خط أحمر دولي – سعودي لـ”الطائف”… ومراكب الموت تبحث عن بر

لبنان الكبير

فيما يحضر لبنان على أجندات الدول الكبرى التي لا تزال على الرغم من انشغالاتها بالقضايا والأزمات العالمية، تحاول رسم خارطة طريق لخلاص البلد الصغير من مشكلاته الكبيرة، كانت مراكب الموت تشق طريقها في عرض البحر نحو أصقاع العالم لأن هناك أناساً جاعوا في وطن لم يأبه مسؤولوه بصراخهم واستغاثتهم وطلبهم النجدة، فرموا أنفسهم في الأمواج العاتية غير مترددين ولا معتبرين من مصير من سبقهم لأنهم كما يقولون “ان لم نمت في البحر فسنموت على البر”.

والبداية من بر نيويورك، اذ في وقت ينتظر فيه اللبنانيون ترجمة التفاؤل في ملف الاستحقاق الحكومي بولادة قريبة بعد عودة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من السفر، والاستعداد لاجراء الاستحقاق الرئاسي في المهلة الدستورية، وترقب مصير الترسيم البحري الحدودي بين لبنان واسرائيل، التقى ممثلو كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وفرنسا، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناقشة الوضع في لبنان، ولفتوا في بيان أصدروه الى دعمهم المتواصل لسيادة لبنان وأمنه واستقراره. وشددوا على “أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بما يتوافق مع الدستور. وانتخاب رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني والعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية للتغلب على الأزمة الحالية أمر بالغ الأهمية”، داعين الى “تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والإقتصادية المطلوبة بصورة عاجلة لمواجهة أزمات لبنان السياسية والاقتصادية، وتحديداً الاصلاحات اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”. وأكدوا أنهم “على أتم إستعداد للعمل بصورة مشتركة مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الاجراءات الاصلاحية الأساسية التي تعتبر ضرورية لازدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل”.

وأشارت الدول الثلاث الى “ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 و1701 و2650 وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة، بما في ذلك تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، وأن تلتزم باتفاق الطائف الذي يحفظ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان”. وبالتالي، أتت الرسالة واضحة: عدم المسّ بالدستور وباتفاق الطائف.

ومن على منبر الأمم المتحدّة نفسه، شدد الرئيس ميقاتي على التزام لبنان بالقرارات والمواثيق الدولية، مؤكداً أن “لا غنى للبنان عن الدول العربية التي ينتمي اليها، ونلتزم باتفاق الطائف ونرفض المس به.”

وفي هذا الاطار، رأى أحد النواب السابقين في تصريح لـ”لبنان الكبير” أن البيان المشترك بالغ الأهمية في توقيته ومضمونه. انه رسالة موجهة ليس الى ايران الممسكة بالقرار اللبناني وحسب، انما أيضاً الى نواب الأمة الذين يعتبرون أنهم يمثلون الشعب، وعليهم اليوم الالتزام بهذا البيان، وايصال رئيس جمهورية ينقذ البلد من أزماته. اذاً، الدول تقوم بواجباتها، ولا يمكن أن نتخلى نحن عن مسؤولياتنا وواجباتنا، ولا نطلب المساعدة من الخارج من دون أن نساعد نحن أنفسنا. وفي حال لم يلتزم النواب الذين يعتبرون أن البيان تكرار لمواقف سابقة وليست له أي أهمية، بالمعايير التي نص عليها، فانهم يساهمون في إدخال لبنان مرة جديدة في أتون جهنم. نواب الأمة مسؤولون عن التقاط هذه اللحظة التاريخية وملاقاة هذا البيان الدولي المشترك والذهاب نحو انتخاب رئيس يتطابق مع هذه المواصفات. اليوم، قبل الاستحقاق الرئاسي، اجتمعت 3 دول كبرى معنية بلبنان فرنسا والسعودية والولايات المتحدة، ووضعت دفتر شروط لانتخاب رئيس جديد، وتحدثت عن الرئيس المقبل الذي عليه تنفيذ الدستور والطائف وقرارات الشرعية الدولية، كما طالبت بضرورة الاصلاحات من أجل تعاون دوائر القرار العربية والخارجية مع الرئيس الجديد. وأمام ايران اليوم حل من اثنين: اما تعتبر أن هذا البيان تحد، وتجاوب على التحدي بتحد، وتعمل على ايصال رئيس لا علاقة له بكل هذه المواصفات، أو تعتبر أن هناك ضرورة للتعاون مع المجتمع الدولي، وتستجيب له من خلال الافراج عن الاستحقاق الرئاسي لأنه مخطوف من قبلها، ومطالبة الرئيس نبيه بري بالدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس جديد وفقاً للمواصفات التي ذكرت في البيان. عواصم القرار تخشى اليوم أن يكون سيناريو الشغور الرئاسي مقدّمة للاطاحة بالطائف، وتغيير النظام في ظل وجود فريق يفرض ما يريد بقوة السلاح. وهنا لا بد من التوقف عند دلالات البيان المشترك بين هذه الدول بحيث أن فرنسا التحقت بالخيار السعودي – الأميركي في التعاطي مع لبنان، والبعيد من مسايرة “حزب الله”.

