني بالمشاركة فيها. هذه المشاركة شكلت احراجاً له في ظل الحملة الاعلامية التي شُنت عليه بسبب وجود أشخاص في الوفد المرافق له الى نيويورك خاضعين للعقوبات الأميركية، ونشرت بعض الصور التي تظهر أحد المطلوبين من العدالة الأميركية.

“إنها إنتفاضة خصلة الشعر” التي تخوضها نساء ايران ضد النظام منذ خمسة أيام.

وفي قراءة للمستجدات والمظاهرات التي تتسع دائرتها في ايران، لفت أحد الخبراء المتخصصين في الشأن الايراني الى أن الشعب الايراني ضاق ذرعاً بهذا الحكم اذ أنه منذ 40 عاماً محكوم من الحرس الثوري، بأمرة جماعة متزمتة لا تمت الى حضارة هذا العصر بأي شيء. الشعب تعب من هذه الحالة بالاضافة الى المتاعب الاقتصادية في ايران بسبب العقوبات عليها، مع العلم أنها بلاد غنية وتملك الطاقة خصوصاً وكانت قاعدة تجارية وصناعية كبرى، لكن الآن في ظل هذا الحكم لا يسيء الى العالم انما يسيء الى شعبه أولاً. وبالتالي، هذا شعب مظلوم وفقير، وعلى الرغم من العقوبات وقساوة الأحوال المعيشية، ايران تتبع سياسات تكلفها غالياً، وتعزل نفسها عن محيطها، وبالتحديد عن دول الخليج التي يمكن أن تشكل سوقاً مهمة بالنسبة الى هذه الدول.

من هنا، رأى الخبير المتخصص أن القصة طويلة، وطالما لم يتغير الحكم، لن يرى الشعب الايراني أي بحبوحة في العيش وأي عودة الى ممارسة الحرية. وهنا نسأل: في أي بلد في العالم اليوم لا يزال هناك ما يسمى بشرطة الأخلاق التي تحاسب السيدة على لباسها؟ ايران كانت في مرحلة من المراحل منفتحة على الثقافات الغربية وعلى الثقافات الأخرى وتعيش حالة من النشاط الاجتماعي المميز، ولم تتعرض للشعب على اللباس تطبيقاً للشريعة الاسلامية. اليوم، من الطبيعي أن تصل الأمور الى الانفجار بحيث تقتل الشرطة فتاة بسبب لباسها أمر غير مقبول. ولطالما عبّر الشعب الايراني في انتفاضات سابقة عن غضبه، في مدن عديدة، بسبب الشعور بالظلم. المظاهرات الشعبية يمكن أن تسقط الحكم، واذا استمر الشعب في التظاهر وفي مقاومته كقوة شعبية في الشارع، فسيضعف النظام تدريجاً الى أن يسقط، لكن متى هذا السقوط لا يمكن توقعه لأن ليس هناك من معلومات دقيقة وواضحة عما يجري على الأرض، وليس لدينا تقارير عن مستوى الضغينة والكره لدى الشعب والمعارضين تجاه النظام، وما هي النسبة الفعلية للمعارضين الذين يريدون التغيير. وعلى الرغم من توسع دائرة المظاهرات الا أنها لم تصل بعد الى مرحلة النضوج للتغيير. لا بد من انتظار نهاية حكم المرشد الإيراني السيد علي خامنئي لاستقراء امكان حدوث تغيير في الطبقة الايرانية الحاكمة.

وبالعودة الى الملفات الداخلية، اذا صحّت الأجواء التفاؤلية، فإن الحكومة ستلد منتصف الأسبوع المقبل على قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم” مع العلم أن العرقلة تبقى واردة الى حين اعلان مراسيم التشكيل خصوصاً أن الرمال التفاوضية متحركة، وذلك على الرغم من الضغوط الخارجية لاتمام الاستحقاقات الدستورية، وهذا ما شدد عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه الرئيس ميقاتي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة.