في حين اعتبر أحد النواب أن العودة الدولية الفعلية تكون حين يتم الانقاذ الاقتصاي للبنان. أي دعم وأي بيان وأي مساعدة اذا لم ترتبط بتخفيف معاناة الناس واعادة الروح الى الاقتصاد اللبناني وتخفيف المعاناة في التربية والاستشفاء والتعليم، تكون بلا ترجمة. نريد خطوات فعلية تطمئننا، لكن في الوقت نفسه هذا لا يعفينا من أننا ملزمون بانتخاب رئيس والحفاظ على مؤسساتنا الدستورية والقيام بكل جهد للتعافي. ولا يجب أن ننتظر دعوات الخارج لاتمام ذلك. كل من يحاول مساعدة لبنان نحن نرحب به، لكن المهم أن نقوم نحن بواجباتنا.

وعلى مقلب الترسيم البحري حيث يؤكد المسؤولون أن الايجابية كبيرة وأن الملف في الأمتار الاخيرة قبل الوصول الى الاتفاق، الا أن الغموض حول التفاوض يجعل الخبراء يختلفون في الآراء في ما بينهم بحيث هناك من يعتبر أن لا ايجابية في هذا الملف طالما أن لبنان تنازل عن حقه في الخط 29، وأنه لا يزال يتنازل براً وبحراً لأن الترسيم يُدار بالسياسة وليس من الخبراء والتقنيين والقانونيين، لذلك رأينا المطالب الاسرائيلية المفاجئة خصوصاً في ما يتعلق بالنقطة b1 وخط الطفافات وغيرها من النقاط التفصيلية. العبرة في الخواتيم الايجابية وحقوق لبنان وليس في التصاريح والمواقف التي تتسابق في التفاؤل.

أما أحد خبراء النفط والغاز، فأكد أن موضوع الترسيم يسير في مسار جيد وقريباً سنشهد تطوراً ما على هذا الصعيد، لكن لا يمكن تحديد مهل زمنية حالياً لأن العراقيل ربما تحصل في اللحظات الأخيرة، لكننا قطعنا الشوط الأكبر من التفاوض، وتخطينا كل المعوقات، ونحن في مرحلة انتظار تبلور المفاوضات في صيغة أو اتفاق يوقع عليه الجانبان اللبناني والاسرائيلي. ووفق المعلومات، فإن لبنان حصل على الرد شبه النهائي من اسرائيل، لكن لا نعرف متى الاعلان عنه، لأن الملف سري، وتبقى الجولة الأخيرة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في المنطقة لوضع النقاط على الحروف، مع العلم أنه لا يمكن أن نقول “فول تيصير بالمكيول” لاسيما أننا نتعامل مع عدو لا يمكن الاطمئنان اليه والى نواياه. أما بالنسبة الى من يقولون ان حقل “قانا” فارغ وكأن اسرائيل تبيع لبنان سمكاً في البحر، فهذا غير صحيح لأنه لو كان الأمر كذلك لما كان العدو تمسك بالحقل ويحارب للحصول على جزء منه. ولا بد من التوقف عند مسألة التفاوض بحيث أن لبنان لا يفاوض العدو الاسرائيلي فقط بطريقة غير مباشرة انما يفاوض المجتمع الدولي بأكمله. والملف ما بعد الترسيم مرتبط بنتائج الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وما اذا كانت روسيا ستقبل أن يكون العدو الاسرائيلي بديلاً عنها في تصدير الغاز؟ هل ستكون لذلك تداعيات سلبية على لبنان وعلى المواقع والحقول والتنقيب والاستخراج؟ ربما يعرقل ملف النفط ان كان لجهة الجانب اللبناني أو لجهة الجانب الاسرائيلي. اذاً، في السياسة يمكن اعتبار لبنان منتصراً بحيث أنه فرض شروطه، وأخذ ما يريد، والعدو الاسرائيلي لن يكمل استخراج النفط الى حين الاتفاق على الترسيم. وفي الشق التقني أي لناحية الخطوط والحقول يمكن الحديث عن تنازل ليس لناحية أن لبنان لا يريد الحصول على حقه انما لأن هناك مجتمعاً دولياً لا يمكن منافسته ومواجهته، كما أن لبنان حصل على ما يمكن أن يحصل عليه وحبة مسك خصوصاً أن هناك مشروعاً دولياً لإيصال الغاز الى أوروبا برعاية أميركية. ولا بد من التأكيد أن الترسيم انطلق من البر، والعدو حاول خلق سيناريوهات كي يستفيد من الوقت. ولم يتم الحديث عن خط الطفافات وعن النقطة b1 بصورة أساسية في التفاوض بحيث أن الجانب اللبناني كان حاسماً بأنه لن يتنازل عن متر واحد في البر، وكل ما يتم الحديث عنه في هذا السياق غير صحيح. اسرائيل حاولت الضغط في مكان معين لكن لبنان لم يتجاوب معها، وسرعان ما تخلت عن هذه الضغوط خصوصاً بعد المسيرات. في الخلاصة، الموقف اللبناني لا يزال موحداً في عدم التخلي عن حبة تراب في البر أو عن كوب ماء في البحر. واليوم، لبنان يتحكم بواقع المفاوضات والعدو يماطل، وهذه المماطلة تؤثر على أوروبا ما ينعكس سلباً على اسرائيل.

شارك المقال