وكالعادة، ينقسم المحللون السياسيون في قراءتهم للمرحلة المقبلة في حال التشكيل أو عدمه، لكن لا بد من التسليم في البداية بأن اجراء الاستحقاقات واجب دستوري وليس خياراً. وبالتالي، يرى البعض في الحكومة الأصيلة حاجة ملحة لتتولى إدارة البلد وتتسلّم صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال الشغور، وتعمل على تمرير المرحلة بسلاسة. في حين يعتبر آخرون أن التشكيل لا يعني بالضرورة ايجابية في المرحلة المقبلة لا بل على العكس يمكن أن تكون تداعياته سلبية على الاستحقاق الرئاسي بحيث أن تسلم الحكومة الجديدة ادارة السلطة، سيجعل المتضررين من انتخاب رئيس للجمهورية يتمادون في المماطلة والمراوغة، ويستمر الكباش على هذا الصعيد وصولاً الى تسوية إقليمية دولية تأتي بكلمة سر تؤدي الى انتخاب رئيس جديد فيما عدم التشكيل يشكّل عاملاً ضاغطاً على القوى السياسية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي تحت ضغط الفوضى الدستورية وغير الدستورية.

وفي هذا الاطار، أجمع السياسيون من مختلف الانتماءات على ضرورة تشكيل حكومة في الأمس وليس اليوم أو غداً كما ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في المهلة الدستورية. لا نوافق على هذه التحليلات على اعتبار أن عملية ربط التشكيل الحكومي بانتخاب أو عدم انتخاب رئيس للجمهورية غير منطقية. رئيس الجمهورية ينتخب بأكثرية مجلس النواب، واذا كانت هناك حكومة جديدة أو ان استمرت الحكومة المستقيلة، فلن تغير في مواقف النواب مع العلم أن الحكومة المقبلة ستكون صورة معدلة عن الحكومة الحالية ما يعني أنها لن تستطيع انقاذ البلد لأنها نتيجة توافق بين أهل المنظومة المترسخة التي أوصلتنا الى الانهيار. وبين خياري المر والأمر، يجب اختيار المر، وتشكيل حكومة كاملة المواصفات خصوصاً أن التوازنات في المجلس النيابي لا يبدو أنها ستسمح بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية أقله الى اليوم، ما يعني أن استمرار الحكومة المستقيلة سيزيد الوضع سوءاً وتأزماً. ثم لا بد هنا من طرح الأسئلة: من مصلحة من المماطلة في انتخاب رئيس للجمهورية خصوصاً أن البلد في غرفة العناية الفائقة؟ وهل القوى الاقليمية اذا أرادت العرقلة، ستتوقف عند شكل الحكومة؟ يجب تطبيق الدستور لا أكثر ولا أقل، والابتعاد عن الفلسفة والاجتهادات وعن نظرية المؤامرات لأن كل هذا الكلام ليس في محله، ولا يرتكز على وقائع ملموسة.

أما على خط الجلسة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري الاثنين المقبل لاستكمال دراسة موازنة 2022، فأشار مصدر مطلع الى أنه في حال لم يكتمل النصاب أو عمد النواب الى تطيير الجلسة كما في المرة السابقة، سيضعهم الرئيس بري أمام مسؤولياتهم، وليتحملوا النتائج، وليترقبوا الشلل التام في القطاع العام وفي دوائر الدولة، لكن نأمل الحضور الى الجلسة بتفكير ايجابي لأن الموازنة مطلب محلي ودولي على الرغم من أنها ليست الموازنة الاصلاحية والأفضل على الاطلاق، انما يمكن اعتبارها موازنة الطوارئ كي لا نستمر في الصرف على قاعدة الاثني عشرية. السؤال هنا: هل يريدون الذهاب نحو الشلل الكامل؟ هل هذا هو المطلوب في الوقت الراهن؟

فيما لفت أحد النواب المعارضين الى أننا نسمع عن تعديلات في الموازنة، لكن لم تصلنا النسخة المعدلة حتى الساعة ما يعني أنها ربما تكون شائعة أكثر مما هي حقيقة، ونتوقع أن يكون النصاب مكتملاً في الجلسة المقبلة على الرغم من أن الموازنة فاشلة وأي انسان لديه حد أدنى من المعرفة الاقتصادية لا يمكن أن يقبل بها، ونستبعد أن يقبل بها صندوق النقد الدولي. هذه الموازنة سيكون عمرها 3 أشهر، فلماذا لا نستمر في العمل وفق الخطة الاثني عشرية حتى نهاية العام؟ وفي هذه المرحلة تنكب الحكومة على خطة اقتصادية شاملة مدروسة وواقعية خصوصاً أننا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم، بسبب الموازنات الوهمية السابقة، والهندسات المالية الخاطئة. الموازنة تعمد الى الترقيع، ولا تعبّر عن الوضع الاقتصادي والمالي ولا تتضمن أي نظرة جديدة في قراءة الوضع.

شارك المقال